هل يصمد التحالف الحكومي في تونس أمام الهزات؟

هل يصمد التحالف الحكومي في تونس أمام الهزات؟

27 ديسمبر 2020
أحزاب الائتلاف الحكومي قالت إنها متضامنة فيما بينها (ياسين جيدي/الأناضول)
+ الخط -

لم تتمكن الأغلبية النيابية المساندة لحكومة هشام المشيشي من خلق فترة استقرار تمكّنها من اختراق المشهد الاجتماعي المتوتر في تونس، وإحداث التغييرات على التشكيل الحكومي، كما كان متوقعاً منذ الاتفاق مع المشيشي.
 ويضم هذا الائتلاف الحكومي بالأساس كلاً من حركة "النهضة" وحزب "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، بالإضافة إلى حزب "تحيا تونس" وكتلة "الإصلاح الوطني" والكتلة "الوطنية".
وتتزايد الضغوط على الائتلاف من المعارضة الشرسة التي يتلقاها من الكتلة "الديمقراطية" (تضم حركة الشعب والتيار الديمقراطي) من ناحية، ومن الحزب الدستوري الحر من ناحية أخرى.
وجاء قرار إيقاف رئيس حزب "قلب تونس"، نبيل القروي، قبل أيام، ليعيد طرح السؤال عن مدى صلابة هذا التحالف في مواجهة هذه الأزمات، خصوصاً أن معارضيه توقعوا أن يحدث هذا الاختبار خلافاً بين مكوناته.
ونشر النائب عن الكتلة "الديمقراطية" والعضو السابق في هیئة الدفاع عن القروي، هیكل المكي، تدوينة معبّرة بعد إيقاف القروي، قال فیھا: "سقطت حكومة المشیشي"، متوقعاً أن يكون الإيقاف دافعاً إلى إحراج "النهضة" وانسحاب حزب "قلب تونس" من الائتلاف الداعم لحكومة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

لكن ردّ "النهضة" والتحالف لم يتأخر كثيراً بعد خبر الإيقاف، وردّ القيادي فيها، رفيق عبد السلام، بأن "الائتلاف الحكومي سيزداد وحدة وتماسكاً، ليس لأنه الأفضل لتونس، ولكن لأن البديل منه حكم الأقليات المتسلطة، وتركيز الحكم الفردي الذي لفظته الثورة".
وأضاف في تدوينة أخرى أن "الذين يحلمون بتغيير المشهد السياسي بالمناورات الصغيرة واهمون ولن يجنوا غير الريح. ما يحدد الأوزان السياسية ويبني الشرعيات ويسقطها هو صندوق الاقتراع ولا شيء غير ذلك".
ويبدو موقف عبد السلام موضوعياً في هذا الاتجاه ومبنياً على قراءة تؤكد أنْ ليس أمام "النهضة" وبقية أحزاب التحالف من بديل أمامهم سوى مزيد التضامن أمام معسكر المعارضة الذي يزيد قوة، وخصوصاً أن السهام تنهال عليهم من كل جانب.
وبالفعل، أكد المكتب التنفيذي لحركة "النهضة" تضامن الحركة مع حزب "قلب تونس" وكتلته البرلمانية إثر تعرضهم لحملات تشويه بعد إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق رئيس الحزب".


