استمع إلى الملخص
- يأمل لبنان في حل النقاط الخلافية مع الحكومة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد، رغم التوترات المستمرة على الحدود والتحديات الجغرافية.
- هناك 27 نقطة خلافية على الحدود الشرقية، ولم تُصدّق الخرائط رسميًا بسبب الهيمنة السورية السابقة والخلافات الداخلية اللبنانية، خاصة حول مزارع شبعا.
أعادت الاشتباكات العنيفة التي شهدتها الحدود اللبنانية السورية في الأيام الماضية، ملف الترسيم البري لهذه الحدود إلى الواجهة من جديد، في ظلّ قرار لبناني رسمي بتعزيز الانتشار العسكري حدوداً، وتكثيف عمليات المداهمة لمكافحة التهريب وإقفال المعابر غير الشرعية وضبط الشرعية منها. ويأتي ذلك في إطار الخطة الأمنية التي يضعها الرئيس اللبناني جوزاف عون ضمن أولوياته، لا سيما في ظل المطالبات الدولية بسيطرة الدولة اللبنانية على أراضيها كافة عبر مؤسساتها الأمنية الشرعية.
ويأتي ملف الترسيم البري، شمالاً وشرقاً مع سورية أو جنوباً مع فلسطين المحتلة، في إطار الملفات المشمولة بالتطورات الحاصلة في لبنان والمنطقة، بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي ولبنان، الذي وُقِّع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وبعد سقوط نظام بشار الأسد في سورية في 8 يناير/كانون الثاني الماضي.
ويعوّل لبنان على إمكانية حلّ النقاط الخلافية في ظل الحكومة السورية الجديدة، بعدما كانت عراقيل عدة تحول دون طرح الملف بشكل جدي سابقاً بسبب النزاع الداخلي في لبنان حول التعاطي مع نظام الأسد والهيمنة السورية على مرّ عهود لبنانية عدّة، علماً أنّ الأجواء حتى الساعة لا توحي بكثير من سلاسة المسار، خصوصاً مع التوترات القائمة على الحدود وتسجيل أكثر من حادث أمني منذ سقوط نظام الأسد. ولم تقتصر هذه الحوادث على مواجهات بين عشائر لبنانية وقوات الأمن والجيش السوريين، بل دخل على الخط أيضاً الجيش اللبناني بناءً على توجيهات رسمية بالرد على مصادر النيران من الجهة السورية.
وقال مصدر في الجيش اللبناني لـ"العربي الجديد" إن "الهدوء يخيم على المنطقة الحدودية منذ ليل الاثنين في ظل اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين اللبناني والسوري، ولكن رغم ذلك تُسجل بعض الخروق المتفرقة، ومع ذلك فإن الوضع بشكل عام لا يزال مضبوطاً"، لافتاً إلى أن "الوحدات العسكرية انتشرت أمس في منطقة حوش السيد علي – الهرمل ودخل اليها السكان بعدما نزحوا منها نتيجة الاشتباكات".
ولفت المصدر إلى أن "حل النقاط الخلافية مع سورية مطلوب وضروري من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار، ونأمل أن يتم طرح الملف بشكل جدي على الطاولة، ولبنان جاهز لذلك، وهو يعرف حقوقه ولديه إثباتات بها أيضاً، وبالأجزاء التي هي لبنانية"، مشيراً إلى أنّ "الجيش عزز انتشاره على الحدود اللبنانية السورية، ولديه نقاط مراقبة عدة، وهو يحبط يومياً العديد من محاولات التسلل والتهريب، ويقفل المعابر غير الشرعية، لكن من المهم وضع خطة جدية للحدود وحل المسائل الخلافية، لأن المهربين يستغلون هذا الواقع الجغرافي من أجل تأمين عملياتهم، عدا عن وعورة الطرق الجبلية التي تصعّب عملية ضبط الحدود".
وأضاف: "المشكلة أن تأخير حل النقاط الخلافية يعرقل الخطة الأمنية، خصوصاً لناحية مكافحة التهريب وعمليات التسلل. فمثلاً، هناك قرى لبنانية، لكن على الجانب السوري من الحدود، وهناك منازل تقع في الجانب اللبناني، ولكن حدائقها في الأراضي السورية، وهذه أمور تعرقل الإجراءات الأمنية، ولا سيما المرتبطة بالعبور".
ويبلغ طول الحدود البرية الشمالية والشرقية مع سورية نحو 360 كم، وتنتشر على طول هذه الحدود أربعة أفواج برية وتساندها ألوية أخرى، وتوجد عليها خمسة معابر شرعية، هي العريضة والعبودية والبقيعة في عكار، وجوسيه في البقاع، والمصنع في مجدل عنجر. وبحسب تحقيق عسكري لمجلة الجيش اللبناني، فإن أفواجه تنفذ انتشاراً واسعاً على حدود لبنان الشمالية (من العريضة وصولاً إلى وادي خالد) والشرقية (من الهرمل – المصنع وصولاً إلى جبل الشيخ).
