استمع إلى الملخص
- ردت الإدارة الأميركية بلغة فاترة، ووصفت العدوان بأنه "فضيحة مثيرة للغضب" دون إدانة واضحة، ولم تعلن عن نتائج تحقيقات سابقة في مثل هذه الحوادث.
- لم تقدم الإدارة الأميركية مشروعاً بديلاً لغزة، وتواجه تحديات خارجية أخرى، بينما يسعى ترامب لتحقيق مكسب في غزة وسط ضغوط على نتنياهو.
أثار استشهاد خمسة صحافيين فلسطينيين في غزة الاثنين بقصف إسرائيلي مقصود، حالة من الضيق والشعور في واشنطن بأن الانفلات الإسرائيلي لم يعد يطاق، خاصة في وسائل الإعلام، التي حملت ردودها إدانة مبطّنة، من باب أن العملية استهدفت المهنة، وبصورة استفزازية ومتعمّدة، ولاسيما أن من بين الشهداء الخمسة من كان يعمل مع مؤسسات صحافية دولية. وقد غمزت بعض الردود من زاوية الإدارة الأميركية، على أساس أن تساهلها مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ودعمها لقراره باحتلال القطاع بكامله، فضلاً عن تهاونها مع سياسة التجويع المنظم التي اعتمدها، كله أدى إلى تماديه في الاستباحة في أكثر من مجال.
في البداية، جاء رد الإدارة بلغة فاترة وضبابية، منها من اكتفى بوصف العدوان بأنه "فضيحة مثيرة للغضب"، لا إدانة ولا مطالبة بالمساءلة. في زمن الرئيس السابق جو بايدن، كانت الإدارة تتلطّى وراء الزعم بأن إسرائيل "ستتولى التحقيق" في اغتيالات من هذا النوع، وأنها ستكشف عن حصيلة تحرياتها. صارت قائمة شهداء الصحافة في غزة أكثر من 240، من غير أن تعلن إسرائيل حصيلة تحقيق واحد. في الوقت الحالي، لم يطرح احتمال التحقيق. الرئيس دونالد ترامب في أول تعليق له قال: "لست مرتاحاً لما قامت به إسرائيل في ضرب المستشفى". فالعملية سبَّبت لإدارته الإحراج، مع ذلك لم يطالبها ولو بتقديم تفسير، واعداً "بنهاية حاسمة" للحرب في غضون الأسبوعين أو الثلاثة المقبلة. ويبدو أنه كان بذلك يشير إلى ما ذكره دانيال شابيرو، سفير واشنطن سابقاً لدى إسرائيل، بأن "الرئيس ترامب ينظر في احتمال قيامه بزيارة إلى إسرائيل في سبتمبر/ أيلول المقبل".
وإذا صح ذلك، فإن الزيارة ستكون على الأرجح في النصف الأول من الشهر المقبل، أي بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع كما قال السفير، وذلك قبل أن تفتتح الجمعية العمومية للأمم المتحدة دورتها العادية في العشرين من الشهر المذكور. ويقترح شابيرو تعيين مبعوث مخضرم ومخصص للملف الإسرائيلي الفلسطيني، بدلاً من ستيف ويتكوف، الذي بدأ الهمس يدور حول مهماته التي لم تتمخض حتى الآن عن أي اختراق، ولو رمزياً، في الأدوار التي نهض بها من إيران، إلى حرب أوكرانيا، وانتهاءً بغزة. وليس واضحاً ما إذا كان ما طرحه السفير السابق هو من عندياته، أم أنه مسرّب من داخل الإدارة.
لكن الإدارة ليس لديها مشروع بديل في غزة لتسليمه لمبعوث جديد. موقفها سار باستمرار بموازاة سياسة نتنياهو، إلّا إذا كان البيت الأبيض قد أجرى تغييرات في أولوياته على ضوء المتاح أو الممكن تحقيقه في الملفات الخارجية، التي لم يقوَ على تحقيق أي من وعوده بشأنها، بعد أن صارت رئاسته على عتبة شهرها الثامن. محاولات إجراء حلحلة في حرب أوكرانيا يبدو أنها وصلت من جديد إلى الانسداد، بعد موجة التفاؤل، ولو المصطنع، الذي رافق قمة ألاسكا بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقمة البيت الأبيض مع الأوروبيين. والنووي الإيراني مجمّد. تبقى غزة التي يقول العارفون إن ظروفها مواتية ليحقق فيها ترامب مكسباً هاماً. فرئيس الحكومة نتنياهو يواجه ضغوطاً في الداخل، سياسية وشعبية وحتى عسكرية، لإنهاء حرب غزة. والاعتقاد السائد أن الرئيس ترامب له "مونة" على نتنياهو، لو قرر توظيفها، وهو في حاجة إلى مثل هذا المكسب، وربما يكون قد حسم أمره وقرر التحرك في هذا الاتجاه. وإذا صحت رواية الزيارة إلى إسرائيل، فإن ترامب لا يقوَى على العودة منها من غير إنجاز، خصوصاً وأنه يستند إلى تأييد داخلي عارم، بحسب ما تشير إليه الاستطلاعات التي تكشف أن غالبية الأميركيين مع طي صفحة حرب غزة.
الرئيس ترامب قرر عقد اجتماعاً موسعاً اليوم الأربعاء في البيت الأبيض، حول الوضع في غزة. وفي الوقت ذاته يلتقي وزير الخارجية ماركو روبيو مع نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر. الإدارة أعطت أكثر من إشارة بخصوص عزمها على التحرك لأكثر من اعتبار وحساب. ويبقى التحدي في مدى اعتزامها على الخروج عن نهج الاحتواء المؤقت وشراء الوقت، كما عن سياسة ترك الحبل على غاربه لنتنياهو في المنطقة. فهل نضجت ظروف مثل هذا التحول، أم هي في النهاية طبخة بحص كما سبق أن كانت في أكثر من مرة؟