هل يسعى اليمين الفرنسي إلى تعطيل تسوية الأزمة مع الجزائر؟

04 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 15:57 (توقيت القدس)
عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي فاليري بواييه خلال استقبالها وفد حركة ماك (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استفزاز اليمين الفرنسي للجزائر: قبل زيارة وزير الخارجية الفرنسي، استقبلت عضوة مجلس الشيوخ فاليري بواييه وفدًا من حركة "الماك" التي تصنفها الجزائر كإرهابية، مما يعكس دعمًا فرنسيًا رسميًا للحركة ويعقد الجهود لتسوية الأزمة السياسية بين الجزائر وباريس.

- التوقيت السياسي وتأثيره: تأتي هذه الخطوة في وقت حساس مع اتصالات بين الرئيسين الجزائري والفرنسي لتسوية الأزمة منذ يوليو 2024، مما يشير إلى محاولة اليمين الفرنسي لتعطيل الجهود والتأثير على التفاهمات.

- اليمين الفرنسي والأزمة السياسية: يسعى اليمين الفرنسي لاستمرار الأزمة مع الجزائر كورقة انتخابية حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، مما يعكس تعقيد العلاقات الثنائية وتأثير السياسة الداخلية الفرنسية.

استبق اليمين الفرنسي المناوئ للجزائر، الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بعد غد الأحد إلى الجزائر، عبر خطوة استفزازية موجهة إلى الجزائر، بهدف السعي إلى تعطيل أي مسعى لتسوية الأزمة السياسية القائمة بين الجزائر وباريس منذ يوليو/ حزيران 2024، والتأثير على أية مخرجات إيجابية في هذه الزيارة. واستقبلت عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي فاليري بواييه، أمس الخميس، وفداً من حركة استقلال منطقة القبائل، "الماك" (حركة تطالب بانفصال منطقة القبائل في الجزائر، يقودها رئيس الحركة فرحات مهني)، وكان لافتاً أن الاستقبال الذي جرى في مجلس الشيوخ الفرنسي، أي داخل مؤسسة رسمية، يعد محاولة لإعطاء اللقاء طابعاً رسمياً، حرصت خلاله عضوة مجلس الشيوخ تجديد دعمها لحركة الماك، التي تصنّفها الجزائر حركة إرهابية منذ مايو/ أيار 2021، وتطالب باريس بتسليم قياداتها إلى القضاء الجزائري.

وتعد فاليري بواييه، التي قامت بهذه الخطوة، من وجوه اليمين الفرنسي الأكثر تطرفاً في حزب الجمهوريين اليميني، وتنتمي إلى الأقدام السوداء، (أبناء المعمرين الفرنسيين في الجزائر الذين غادروا عشية الاستقلال)، وعرفت بمواقفها الداعية إلى تجريم إنكار حروب الإبادة، وعلى رأسها حرب الإبادة الأرمينية التي أدخلت العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وتركيا في أزمة لا نهاية لها. كما عرفت بقربها من نظام الأسد في سورية، وتتبنى بشكل دائم الدفاع عن الأقدام السوداء وكذا عملاء الجيش الفرنسي خلال ثورة الجزائر، وهي صاحبة مشروع قانون يجرم جبهة التحرير الوطني في الجزائر، وتدعم إسرائيل بشكل مطلق.

عرقلة التسوية؟

وقال المحلل السياسي كمال رياش لـ"العربي الجديد"، "أعتقد أنه كان لافتاً اختيار اليمين الفرنسي استقبال قادة حركة الماك، أداة لعرقلة التسوية السياسية للأزمة التي استمرت تسعة أشهر، بالنظر خاصة إلى حساسية ملف هذه الحركة الانفصالية بالنسبة للسلطة السياسية في الجزائر، التي تتهم باريس باحتضان ودعم أنشطتها، ولكونها أحد الملفات والقضايا الخلافية بين البلدين، وفي المقابل لعدم رغبة وقدرة باريس، على اتخاذ أية تدابير ضد هذه الحركة وقياداتها، التي تجد في تيار اليمين الفرنسي ورموزه حليفاً سياسياً وسنداً إعلامياً كبيراً في الوقت الحالي في خضم الأزمة بين البلدين". وأضاف رياش أن هذا الاختيار والتوقيت "يؤكد أن الخطوة مدروسة وموجهة لهدف واضح، عرقلة التسوية".

