هل خفت الحماس السياسي لقانون تجريم الاستعمار في الجزائر؟

هل خفت الحماس السياسي لقانون تجريم الاستعمار في الجزائر؟

22 نوفمبر 2021
أبقى البرلمان الجزائري مسودة قانون تجريم الاستعمار في الأدراج (العربي الجديد)
+ الخط -

 

أبقى البرلمان الجزائري مسودة قانون تجريم الاستعمار في الأدراج، بعد ثلاثة أسابيع من طرحه من قبل كتلة "حركة مجتمع السلم" المعارضة، والذي وقع عليه 114 نائباً يمثلون عدة كتل نيابية، في خضم فورة حماس سياسي طبعته الأزمة الدبلوماسية الحادة بين الجزائر وفرنسا منذ التصريحات المثيرة للجدل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن هذا الحماس بدا أنه يخفت مع مرور الوقت، خاصة مع غموض مواقف الأحزاب الموالية للسلطة التي تهيمن على البرلمان بشأن القانون الجديد.

ولا تبدي الرئاسة الجزائرية بحسب بعض المصادر المسؤولة التي تحدث معها "العربي الجديد"، اعتراضات مبدئية بشأن مبادرة البرلمان اقتراح قانون لتجريم الاستعمار، وتشير نفس المصادر إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون أبلغ مقربيه أنه لن يتدخل في الأمر، ويعتبر أن المسألة موكولة إلى الكتل النيابية.

لكن ذلك ليس كافياً بالنسبة لأحزاب الأغلبية النيابية الموالية للرئيس والسلطة، للذهاب بالقانون إلى مساره النهائي، إذ لا تبدي الكتل النيابية الموالية للسلطة والرئيس مواقف واضحة حتى الآن من مسودة القانون، لكنها تطرح فكرة توسيع النقاش بشأنه، ويبدو أنها بانتظار إشارة من الرئاسة لتحديد موقفها النهائي من مشروع القانون، خاصة وأن الأمر يتعلق بعلاقات الجزائر مع دولة أخرى، بحيث يتحكم الرئيس في السياسات الخارجية.

وكان رئيس البرلمان الأسبق عبد العزيز زياري (2007- 2012)، قد كشف قبل أسبوعين أنه لم يكن مسؤولا عن إحباط محاولة إصدار قانون لتجريم الاستعمار كان طرح عام 2011، وقال في تصريح للتلفزيون الحكومي إن تعطيل القانون كان قرارا من رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكون الأمر مرتبطًا بالعلاقات الخارجية للدولة وهي صلاحية حصرية للرئيس.

ويفهم هذا المعنى نفسه من تصريح رئيس حركة البناء الوطني (مشاركة في الحكومة) عبد القادر بن قرينة، الذي قال في مؤتمر صحافي قبل أيام إن "هذا المشروع يتطلب توافقاً بين مؤسسات الدولة الجزائرية والتفافًا من النخبة ويجب التنسيق بين مؤسسات الدولة، لأن كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية هي من الصلاحيات، وجهنا كتلتنا النيابية للتنسيق مع كل الكتل النيابية الموجودة في البرلمان لفتح نقاش عام في البرلمان، نحن لا نريد أن نلعب دور البطولة والمزايدة السياسية، وقلنا لكتلنا في البرلمان إن طرح القانون بصورة منفردة سيصطدم في النهاية بالمحكمة الدستورية".

"تفاوض بصوت مرتفع"

ويدرج بعض المحللين الحماس السياسي والنيابي الذي كان سائدا بشأن قانون تجريم الاستعمار، إلى طبيعة الظرف السياسي الذي كان يخيم على العلاقات الجزائرية الفرنسية، ويصفها أستاذ التاريخ في جامعة خميس مليانة غربي الجزائر أحمد بن يغرز بأنها "نوع من التفاوض بصوت مرتفع".

وقال بن يغزر في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحكم المواقف المبدئية، هو غير ما يحكم القرارات السياسية. وإذا كانت الأولى تخضع للقناعات، فإن الثانية تحكمها الحسابات، ولذلك فإن الحماسة التي ميزت الخطاب السياسي والتناول الإعلامي حول موضوع الذاكرة والموقف من الاحتلال السابق في الفترة الماضية هي في رأيي عبارة عن تفاوض بصوت مرتفع، وتداول مثل هذه القضايا في الجزائر بسقف معين، وإن كان مرتفعًا نسبيا هذه المرة، له علاقة أيضاً بمحاولة تعبئة الرأي العام حول قضايا تعزز الشرعية القائمة، ما نرجوه أن يكون ذلك وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى تملك أدواتها".

