هل ينفذ البرهان تهديده بطرد المبعوث الأممي إلى السودان؟

هل ينفذ البرهان تهديده بطرد المبعوث الأممي إلى السودان؟

02 ابريل 2022
البرهان يصعّد لهجته ضد البعثة الأممية (محمود حجاج/ الأناضول)
+ الخط -

لم تكن تهديدات رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، خلال كلمته، أمس الجمعة، بحفل تخريج ضباط جدد من الكلية الحربية، بطرد مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس، مفاجئة لكثيرين، خصوصاً من يدرك هواجس العسكر المتصاعدة، منذ مدة طويلة، تجاه الوجود الأممي في البلاد.

وطالب البرهان خلال كلمته المبعوث الأممي "بأن يكف عن التمادي في تجاوز تفويض البعثة الأممية والتدخل السافر في الشأن السوداني، وبأن ذلك سيؤدي إلى طرده من البلاد".

وصعّدت أصوات قريبة من المكون العسكري خطابها ضد الأمم المتحدة عامة، ومبعوث أمينها العام خاصة، فقد كتب المقدم إبراهيم الحوري، وهو رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة، مقالاً اتهم فيه البعثة بـ"التدخل السافر" في الشؤون الداخلية، مشيرا إلى أن بيرتس سعى لمقابلة الأحزاب ولجان المقاومة بشكل "غير دبلوماسي".

وزعم أن إنهاء عمل البعثة أصبح مطلبا لكثيرين لأنها لم تلتزم الحياد، وانحازت انحيازاً مفضوحاً لجهات بعينها، مبينا أن بيرتس نصب نفسه "وصياً على السودان ومتحدثا باسمه"، مطالباً بضبط عمله وعمل البعثة عامة.

وردت البعثة على ما جاء في المقال اعتقادا منها بأنه ربما يمثل رأياً عاماً داخل المؤسسة العسكرية، وذكرت أن السودان جزء من الأمم المتحدة التي تمد يد العون للأعضاء فيها، ولا يُسمى ذلك تدخلاً، حسب تقديرها، مشيرة إلى أن البعثة تعمل وفقاً لتكليفها المنصوص عليه في قرارات مجلس الأمن، قبل أن تؤكد أن الأمم المتحدة غير محايدة بخصوص الالتزام بحماية حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية.

دهشة من غضب الانقلابيين

تعليقا على ذلك، لم يستبعد الناطق الرسمي باسم قوى "إعلان الحرية والتغيير"، جعفر حسن، إقدام قائد الانقلاب على تنفيذ تهديده في أي لحظة بطرد المبعوث الأممي فولكر بيرتس.

وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "البعثة التي يترأسها بيرتس مهمتها الأساسية هي حماية التحول المدني الديمقراطي في السودان، وبما أن الانقلاب قوض التحول الديمقراطي، فمن الطبيعي أن تدافع البعثة عن ذلك التحول وتراقبه وتكتب تقاريرها لمجلس الأمن لتوصيف ما حدث وإيصال ذلك للعالم".

وأشار حسن إلى أن "البعثة، وبموجب قرار تفويضها، ليست وسيطة ولا محايدة في ما يتعلق بحماية التحول الديمقراطي المدني وحماية حقوق الإنسان"، موضحاً أن التقرير الذي قدمه فولكر بيرتس أخيراً لمجلس الأمن لم يكن قوياً بما يكفي تجاه الانقلاب العسكري، مبدياً دهشته من غضب الانقلابيين حياله.

ولفت حسن إلى أن الرئيس المخلوع عمر البشير سبق أن طرد في العام 2006 المبعوث الأممي يان برونك، لكن ذلك لم ينجه من السقوط، مؤكدا أن "طرد البعثة الأممية الحالية سيساهم في التعجيل بانزلاق السودان نحو الهاوية، وهو مصير حتمي في ظل الانقلاب الحالي".

 لكن الصحافي السوداني عبد الماجد عبد الحميد استبعد تماماً فرضية تنفيذ تهديدات البرهان بحق بيرتس، موضحاً أن خطاب البرهان يقرأ في سياقه الزماني والمكاني.