وعبّرت الحركة عن "دعمها المتواصل لرئيس الحكومة هشام المشيشي ودعوته لإيلاء الملفات الاجتماعية والاقتصادية الأولوية الكبرى وعدم التواني في محاربة الفساد الذي يعطل كل مسارات الإصلاح والاستقرار".
ورحبت "النهضة" بكل دعوات الحوار الوطني، وفي مقدمتها مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، الهادفة إلى التوافق على الخيارات الاقتصادية الكبرى والإصلاحات المستعجلة الكفيلة بالخروج بالبلاد من الوضع الراهن، والمفضي إلى وضوح الرؤية الاقتصادية والاجتماعية للعمل الحكومي والتخفيف من تداعيات جائحة كورونا".
ويحمل هذا الموقف رسائل متعددة في الوقت ذاته، وهي أولاً أن "النهضة" متشبثة بتحالفها مع "قلب تونس"، وأن إيقاف رئيسه على ذمة التحقيق لا يغير من جوهر العلاقة مع حزبه وكتلته، وأن التوازن في البرلمان باقٍ على ما هو عليه، على عكس ما يريده منافسوهم.
 وتوجهت بالرسالة الثانية إلى رئيس الحكومة، هشام المشيشي، لتأكيد تمسكها به في هذا الظرف، على الرغم من تعثر البرامج المعدة سالفاً، وعلى رأسها تعديل التشكيل وإبعاد الوزراء القريبين من الرئيس قيس سعيد، والوزراء الذين لم يوفقوا في مهامهم.
وجاءت الرسالة الثالثة للاتحاد العام التونسي للشغل، لتحييده في هذا الصراع من جهة، والاعتراف بمكانته الوطنية وبأحقيته في إدارة حوار وإيجاد مخرج للأزمة، إلا أن بيان "النهضة" شدّد على أن يكون حواراً اقتصادياً واجتماعياً بالأساس، بما يسحب البساط من إدارة الرئاسة الرافضة لوجود "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" على طاولة الحوار.
رئيس الحكومة، هشام المشيشي، لم يتأخر بدوره عن توجيه رسالة إلى الداعين إلى إسقاطه، وعقد مساء الجمعة في قصر الحكومة بالقصبة جلسة عمل حضرها نائب رئيس كتلة حركة "النهضة" مختار اللموشي، ورئيس كتلة "قلب تونس" أسامة الخليفي، ورئيس كتلة "الإصلاح" حسونة الناصفي، ورئيس كتلة "تحيا تونس" مصطفى بن أحمد، ورئيس "الكتلة الوطنية"، رضا شرف الدين.


وأكد المشيشي أن هذا الاجتماع الدوري مع رؤساء الكتل البرلمانية الداعمة للحكومة يأتي في إطار مواصلة التشاور والعمل على المزيد من تدعيم التقارب بين الحزام السياسي والحكومة بما يمكن من الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الفعل المشترك، تطويراً لأداء الفريق الحكومي وتسريعاً لنسق إنجاز الإصلاحات الضرورية.
وأضاف أن هذه الجلسة تتزامن مع نهاية سنة شهدت عديد الأحداث السياسية، من أبرزها حصول هذه الحكومة على ثقة النواب ودعمهم، وتمرير قانون المالية لسنة 2021 والقانون التكميلي لسنة 2020، وبداية سنة جديدة تطرح جملة من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وشدد المشيشي على أن حكومته منفتحة على كل المقترحات والأفكار، وخصوصاً أنها حكومة الإنجاز والإصلاح، معتبراً أن الانطلاق في الإصلاحات يستوجب تعزيز اللحمة بين الجميع، بعيداً عن التجاذبات السياسية والعمل بصفة متقاربة وتكريس مبدأ التشارك. 

وأوضح المتحدث الرسمي باسم "قلب تونس"، صادق جبنون في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة بالحزام السياسي الداعم للحكومة تمحور حول عمل وبرنامج الحكومة ومزيد دعم الائتلاف البرلماني لهشام المشيشي، مضيفاً أنه جرى التطرق إلى بعض المسائل في علاقة بالسياسات العامة خلال الفترة المقبلة.
وأضاف جبنون أن الحديث عن تأثر الحزام السياسي الداعم للحكومة بالمتغيرات الأخيرة، خاصة إثر إيقاف رئيس حزب "قلب تونس"، غير صحيح، فالحزام متماسك والكتلة البرلمانية كذلك، وسيتجري أيضاً مواصلة الالتزامات تجاه الناخبين، وسيواصل "قلب تونس" عمله وجميع هياكله من مكتب تنفيذي وهياكل قائمة الذات، ويؤمل أن تسير الأمور نحو التوجه الإيجابي.
ويخوض التحالف الحكومي اختباراً مهماً أمام هذا الوضع، وستكشف الأيام المقبلة إذا ما كان تحالفاً صلباً قادراً على مواجهة هذه العواصف التي تحيط به، وإذا ما كان قادراً بالأخص على المضيّ قدماً في تعديل الحكومة وتنفيذ برامجه التي تهدف إلى تغيير بعض القوانين الهامة في البرلمان، وأهمها ما يتعلق بانتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية والقانون الانتخابي.