هل تمهد "توصيات الغردقة" لتثبيت وقف نهائي لإطلاق النار في ليبيا

هل تمهد "توصيات الغردقة" لتثبيت وقف نهائي لإطلاق النار في ليبيا

30 سبتمبر 2020
ملف المرتزقة الأجانب عرقلة لأي تسوية مقبلة (جون مور/Getty)
+ الخط -

لايزال تثبيت وقف إطلاق النار وحلحلة الوضع الميداني في محيط منطقتي سرت والجفرة، وسط ليبيا، قيد الجهود الأممية كأساس لإطلاق العملية السياسية الجديدة، فيما يمثل ملف المرتزقة الأجانب عرقلة لأي تسوية مقبلة.

وأعلنت البعثة الأممية، ليل أمس الثلاثاء، عن توصل محادثات أمنية ليبية مشتركة في الغردقة المصرية، على مدار يومين، لعدة توصيات على الصعيد الأمني والعسكري، لبدء ترتيبات أمنية في المنطقة الوسطى، تتولاها اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، مشيرة إلى أن المحادثات تطورٌ إيجابي يسهم في "تمهيد الطريق أمام الأطراف الليبية نحو الاتفاق على وقف نهائي ودائم لإطلاق النار في وقت قريب".

وأبرز التوصيات هي الإسراع بعقد اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) لقاءات مباشرة خلال الأسبوع المقبل، والإفراج الفوري عن المحتجزين والأسرى دون أي شروط أو قيود قبل نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، ووقف حملات التصعيد الإعلامي من الطرفين، بالإضافة إلى فتح خطوط المواصلات البرية والجوية الداخلية، ووضع تصور حول الترتيبات الأمنية في المنطقة الوسطى، وإحالة مهام حرس المنشآت النفطية للجنة العسكرية المشتركة.

لكن مصادر ليبية مسؤولة أشارت إلى أن المباحثات التي استضافتها الغردقة لم تكن سوى خطوة لحلحلة الخلافات الحادة بين طرفي الصراع الليبيين، التي منعت ممثلي اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) من مواصلة لقاءاتهما، مشيرة إلى أن الخلاف بين ممثلي اللجنة يدور حول ملف المرتزقة الأجانب الذين قاتلوا في صفوف الطرفين.

وبينت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن التوصيات التي أعلنت عنها البعثة الأممية قد تحل بعض العقبات، لكن "عدم تجاوب طرف قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر حول ملف المرتزقة سيبقى العائق الأول لأي تقارب أو تفاهم بشأن الأوضاع الميدانية ومبدأ وقف نهائي لإطلاق النار في سرت والجفرة"، في وقت قال فيه برلماني من طبرق إن "عدم قدرة جانب حفتر على التعاطي مع ملف المرتزقة بسبب أنه لا يمتلك كليا قرار سحب روسيا لمرتزقة شركة فاغنر المتواجدين في أكثر من موقع في وسط البلاد وداخل مواقع نفطية في جنوبها".

وفيما لم يعلن جانبا حكومة الوفاق وقيادة حفتر عن موقفهما من النتائج التي أعلنتها البعثة الأممية، يبدو أن "ملف المرتزقة الموالين للطرفين متشعب بشكل كبير"، على حد وصف الخبير الأمني الليبي محيي الدين زكري.

ويعدد زكري، في حديثه لــ"العربي الجديد"، المرتزقة الأجانب بأنهم "من مقاتلي فاغنر في المقام الأول، وهم الأكثر خطورة لارتباطهم بسياسات توسعية لدولة روسيا، يليهم السوريون الموالون لنظام الأسد والمعارضون لهم، ويقاتلون في صفوف الطرفين، وأخيرا مقاتلو الجنجويد وحركات المعارضة الأفريقية في صفوف مليشيات حفتر".

وأكد الخبير الأمني أن تصريحات قيادة "بركان الغضب" الموالية لحكومة الوفاق بشأن تموضعات عسكرية جديدة لمرتزقة فاغنر حول قاعدتي براك جنوب البلاد والجفرة وسطها تشير إلى "استباقهم لنتائج أي مشاورات أمنية أو سياسية، وتؤكد أيضا عدم رغبة روسيا في سحبهم واستمرار دعمها لمراكزهم"، وهو ما تؤكده معلومات مصادر ليبية متطابقة من طرابلس وطبرق، أكدت استجابة حكومة الوفاق لإرجاع المقاتلين السوريين والبدء في إجلائهم على دفعات، مقابل استجابة نسبية من جانب حفتر بشأن المرتزقة الأفارقة.

