هل تفقد الأحزاب الشعبوية في أوروبا بريقها برحيل ترامب؟

هل تفقد الأحزاب الشعبوية في أوروبا بريقها برحيل ترامب؟

14 مارس 2021
اليمين المتطرف في ألمانيا تراجع كثيراً (فرانس برس)
+ الخط -

فقدت الأحزاب الشعبوية في أوروبا، ومنها التي تتولى مقاليد الحكم كما في بولندا والمجر وسلوفينيا، دعماً مهماً لها في الولايات المتحدة مع خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من البيت الأبيض. هذا الأمر يطرح تساؤلات عما إذا كانت هذه الأحزاب، التي شغلت حيزاً كبيراً من الساحة والاهتمام منذ عام 2016، ستفقد بريقها بعد رحيل ترامب، أم ستستمر في تصدر المشهد في بلدانها. وتراجعت هذه الأحزاب في الفترة الأخيرة، بعد تقدم لافت حققته في فرنسا والمجر وإيطاليا وألمانيا، وبشكل أقل في الدنمارك وفنلندا وإسبانيا، والذي أمّن لها الفوز في الانتخابات الأوروبية عام 2019. وأظهر استطلاع "يوغوف" العالمي أخيراً أن توجهات الأحزاب الشعبوية تعاني في العديد من البلدان الأوروبية.

البعض يتوقع أن تستمر الأحزاب الشعبوية لأن مواضيع اهتماماتها الأساسية لن تختفي

وفي هذا الإطار، اعتبر الكاتب تيو سومر، أنه بات واضحاً أن الغالبية العظمى من مواطني الدول الأوروبية تعارض الحكّام المستبدين كما في المجر وبولندا. ورأى أن على المعارضين لأوروبا واليمينيين الشعبويين توقّع رياح معاكسة من واشنطن، مشيراً إلى أن هذه الأحزاب تُركت الآن من دون راعٍ كترامب. من جهته، رأى البروفيسور في معهد "كييل" للاقتصاد العالمي، تيو سومر، أن الأحزاب الشعبوية تعاني بشكل أساسي من أزمة وباء كورونا بغياب أي توجهات حقيقية لديها، وهي تضعف بشكل كبير جداً. ولم يغفل الإشارة إلى أنه إذا ما تحوّل الوباء إلى أزمة اجتماعية واقتصادية طويلة يمكن أن يحصل الشعبويون على التأييد مرة أخرى.

وفي ترجمة لهذا المنحى، تفيد تعليقات مراقبين ومحللين أوروبيين أن الأحزاب اليمينية الشعبوية في حال من انعدام التوازن في بعض الدول، كما الحال مع "البديل من أجل ألمانيا". في السياق، ذكر الكاتب مايكل تومان في حوار مع صحيفة "دي تسايت" أن "البديل" بات ممزقاً بفعل الحروب الداخلية، ويتعرض للانتقاد بسبب تطرفه اليميني، لا سيما أن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجعه بحوالي 4 نقاط عن انتخابات عام 2017. كذلك، فإن حزب "الحرية" اليميني في النمسا خرج من الحكومة، مطلع عام 2020، ثم عانى من كارثة انتخابية في انتخابات العاصمة فيينا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وبالنسبة إلى حزب "رابطة الشمال" الإيطالي، الذي كان يأمل بتشكيل جبهة دولية مع ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وغيرهم، فيعاني منذ أشهر من ضعف، ويخطط حالياً بعد مغادرة أوربان لحزب "الشعب" الأوروبي، لتشكيل كتلة برلمانية يمينية في البرلمان الأوروبي ضمن تحالف يضمه إلى نظرائه في فرنسا وبولندا.

أما حزب "التجمع الوطني" الفرنسي بزعامة مارين لوبان، وبحسب استطلاع لمعهد "هاريس" التفاعلي، فيتساوى تقريباً بالأرقام مع الرئيس إيمانويل ماكرون في أي انتخابات رئاسية، فيما تحاول لوبان الاستفادة من سياسة ماكرون الاجتماعية والاقتصادية التي تقسم باريس المنهكة من خطط الإصلاح، منها المتعلقة بالضريبة على الثروات وخفض الدعم عن السكن إلى العنف المستمر في الضواحي وخطر الإرهاب.