27 نقطة خلافية على الحدود اللبنانية السورية الشرقية
وفي السياق، يوضح منسق الحكومة اللبنانية لدى اليونيفيل سابقاً، العميد منير شحادة، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "هناك 27 نقطة خلافية على الحدود الشرقية تمتد من الجنوب إلى الشرق حتى الشمال". وهذه النقاط هي من الشمال إلى الجنوب: أكروم وأكوم، هرمل الشربين وبلوزة، هرمل وبلوزة، الهرمل ووريشة، القاع وجوسة العمار، القاع يعبوت وقارة، راس بعلبك وقارة، راس بعلبك وشرقي قارة، عرسال وقارة وجريجير وفليطة ومعرة، نحلة ومعرة، عمشكة وجبة، شعيبة وعسال الورد، عين البنية وعسال الورد، طفيل وعسال الورد، عين الجوزة ورنقوس، حام وسرغايا، معربون وسرغايا، جنتا وسرغايا، قوسايا وعيتيب، عنجر وجديدة يابوس، عيتا الفخار ويابوس، عنجر وكفر يابوس، حلوة ويابوس، دير العشاير، كفرقوق، شبعا وجباتا الزيت، شبعا ومغر شبعا، النخيلة والغجر.
ويشير شحادة إلى أنّه "على مر التاريخ شُكلت لجان عدة بين البلدين من أجل معالجة المسألة الحدودية، ووُضعَت خرائط عدة عقارية وطوبوغرافية لمختلف نقاط الخلاف، كما حصل في ديسمبر/كانون الأول عام 1970، لكن لم تُصدّق من قبل الجهات الرسمية الممثلة للبلدين". ويلفت إلى أن "مشاكل عدة برزت ربطاً بالخلاف حول الحدود اللبنانية السورية، منها بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، بحيث كانت هناك مناطق يعتبرها الجيش السوري بمثابة أراضٍ سورية، وعمد الجيش حينها إلى بناء سواتر ترابية حول المواقع الموجودة ضمن القسم اللبناني وعلى الطرقات الفرعية غير الشرعية التي تؤدي إلى الداخل السوري".
ويشير شحادة إلى أنّ "الحدود القائمة اليوم مبنية على القرار 153LR وخرائط دورافور، وهو المتعهد الفرنسي الذي أجرى عام 1938 أعمال مسح للقرى المتاخمة للحدود السورية، واعتمد حدود قرى أقضية بعلبك والهرمل وراشيا وحاصبيا وزحلة، وعيِّنَت لجنة مشتركة تضم قاضيين عقاريين، لبنانياً وسورياً، بغية البتّ بالخلافات العقارية في مزارع شبعا، سُمِّيت بلجنة القاضين غزاوي وخطيب، علماً أن عملية المسح لم تكتمل منها ارتبطت أسبابها بالحرب العالمية الثانية".
كذلك، هناك الحدود التي حُصرَت مساحة الخلاف فيها، وتستند إلى خرائط دورافور أو خرائط مساحة لبنانية أو سورية، إلى جانب حدود مختلف عليها، ولم تُحدَّد مساحة الخلاف نهائياً فيها، وفيها باقي أجزاء الحدود التي واجهت اعتراضات من قبل لبنانيين وأيضاً سوريين. وحول أسباب عدم حلّ النقاط الخلافية بين البلدين، يقول شحادة: هناك أسباب عدة، منها أن السلطات اللبنانية لم تتمكن من مناقشة موضوع الحدود بسبب الهيمنة السورية على لبنان، خصوصاً إبان حكم حافظ الأسد ونجله بشار.
ويضيف شحادة أن "هناك أيضاً خلافات داخلية حول التعاطي مع مسألة الحدود اللبنانية بين فريق حزب الله والمعارضين له. فعلى سبيل المثال، نتوقف عند قضية مزارع شبعا، هناك من يريد لسورية أن تأتي لتعطيها للبنان، بينما من حق لبنان أن يطالب بها، ويسعى لذلك. فالجيش اللبناني أعدّ دراسة شاملة عن لبنانية مزارع شبعا، وشُكلت يومها لجنة تضم 10 من كبار الضباط في الجيش اللبناني كُلفت بالموضوع، وهذه الدراسة مؤلفة من عشرات الصفحات فيها المستندات كافة التي تثبت لبنانية مزارع شبعا، وقد سلكت الدراسة كل المسارات الرسمية وصولاً إلى إرسالها عبر وزير الخارجية ممثلاً الحكومة إلى الأمم المتحدة حيث سجّلت".
ويضيف شحادة: "هناك إثباتات عدة بلبنانية مزارع شبعا، وقد شكلت لجنة في الخمسينيات سُمّيت لجنة القاضيين، المذكورة أعلاه، بحيث كلف القاضيان من قبل حكومتي البلدين لتحديد تبعية مزارع شبعا، بسبب الخلاف على المراعي والأراضي وبين المزارعين، وقد أثبتت أن مزارع شبعا لبنانية، وقد رُسمَت خريطة بمقياس 1/5000 في حينه، وبالتالي لكوننا لبنانيين علينا أن نطالب الحكومة السورية بها، والأمر نفسه مرتبط بالنقاط الخلافية الأخرى".