هيكلة جديدة للائتلاف السوري: تسويات نصر الحريري وبدر جاموس

هيكلة جديدة للائتلاف السوري: تسويات نصر الحريري وبدر جاموس

28 فبراير 2021
بات "الجيش الوطني السوري" القوة الكبرى عسكرياً داخل الائتلاف (الأناضول)
+ الخط -

بات "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" على مفترق طرق، في الداخل وفي الخارج على حدّ سواء. وعلى الرغم من تراجع التعاطي الدولي معه بحكم تغيير الظروف التي تخللت الثورة السورية وطول أمدها والتقلّبات التي شهدها ملف الحل السياسي، إلا أن الائتلاف يبقى الجسم الأكثر تمثيلاً للمعارضة السورية، لكونه يضمّ مكونات عن كثير من شرائح المعارضة المختلفة، مدنياً وعسكرياً وسياسياً. لكن في ظل الانتقادات الموجهة للائتلاف، يبرز توجه لإصلاح في هيكله، خصوصاً أن رئيس الائتلاف، نصر الحريري، وعد سابقاً بإجراء إصلاحات في الجسم الأكبر للمعارضة السورية. وفي السياق، تسارعت الخطوات لوضع هيكلية جديدة للتمثيل العسكري داخل الائتلاف، بعد اختفاء كثير من الفصائل العسكرية من المشهد الميداني، وحلول أجسام جديدة تحاول أن تملأ الفراغ بصورة أكثر تنظيماً، بعد خطوات من الدمج وتذويب فصائل صغيرة بأخرى أكبر منها، لا سيما بعد عام 2015.

وفي ظل هذه التغييرات، بات "الجيش الوطني السوري" المنتشر في ريف حلب الشمالي والمناطق الخاضعة لسيطرته في كل من ريفي الرقة والحسكة، والذي أشرفت تركيا على تشكيله وترتيب هيكليته وتدريب الكثير من تشكيلات في كثير من الأحيان، رقماً لا يمكن الاستهانة به ضمن هذه المعادلة العسكرية. وانعكس ذلك على "الجبهة الوطنية للتحرير"، المنتشرة في إدلب، وهي تحالف بين عديد من الفصائل، بعد أن أصبحت تابعة شكلياً لـ"الجيش الوطني السوري"، بعد إعلان وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة عن دمجهما في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

تسارعت الخطوات لوضع هيكلية جديدة للتمثيل العسكري داخل الائتلاف

وعلى الرغم من ارتفاع الآمال في إجراء إصلاحات جدية داخل الائتلاف، إلا أن مصادر مطلعة كشفت لـ"العربي الجديد" أن عملية الإصلاح الأخيرة، وما سبقها، ليست سوى محطة من قبل كتل مختلفة ومتناحرة داخل الائتلاف، تحاول كسب الولاءات وإدخال من يتماشون مع آرائها للاستقواء بهم. مع العلم أن العسكر يتمثل في الائتلاف بـ15 عضواً من أصل 88 هم مجمل أعضاء الائتلاف عن 25 مكوناً سياسياً وعسكرياً داخله. وكان الممثلون الـ15 للعسكر منتدبين عن فصائل عسكرية، لم يعد لها وجود على الأرض بعد عمليات الدمج وخروج الكثير من المناطق عن سيطرة المعارضة، ما أدى لتلاشي الفصائل التي كانت مقاتلة فيها. وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن الهيكلية الجديدة لتمثيل العسكر في الائتلاف ستتضمّن 7 ممثلين عن "الجيش الوطني السوري" ومثلهم عن "الجبهة الوطنية للتحرير"، على أن يبقى بعض الأعضاء السابقين ممثلين عن فصائل لا تزال موجودة على الأرض، في حين سيتم استبدال البعض الآخر بأسماء جديدة.

حول هذا الأمر ذكرت نائبة رئيس الائتلاف والمتحدثة الرسمية باسمه، ربا حبوش، أن "عملية إعادة الهيكلة تتم ليكون ممثلو الفصائل معبّرين عن الواقع التنظيمي الفعلي للجيش الوطني السوري، خصوصاً بعد التعديلات والتطويرات الأخيرة التي أجريت على الجيش، فقد تم تنظيمه في ثلاثة فيالق إضافة إلى الجبهة الوطنية للتحرير". وأضافت في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "إعادة الهيكلة تسعى إلى نقل هذه العملية التنظيمية إلى الطريقة التي يتم بها تمثيل الجيش الوطني في الائتلاف، بالاتفاق بين الفصائل الفاعلة على الأرض ضمن الجيش الوطني، فتكون مرجعية واحدة لممثلي الفصائل في الائتلاف".

