هل تحيي هجمات "داعش" ضد العشائر "صحوات" العراق؟

هل تحيي هجمات "داعش" ضد العشائر "صحوات" العراق؟

27 يونيو 2021
طالب زعماء العشائر بإعادة النظر بنزع سلاحهم (كريم صاحب/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد بلدات ومدن عراقية عدة، شمالي وغربي البلاد، اعتداءات إرهابية دامية ومتصاعدة تستهدف زعماء ووجهاء عشائر، ينفذها مسلحو تنظيم "داعش"، راح ضحيتها عدد منهم في الفترة الماضية. وتتصدر مدن ديالى وكركوك وصلاح الدين وحزام بغداد تلك الهجمات، إلى جانب بلدات عدة في الجزيرة والحضر ضمن بادية الموصل وقرب الحدود مع سورية. وجاءت الكلمة الصوتية للمتحدث باسم تنظيم "داعش"، المدعو أبو حمزة القريشي، الثلاثاء الماضي، والتي هدّد فيها شيوخ ووجهاء العشائر في العراق بالقتل، بسبب ما اعتبره ردتهم وكفرهم لتعاونهم مع قوات الأمن على إخراجه من مناطقهم، وتتبع عناصره، تأكيداً لبداية مرحلة جديدة من تلك الاعتداءات، وسط مطالبات من الحكومة بتسليحهم أو توفير الأمن في مناطقهم.
والخميس الماضي، أقدم عناصر من "داعش" على تفجير منازل عائلة بيت سميط في قرية المخيسة، وهي من كبرى العوائل التي قادت أول انتفاضة ضد التنظيم، قبل سنوات في محافظة ديالى. ونقلت وسائل إعلام محلية، عن التنظيم، أنه استهدف منازل هذه العائلة، كون الأخيرة كانت قد شنّت هجمات عليه وقتلت عناصره. وسبق هذا الأمر ثلاث هجمات في الطارمية شمالي بغداد، وجنوبي تكريت مركز محافظة صلاح الدين، بالإضافة إلى بلدة الرياض جنوب غربي كركوك شمالي العراق. وأسفرت مجمل الهجمات، التي نفذت خلال الأيام الماضية، عن مقتل زعيمين قبليين مع 6 من أقاربهما، كما أصيب آخرون. وإلى جانب ذلك زادت حدة عمليات الانتقام، مثل قتل مواشٍ وإحراق مزارع وتدمير مكنات حرث وغيرها تعود لعشائر محددة. وتأخذ الهجمات الطابع السريع، إذ لا تستغرق بضع دقائق، وأغلبها يتم ليلاً، إلى جانب تفجير عبوات ناسفة.

صدرت موافقة بشأن منح تراخيص حمل وحيازة سلاح شخصي لشيوخ العشائر والوجهاء المحليين

وفي هذا السياق، كشف مسؤول عراقي بوزارة الداخلية في بغداد عن "صدور موافقة بشأن منح تراخيص حمل وحيازة سلاح شخصي لشيوخ العشائر، والوجهاء المحليين، في تلك المناطق للدفاع عن أنفسهم". وأكد أن "الإجراء لا يحظى برضا أو قبول تلك الأطراف، ويعتبرونه غير مجدٍ مع هجمات التنظيم، ويطالبون بإعادة النظر في سياسة نزع السلاح من أبناء تلك العشائر، أو نشر قوات الأمن النظامية في مناطقهم، أو تطويع أفراد العشائر في صفوف الأجهزة الأمنية والعشائر"، لكنه أقرّ "بوجود حسابات ودوافع سياسية تمنع إقدام الحكومة على مثل هذه الخطوة". ووصف هجمات "داعش" بأنها "انتقامية أولاً، وتهدف أيضاً إلى ضرب نقاط الرفض التي تواجه التنظيم من داخل أهالي وبيئة تلك المناطق، وهو ما يمثل خطورة وبعداً جديداً في الصراع معه".
وأشار عضو البرلمان عن محافظة ديالى أيوب الربيعي إلى "هجمات انتقامية متواصلة تتعرض لها عدة مناطق في ديالى". وأوضح أنها "تستهدف وجهاء عشائر كانوا قد وقفوا بوجه التنظيم وقاتلوه، مثل منطقة الوقف، التي تحتوي على تضاريس معقدة جداً وكثرة في البساتين، وهي تمنع توغل القوات الأمنية في العمق بسبب عدم وجود طرق لانتقال الأرتال العسكرية. وتحتاج هذه المنطقة وغيرها إلى اعتماد عمليات نوعية وتفعيل للجهد الاستخباري لتعقب خلايا التنظيم الصغيرة التي تنتقل بين المناطق الزراعية". وبيّن، في تصريحات صحافية، أن "منطقة الوقف وما تحتويه من قرى هي من أكثر مناطق ديالى تضرراً من الفكر المتطرف، وقد قدمت مئات الضحايا خلال السنوات الماضية بسبب هجمات القاعدة ثم داعش". 

وأكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كاطع الركابي أن "قادة التنظيم ممن لا يزالون أحياء، ويتخفون في بعض المناطق النائية، باتوا يدركون أن المواجهة المباشرة مع قوات الأمن تمثل خسارة لهم. لذلك فإن التوجه نحو العمليات الانتقامية طريقة مزعجة للسلطات العراقية، وفقاً لمفاهيم التنظيم، الذي يواصل حالياً استهداف خطوط الطاقة ونقل التيار الكهربائي للنيل من أهالي المناطق المحررة، بالإضافة إلى العودة مرة أخرى إلى استهداف الأعيان والوجهاء من شيوخ وزعماء العشائر العربية، الذين لا يتعاونون بأي شكل من الأشكال مع التنظيمات الإرهابية". وأوضح، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "التنظيم وصل إلى مرحلة متقدمة من الاحتقان والتراجع في التمويل، وغياب مصادر العيش والتسليح، للدرجة التي دفعته إلى استفزاز وتخويف أهالي القرى والمزارعين، عسى أن يحصل عناصره على ما يبقيهم في مخابئهم لمدة أطول. لذلك تحتاج هذه القرى المستهدفة إلى مزيد من الدعم الأمني والعسكري من قبل الحكومة العراقية".
من جهته، بيَّن المتحدث باسم مجلس أعيان وشيوخ عشائر محافظة صلاح الدين، طامي المجمعي، أن "الشعب العراقي بات اليوم كله مستهدف. ففي الوقت الذي يواجه فيه أهالي المدن المحررة الهجمات الانتقامية لتنظيم داعش، يواجه العراقيون في وسط وجنوب العراق اعتداءات من المليشيات الموالية لإيران". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "شيوخ العشائر في مناطق شمال وغرب العراق بحاجة إلى التسليح، للدفاع عن أنفسهم وقراهم وأبنائهم، وكذلك إعادة وتفعيل قوات الصحوات (وهم من أبناء العشائر السنّية في العراق)، التي من المفترض أن تكون موجودة وفقاً للقانون العراقي، خصوصاً أن الحكومة خصصت لهم 160 مليار دينار، ولكن قوى عشائرية وحزبية، وأخرى سياسية وحكومية، تقوم حالياً بالاستيلاء على الأموال المخصصة للصحوات".

أحمد الشريفي: ملف تسليح عشائر مناطق غرب العراق لا يمكن أن يحدث لأن إيران تعارضه

وأشار فلاح نومان الفهداوي، وهو أحد زعماء عشائر الأنبار غربي البلاد، إلى أن محافظته تتعرض إلى "هجمات متكررة، تزيد مع كل فترة انتخابية، وبدء الأنشطة والفعاليات السياسية. وهذه المرة باتت تستهدف العشائر ورموزها، إضافة إلى رجال الدين، في سبيل خلق حالة من الإرباك الأمني والسياسي في مناطقنا". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الأمر يحدث في ظل صمت حكومي، وغياب للحلول، التي تتلخّص بتسليح أبناء العشائر، وتحديداً العاملين في الدواوين والمضايف، وفقاً للقانون، وليس بطريقة المليشيات التي تعبث بأمن العراق. كذلك يمكن لعشائر الأنبار أن تواجه داعش وتنهي وجوده، لما تملكه من خبرة في محاربة التنظيمات الإرهابية. ونجد أنه من الضروري تفعيل قوات الصحوات، التي تضم أبناء المناطق المحررة، وهم أدرى بشعابها، ويعرفون منابع الخطر الإرهابي في عموم مناطقهم".
أما الخبير الأمني والباحث أحمد الشريفي فقد بيَّن أن "حكومة مصطفى الكاظمي تستشعر المخاطر التي تواجه العشائر في المدن ذات الغالبية العربية السنية، لكن بعض القرى المستهدفة من التنظيم تشهد القوات الأمنية صعوبة في اقتحامها. وحكومة الكاظمي هي أكثر حكومة تعرف أن داعش لا يزال يشكّل تهديداً أمنياً، ولذلك عملت على تقوية الجهود الاستخباراتية وعلاقاتها بالعشائر في تلك المناطق". وبيّن، لـ"العربي الجديد"، أن "ملف تسليح عشائر مناطق غرب العراق لا يمكن أن يحدث، لأن إيران تعارضه والفصائل المسلحة الموالية لها تقف بوجه أي جهود لتسليح العشائر، كونها ستمثل خطراً كبيراً على وجود المليشيات هناك. والأمر نفسه ينطبق على قوات الصحوات، الذي تمانعه قوى سياسية سنية حليفة لقوى شيعية. لذلك فإن ملف تسليح العشائر يعتبر من الملفات السياسية وليست الأمنية".