فولكر بيرتس (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
(أشرف شاذلي/ فرانس برس)

وتابع قائلا في تصريح لـ"العربي الجديد": "كان الرجل يخاطب تخريج دفعات جديدة من الضباط، ويبدو أنه يخاطب غضباً وسط الجيش"، مؤكداً أن "البرهان لا يمتلك القدرات لمثل تلك القرارات الكبيرة، وليست لديه قابلية واستعداد لمزيد من الضغوطات الخارجية عليه، التي بدأت بعد ما قرره في 25 أكتوبر/ تشرين الأول، وواجه عزلة دولية لا يستطيع مضاعفتها بإنهاء البعثة أو طرد رئيسها".

واعتبر أن هدف البرهان من تلك التصريحات هو "الشحن العاطفي".

فصول من الصراع

وأنشئت بعثة الأمم المتحدة في السودان بقرار من مجلس الأمن في العام 2020 لدعم الانتقال الديمقراطي في البلاد عقب سقوط نظام البشير في 2019، لكن البعثة بدأت مهمتها فعلياً في مطلع العام 2021، ولم يتحمس المكون العسكري في السلطة الانتقالية مطلقاً لقرار تشكيلها.

وعارض بالأساس طلب حكومة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تشكيل البعثة، ورفض بشدة تشكيلها تحت البند السابع، وظل موضوع البعثة جزءاً من الخلاف بين البرهان وحمدوك.

وبعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دعمت البعثة بقوة اتفاق قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان مع حمدوك في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وشعرت بخيبة أمل كبيرة لعدم التعاطي الشعبي والسياسي مع الاتفاق وعدم تأثيره على المشهد كلياً.

وفي الثامن من يناير/ كانون الثاني الماضي، أي بعد أسبوع واحد على استقالة حمدوك من منصبه، تقدمت بعثة الأمم المتحدة بمبادرة سياسية لتقريب وجهات النظر بين فرقاء الأزمة، واجتمعت بعدد من الأحزاب والتيارات السياسية، وزادت مساحة تحركها.

إلا أن تلك التحركات قوبلت بتحفظات شديد من جانب المكون العسكري بعدما عدها تدخلاً في الشأن الداخلي وتجاوزاً للتفويض، فيما عمد الانقلابيون إلى تشجيع الاتحاد الأفريقي ليكون جزءاً من المبادرة الأممية تثميناً لمبدأ الحلول القارية للمشكلات الأفريقية.

لكن ما صعّد لهجة المكون العسكري ضد بعثة الأمم المتحدة هو التقرير الذي قدمه بيرتس، الأسبوع الماضي، لمجلس الأمن الدولي، وحذر فيه من مآلات الانقلاب العسكري في السودان سياسياً وأمنياً واقتصادياً وإنسانياً، مشيراً إلى أن كل شيء ذاهب للتدهور لغياب الحكومة منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

كما حذر من انحدار نحو صراع خطير، عازيا ذلك إلى ازدياد التوترات داخل مختلف فصائل قوات الأمن، وهو بذلك يبدو أنه يشير إلى ما يتردد باستمرار عن توترات بين الجيش وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو. 

كما ذكر المبعوث الدولي أن خريطة الطريق للجهود الدولية والإقليمية الرامية لحل الأزمة السودانية ستركز على قيام حكومة مدنية، تكون قادرة على توجيه البلاد خلال الفترة الانتقالية ومعالجة الأولويات الأساسية، وانتقد بشدة استمرار التعامل العنيف للسلطات الأمنية السودانية مع التظاهرات السلمية ضد الانقلاب.

ولم يجد التقرير رضى دوائر سلطة الانقلاب العسكري، وأصدرت وزارة الخارجية بياناً قالت فيه إن لجنة برئاسة عضو مجلس السيادة شرعت في اتخاذ إجراءات تطالب بها البعثة بالالتفات إلى الجوانب الأخرى في تفويضها، مثل دعم اتفاق جوبا للسلام، وهو اتفاق بين الحكومة وحركات تمرد وقعته في العام 2020، وحشد الموارد اللازمة للتحضير للانتخابات، بدلاً من تركيز جُلّ نشاط البعثة في الجانب السياسي فقط.