زكري: تصريحات قيادة "بركان الغضب" الموالية لحكومة الوفاق بشأن تموضعات عسكرية جديدة لمرتزقة فاغنر حول قاعدتي براك جنوب البلاد والجفرة وسطها تشير إلى "استباقهم لنتائج أي مشاورات أمنية أو سياسية، وتؤكد أيضا عدم رغبة روسيا في سحبهم واستمرار دعمها لمراكزهم"

وكان المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي محمد قنونو قد كشف، في تصريحات أول أمس الاثنين، عن "قيام مجموعة فاغنر بتحصين قاعدة الجفرة الجوية بأكثر من 31 موقعًا دفاعيًّا"، موضحا أن "فاغنر بنت دفاعاتها الجديدة في شهر سبتمبر/ أيلول الحالي داخل القاعدة ومحيطها، بدائرة قطرها 25 كيلومترًا، وحصنت مواقع أخرى بجانب مدرج الطائرات".

وأشار قنونو أيضا إلى أن تلك التحصينات جرت بالتزامن مع "تحشيدات عسكرية مريبة في اتجاهي غرب محيط سرت، والجنوب إلى قاعدة براك الجوية"

ورجح زكري بأن تكون التحصينات الدفاعية الجديدة لفاغنر حول الجفرة وفي قاعدة براك موافقة روسية على الانسحاب من مدينة سرت، استجابة لاتفاقات ليبية بشأن تأمينها بلجان أمنية مشتركة لتحتضن مقرات السلطة الجديدة الموحدة، قبل أن يوضح أن "موسكو لن تتخلى عن الجفرة وبراك إلا إذا تخلت تركيا عن وجودها العسكري في قواعد مصراته والوطية ومعيتيقة".

وتزامنا مع إعلان البعثة الأممية عن نتائج محادثات الغردقة، التي لم تسم الأطراف الليبية المشاركة فيها من الجانبين، تأتي تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حول النشاط الروسي في ليبيا متزامنة مع التفاهمات الليبية التي ترعاها الأمم المتحدة بالتنسيق مع مصر.

وقال بومبيو، في تصريحات جديدة أمس الثلاثاء، إن "روسيا تواصل لعب دور مزعزع للاستقرار في المنطقة، خاصة في ليبيا"، مشيرا إلى أن بلاده تدعو إلى "انسحاب جميع القوات الأجنبية وتدعو إلى المصالحة في البلاد"، وهو تصريح لاحق لتصريحات سابقة للوزير الأميركي انتقد فيها بشدة التوغل الروسي في ليبيا، ما يكشف عن حراك أميركي غير مباشر في ليبيا، بحسب الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي.

ويرى الجواشي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "واشنطن تتحرك بشكل غير مباشر من خلال حلفائها الأتراك الذين يتواجدون في مناطق تماس مع الروس، ليس في ليبيا فقط بل في سورية أيضا"، مرجحا أن تتأخر نتائج التفاهمات التركية الروسية في ليبيا لارتباطها بتفاهمات في ملفات أخرى.

وحول واقعية نتائج محادثات الغردقة، لا يرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق تأثيرا مباشرا لها على الواقع، متسائلا: "على الأقل لم نر أي ترحيب من طرفي القتال على الأرض، لا بركان الغضب ولا مليشيات حفتر".

وأوضح البرق قراءته للنقاط الستة التي توصل إليها ممثلو الطرفين الليبيين بأنها "لم تتعد مرحلة بناء الثقة، كتبادل الأسرى وفتح مسارات الطرق البرية والجوية الرابطة بين الشرق والغرب، وبشكل غير مباشرة اعترف بيان البعثة بأن الاتفاق الفاصل سيكون بيد اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)".

وأضاف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "استضافة مصر للمحادثات يمكن أن يعكس رسالة مصرية مفادها دعم خيارات سياسية أساسها تقاسم السلطة والثروة، ورغبة في إحداث مقاربات مع خصومها الإقليميين في ليبيا"، مشيرا إلى أن إحالة البنود الستة للاتفاق النهائي إلى اللجنة العسكرية المشتركة تعني أن "محادثات الغردقة لم تتعدَّ مرحلة إبداء حسن النية".

وبينما يشير البرق إلى أن الوجود الروسي عبر شركة فاغنر يتجاوز تحالف موسكو مع حفتر، وأن الأولى لا تعول عليه، يرى أن "مسار التفاهمات الأمنية والعسكرية لا تزال تعترضه الكثير من العقبات"، مشيرا إلى أن "البعثة الأممية تدرك ذلك جيدا، وهي تسعى فقط لتثبيت وقف إطلاق النار لإطلاق عملية سياسية تنهي الهياكل السياسية المتنفذة حاليا".

ويشرح البرق تلك العقبات بأن "مقترح تأسيس حرس وطني بديل عن المؤسسة العسكرية المختلف حولها سيعترضه في المقام الأول دور حفتر، فإقصاؤه لم يتفق عليه حتى الآن من جانب حلفائه، وأيضا لوجود أنصار له داخليا، كما أن مستقبل المجموعات المسلحة في غرب البلاد وقدرة الحكومة على تفكيكها عقبة صعبة المنال، خصوصا أن من بينها مليشيات خارجة عن القانون، بعضها دخل في صراع مسلح عنيف الأسبوع الماضي وسط طرابلس".​ 

المساهمون