كان لافتاً اختيار اليمين الفرنسي استقبال قادة حركة الماك، أداة لعرقلة التسوية السياسية للأزمة التي استمرت تسعة أشهر

ويأتي التوقيت السياسي لهذه الخطوة، وغيرها من خطوات أخرى بينها استمرار التصريحات الحادة من قبل رموز يمينية تجاه الجزائر، وتجدد الدعوات إلى طرد المهاجرين الجزائريين، مباشرة بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي جرى خلاله الاتفاق على حزمة تفاهمات وخطوات لتسوية الأزمة. كما يأتي هذا اللقاء عشية الزيارة التي سيقوم بها الأحد وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر، للقاء نظيره الجزائري أحمد عطاف، وقبيل زيارة أخرى لوزير العدل الفرنسي جيرالد درامانان. ويشير ذلك كله إلى أن التوقيت يهدف إلى إدراج هذه الخطوة ضمن سياق مسعى اليمين الفرنسي لتعطيل وعرقلة مساعي التسوية السياسية للأزمة القائمة بين البلدين، والتأثير على أية تفاهمات ممكنة بين حكومة البلدين في هذا الاتجاه.

وكان قد جرى مساء أول من أمس اتصال هاتفي بين وزير الخارجية أحمد عطاف، ونظيره الفرنسي جان نويل بارو، في سياق ترتيب زيارة بارو إلى الجزائر الأحد المقبل، ضمن مسعى لتسوية الأزمة السياسية القائمة بين الجزائر وباريس منذ يوليو 2024، في أعقاب مكالمة هاتفية جرت الاثنين الماضي بين الرئيس الجزائري، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي أفضت إلى حزمة من التفاهمات السياسية لتسوية أزمة امتدت لأكثر من تسعة أشهر، حيث جرى الاتفاق على العودة إلى اتفاق الجزائر الموقّع في أغسطس/آب 2022، والاستئناف الفوري للتعاون في مجال الهجرة وحركة الأشخاص، والعودة إلى مسارات التعاون الأمني والقضائي، واستئناف عمل إنشاء اللجنة المشتركة للمؤرخين الفرنسيين والجزائريين فوراً، وإعادة رفاة المقاومين الجزائريين، وتطوير التعاون الاقتصادي والتجارة والاستثمار، وجرت مناقشة قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، كما اتفق الرئيسان "مبدئياً" على تنظيم لقاء ثنائي مباشر، من دون تحديد موعد.

بالنسبة للباحث في الشؤون السياسية، جمال خديري، فإن "هذا الأمر كان متوقعاً"، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "اليمين الفرنسي لا يرى مصلحته السياسية في تسوية الأزمة مع الجزائر، على العكس من ذلك هو يريد أن تستمر الأزمة إلى حدود الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد عامين، لكون أن هذا التيار السياسي يعتبر أن الجزائر ورقة انتخابية كلما كانت الفرصة مناسبة لمناوئة ومناكفة سياسية تجاه الجزائر، حيث يستقطب هذا الخطاب كتلة من الناخبين". وأضاف خديري أنه "سبق لهذا التيار أن نجح عبر ورقة المهاجرين في انتخابات 2007 التي صعد فيها نيكولاي ساركوزي"، مشيراً الى أنه يتوقع أن يقدم اليمين على خطوات أخرى استفزازاً للجزائر، بالاستفادة من امتداداته في دواليب مؤسسات الحكم والقضاء والإعلام وغيرها"

وفي الخامس من يوليو/تموز 2024، تفاقمت الأزمة بين الجزائر وفرنسا، عندما قررت الحكومة الجزائرية خفض تمثيلها الدبلوماسي لدى باريس وسحب سفيرها فوراً، عقب إقدام الحكومة الفرنسية على الاعتراف بالمخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء. وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تطورت الأزمة بعد أن أوقفت السلطات الجزائرية الكاتب بوعلام صنصال لدى عودته من باريس، وصعّدت فرنسا لاحقاً من مواقفها بسبب رفض الجزائر التعاون في قبول المهاجرين الجزائريين المبعدين إلى بلدهم، إذ فرضت قيوداً على حركة الشخصيات الجزائرية الحاملة جوازات سفر دبلوماسية.

المساهمون