وأشارت حبوش إلى أن "عملية إصلاح الائتلاف هي عملية دائمة ومستمرة، فقد جرى تغيير واستبدال معظم أعضاء الائتلاف خلال السنوات الماضية، وغادر الائتلاف 64 عضواً ودخل بدلاً منهم 46 عضواً. وبالتأكيد فإن إدخال شخصيات ومكونات جديدة حاجة ملحة ولها آثار إيجابية". وأضافت أنه "منذ بدء الدورة الرئاسية الحالية نعمل على متابعة عملية الإصلاح على عدة محاور، من بينها محور العضوية. كذلك سنقوم أيضاً بمراجعات تتعلّق بتمثيل بقية المكونات السياسية بما ينسجم مع الواقع الحالي. في الائتلاف حالياً 25 مكوناً، ونسعى لتوسيع التمثيل ليكون أكبر وأوسع".

وأكدت حبوش في حديثها عن عملية الإصلاح أنه "تم الانتهاء من بعض الخطوات وجرى الإعلان عنها بالتدريج مع نهاية كل مرحلة، والآن هناك توافق بين معظم أعضاء الائتلاف ومكوناته حول متابعة العملية الإصلاحية، وأحياناً تتباين التصورات. ولكن بالمجمل إن الهدف العام هو أن يكون التمثيل حقيقياً وبما يخدم الثورة ويحقق أهدافها". وفي حين تحدثت مصادر عن قرارات للائتلاف بإقالة عدد من الأعضاء العسكريين، الذين لم يبقَ لفصائلهم فاعلية على الأرض، ضمن عملية إعادة الهيكلة، قدّم رئيس "حركة تحرير الوطن"، العميد فاتح حسون، استقالته في الائتلاف. وعلّل ذلك "بحاجة العمل المؤسساتي لتجديد دماء، وترك المكان لمن يستطيع تقديم الكثير للصالح العام"، معتبراً أن "الثورة السورية خرجت ضد تكريس السلطة واستمرارها بيد أشخاص محددين، ومن يتحلى بالأخلاق الثورية عليه أن يعرف موقعه وقدراته، ويُصحّح خطواته، ويتعاون مع الجميع لتحقيق أهداف ثورتنا المجيدة". وأكد أنه "ضمن خطوات إصلاح الائتلاف، سيكون هناك تمثيل جديد للفصائل، ونحن في حركة تحرير الوطن لسنا ضمنهم".

العسكر يتمثل في الائتلاف بـ15 عضواً من أصل 88 هم مجمل أعضاء الائتلاف

 

وأوضح حسون في حديث لـ"العربي الجديد" أن "مؤسسة الائتلاف مظلة جامعة للثورة السورية، ولها احترام وقبول دوليان، وعملية إصلاحها تبدأ خطوة خطوة وبشكل مدروس، وإلا تصدعت. والاستبدال ليس لعدم وجود أو وجود فصيل، بل لتكون كافة فرق وفيالق الجيش الوطني ممثلة وهي تضم عشرات الآلاف. وعندما دخلت سابقاً الفصائل التي استبدلت في الائتلاف كان لها نفوذ وسيطرة كبيرة على مناطق محددة، وأصبحت هذه المناطق تحت سيطرة النظام حالياً، وإن أردنا للائتلاف أن يكون قوياً وفاعلاً فلا بد أن تكون مكوناته قوية وفاعلة". وشدّد على أن "الإصلاح لا يتوقف على العضوية فقط، بل له نواحٍ متعددة، تتم محاولات العمل عليها، وعلينا جميعاً مساندة ذلك وتقديم العون في هذا الاتجاه، وإلا خسارتنا ستكون كبيرة".

من جهة أخرى، كشف عضو من الائتلاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عملية إعادة الهيكلة لعضوية أعضاء الائتلاف ليست سوى صفقة و"بازار" بين كتلتين، الأولى يقودها رئيس الائتلاف نصر الحريري، والثانية يقودها عضو الائتلاف بدر جاموس. وأشار إلى أن القصة بدأت عندما اتخذ الائتلاف خلال الدورة الرئاسية الماضية قراراً بتوسعته، فشكّلت لجنة مؤقتة من عشرة أشخاص. ومن مهمة هؤلاء اختيار عشرة أعضاء جدد للائتلاف عن مكونات دينية وعرقية غير ممثلة فيه. وقد حدثت بعض المشاكل داخل هذه اللجنة إلا أنهم استقروا على ترشيح عشرة أسماء، اعتذر أربعة منهم عن الدخول ضمن أعضاء الائتلاف ليبقى منهم ستة.

واتهم المصدر الحريري بإعاقة عملية انضمام الأشخاص الستة لعضوية الائتلاف، فيما سعى لهيكلة عضوية العسكر ليضمن دخول مقربين منه إلى الائتلاف من فصائل يحسب نفسه عليها وتحسب نفسها عليه. وهو ما عارضه جاموس الذي لا يرغب في أن تكون هناك مرجعية واحدة للعسكر لكي يسهل السيطرة على رأيهم، بحسب المصدر. وأشار إلى أن الطرفين وصلا أخيراً إلى اتفاق بما يشبه "البازار"، خلاصته: يوافق الحريري على دخول الأعضاء الستة الجدد الذين اختارتهم لجنة توسعة العضوية وهم يمثلون أقليات معينة، مقابل موافقة جاموس وكتلته على هيكلة العسكر بالشكل المطروح أخيراً، ليصبح عدد أعضاء الائتلاف 94 عضواً.