غير أن البعض ينفي فكرة الربط بين وجود الشعبويين ورئاسة ترامب. بالتالي فإن هزيمته في الانتخابات الرئاسية ومغادرته البيت الأبيض لا تعني نهاية الشعبوية الأوروبية التي وصلت إلى السلطة قبله. فقد كسب حزب "الحرية" النمساوي شعبية كبيرة في التسعينيات، أما في إيطاليا فقد وجدت الشعبوية نقطة انطلاق مع انتخاب قطب الإعلام السابق سيلفيو برلوسكوني رئيساً للوزراء، حتى أن أوربان تولى رئاسة الوزراء في بودابست للمرة الأولى عام 1998، وبدأ بمهاجمة المؤسسات الليبرالية الديمقراطية باكراً.

وذكرت المتخصصة في الدراسات عن الشعبوية آنا غرزيمالا بوسه، في تصريحات صحافية، أن الشعبويين أثبتوا أنفسهم بمفردهم وبمعزل تماماً عن ترامب. أي أن الشعبوية الأوروبية محلية الصنع إلى حد كبير، وغالباً ما تغذيها المظالم في بلد ما، معربة عن اعتقادها أن ترامب والشعبويين الأوروبيين يتشاركون الأيديولوجية نفسها، فهم يشككون في التحالفات الدولية والديمقراطية الليبرالية ويتظاهران بالتحدث باسم الشعب كله، لكن ترامب منحهم بريق الشرعية الدولية وجعل بعضهم أكثر قوة.

خسر الشعبويون الكثير بخروج ترامب من البيت الأبيض

وفي السياق نفسه، اعتبر محللون أوروبيون أن هزيمة ترامب جعلت الشعبويين يفقدون مثلهم الأعلى، وهم الذين لم يتورعوا وبالأخص رؤساء حكومات دول صغيرة في أوروبا، كما في سلوفينيا، عن نشر نظريات المؤامرة، ومن أن ترامب تعرض لسرقة أصوات من الديمقراطيين لمساندة جو بايدن على الفوز. حتى أنه قيل إن ترامب زعيم غير رسمي ومصدر إلهام للشعبوية في العالم، وأن هناك زعماء وحكومات يمينية في أوروبا يشاركونه الأجندة نفسها رافعين شعارات ضد الهجرة والتعددية.

وعما إذا كانت الأمور ستتحرك في اتجاه آخر بعد فوز بايدن بالرئاسة الأميركية، أشارت صحيفة "دي بي أي" أخيراً، إلى أن البعض يتوقع أن تستمر الأحزاب الشعبوية لأن مواضيع اهتماماتها الأساسية لن تختفي، فلوبان على سبيل المثال تحمل شعارات معادية للمهاجرين والإسلام. ومن المعروف، أن لوبان وفي يناير/كانون الثاني 2017 وبعد أداء ترامب اليمين الدستورية جاهرت بـ"عودة الدول القومية". وبالإضافة إلى ذلك، أشارت شبكة "إيه أر دي" الإخبارية أخيراً، إلى أنه سيكون من السابق لأوانه إعلان نهاية القومية اليمينية في العالم بعد هزيمة ترامب في الانتخابات، لكن ومن دون شك فإن وصول بايدن إلى السلطة سيوفر الدعم للقوى الليبرالية الدولية في المجتمع الأطلسي، وسيشجع الاتحاد الأوروبي على ممارسة الضغط على حكومتي بودابست ووارسو مثلاً، لإنهاء تقويض سياسة القانون في بلديهما بعدما فقدا حليفاً دعمهما على مر أربع سنوات. فترامب لم يتوان عن دعم الحكومات الشعبوية اليمينية بهدف تقسيم دول الاتحاد الأوروبي.

في المقابل، توقع الخبير في شؤون الأحزاب الشعبوية كاس موده، في تصريحات صحافية أن تؤدي هزيمة ترامب إلى إعادة تنظيم الجدل في وسائل الإعلام، والجميع سيكتب عن نهاية الشعبوية، فيما ستُستبعد قضايا الأحزاب اليمينية عن واجهة الأحداث، بفعل فقدان اليمين الأوروبي شخصية رمزية وحليفاً سياسياً في البيت الأبيض. أما الباحث السياسي ايفان كراستيف فأعرب في مقابلة مع "شبيغل" عن اعتقاده بأن رحيل ترامب سيضر بأصدقائه السياسيين في جميع أنحاء العالم، لكن الشعبوية اليمينية لم تنته.