وكان 114 نائباً في البرلمان، قد وقعوا على مسودة قانون تجريم الاستعمار، تم إيداعه على مستوى مكتب البرلمان عشية الاحتفال بذكرى ثورة التحرير في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.

وتضمنت المسودة 54 مادة، تغطي مختلف الجوانب السياسية والقانونية، لإدانة الاستعمار الفرنسي عن كامل الأعمال الإجرامية التي ارتكبها منذ احتلال الجزائر حتى الاستقلال، كالتفجيرات النووية والإبادة الجماعية وحقول الألغام وجريمة الألقاب المسيئة وسرقة الممتلكات والتراث الوطني، ويعتبرها جرائم لا تخضع لمبدأ التقادم، وينص على إجبار فرنسا على تقديم تعويضات عادلة ومنصفة لجميع ضحايا التجارب النووية التي نفذتها فرنسا في الصحراء الجزائرية، وتولي مسؤولية تطهير تلك الأراضي من الإشعاعات النووية.

كما تنص المسودة على "تأسيس شرط الاعتراف والاعتذار، كقاعدتين في التعامل في العلاقات الجزائرية الفرنسية، ويلزم الدولة الجزائرية بعدم التوقيع على أية اتفاقية أو معاهدة مع الدولة الفرنسية قبل اعترافها بماضيها الاستعماري في الجزائر".  كما تنص المسودة على استحداث محكمة جنائية تختص بمحاكمة كل شخص ارتكب أو ساهم في ارتكاب الجرائم الاستعمارية، كما يمنع القانون منح أية حقوق لمعمرين والأقدام السوداء (الفرنسيين المولودين في الجزائر)، ويشدد القانون على معاقبة بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامات مالية كل من يقوم بتمجيد الاستعمار الفرنسي في الجزائر بأية وسيلة من وسائل التعبير.

تطابق الشكل والموضوع

لكن أستاذ القانون العام أبو الفضل محمد بهلولي، يطرح بعض الإشكالات القانونية في مسار القانون، وقال في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه "حسب تقديراتي من الناحية القانونية والشكلية هناك مسار يجب أن يقطعه القانون قبل أن يتضح مصيره، هذا القانون قدمته مجموعة برلمانية إلى مكتب المجلس الذي يحيله هو الآخر إلى الحكومة لأخذ رأيها حول الصياغة الفنية للنصوص القانونية".

وأضاف بهلولي "إلى جانب ذلك، الدستور الجزائري أخذ بمبدأ سمو المعاهدة الدولية على القانون، وهذا له أثر قانوني كبير خاصة مع اتفاقية ايفيان (اتفاقية وقعت في مارس/آذار 1962، بين جبهة التحرير الجزائرية وفرنسا وتم بموجبها وقف إطلاق النار ومهدت للاستقلال) وعليه يجب أن يكون هناك تطابق من الناحية الشكلية والموضوعية بين القانون الداخلي والدولي، وهذا يفرض على الحكومة دراسة تقنية دقيقة للقانون قبل اتخاذ موقف بشأنه".

لكن الشق القانوني ليس وحده ما يمكن أن يتحكم في مصير مسودة القانون، حيث تدخل بعض الحسابات السياسية في الأمر أيضا، بعض القوى السياسية لا تفضل تمرير مسودة القانون لكونه مقترحًا من قبل الكتلة الوحيدة المعارضة في البرلمان ، حركة مجتمع السلم، بينما لا ترغب باقي الكتل الموالية الست، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة البناء الوطني وجبهة المستقبل وصوت الشعب والمستقلين، منح الحركة مكسبا سياسيا كبيرا بحجم قانون تجريم الاستعمار، يمكن أن تنفرد به لصالحها، خاصة وأن الأمر يتعلق بمسألة تاريخية بالغة الأهمية.

وتلمس حركة مجتمع السلم التي بادرت كتلتها بقانون تجريم الاستعمار، بعض التردد لدى الكتل النيابية لأحزاب الموالاة، وهو ما دفع رئيس الحركة عبد الرزاق مقري في تجمع شعبي عقده في خضم الحملة الانتخابية بولاية البيض غربي الجزائر، إلى مطالبة السلطة والبرلمان بتمرير هذا القانون.

وقال مقري إن "مواجهة الكيد الفرنسي المستمر لا يكون بالتصريحات فقط، بل يكون بتجريم الاستعمار وبتعميم اللغة العربية في كل الإدارات وعلى ألسنة المسؤولين، من جانبنا نحن قمنا بواجبنا في الحركة لإصدار قانون تجريم الاستعمار عبر نوابنا، وأشركنا جميع الكتل البرلمانية، فالمسؤولية ملقاة على المسؤولين وعلى البرلمان لتمريره".

المساهمون