تحيط بالانتخابات البرلمانية المبكرة في الجزائر، المقررة في 12 يونيو/حزيران المقبل، أربعة عوامل تبدو ضاغطة في الوقت الحالي على السلطة السياسية، وقد تدفع بسيناريو التأجيل، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، يملك الإمكانية الدستورية لتأجيلها لفترة ثلاثة أشهر أخرى. لكنّ هذا الخيار، وإن يظلّ قائماً، لا يحظى بالاحتمال الأكبر، كون المؤشرات الغالبة حتى الآن توحي بوجود استعجال لدى السلطة لإنجاز الانتخابات، وإنهاء حالة شغور المؤسسة البرلمانية، إلاّ إذا حدثت تطورات أكبر خلال الأسابيع المقبلة.
وتؤكد بعض المعلومات المتطابقة، التي حصلت عليها "العربي الجديد"، أنّ أحد تقارير تقدير الموقف التي رفعتها جهات مختصة إلى تبون، تضمّن اقتراحاً بإرجاء تنظيم الانتخابات، بسبب الوضعية الوبائية المتصاعدة، والمخاوف من أن تعزز الحملة الانتخابية من واقع أزمة كورونا، خصوصاً أنّ الرئيس كان طلب، الثلاثاء الماضي، اجتماعاً حكومياً عاجلاً مع اللجنة العلمية المكلفة بمتابعة الأزمة الوبائية، لعرض الوضع في البلاد. وقرر تبون، إثر ذلك، الإبقاء على الحدود، البرية والجوية والبحرية، مغلقة لفترة أخرى، واتخاذ تدابير أخرى في وقت لاحق، بسبب بوادر موجة ثالثة لكورونا تضرب البلاد في الأيام الأخيرة. وكلّف الرئيس اللجنة الصحية والحكومة بـ"ضرورة تقديم الإحصائيات من كلّ ولاية بدقة، والأخذ بعين الاعتبار بؤر الإصابة حيّاً بحيّ وقرية بقرية، ومباشرة إجراء تحقيق وبائي فوري حول أشكال الفيروسات المتحورة في الجزائر". تُضاف إلى ذلك التوصية بمضاعفة حملات المراقبة على أوسع نطاق، وتشديد تطبيق المخالفات، وتكثيف الرقابة لاحترام الإجراءات الاحترازية.
هددت 14 من نقابات التعليم والأساتذة بتعطيل مؤسسات التعليم
لكنّ عامل الخوف من تداعيات الأزمة الوبائية ومخاطر ارتفاع معدلات الإصابة بكورونا، لا يبدو كافياً لدفع السلطة نحو إرجاء الانتخابات، خصوصاً أنّ هناك سابقة سياسية في هذا السياق. وكانت السلطة تمسكت بإجراء الاستفتاء على تعديل الدستور في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وإقامة الحملة الانتخابية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على الرغم من أنّ الوضعية الصحية كانت أكثر تعقيداً من الوقت الراهن، بما فيها على صعيد معدلات الإصابة بالفيروس والوفيات، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود فارق في طبيعة الاستفتاء، الذي لم يستدعِ تجمعات شعبية كثيرة، أو رهاناً حزبياً خاصاً حينها، مقارنة بالانتخابات البرلمانية. ويخوض 19 حزباً سياسياً، و24 ألف مرشح، سباق الانتخابات، مع ما يستدعيه هذا الأمر من حملة دعائية، وتواصل مستمر مع الناخبين من قبل المرشحين وقادة الأحزاب السياسية في مئات التجمعات الشعبية.
وبالإضافة إلى تعقيدات الأزمة الصحية، يأتي في المقام الثاني عامل التصاعد اللافت للغضب الاجتماعي الذي برز في الجزائر خلال الأسابيع الماضية، بسبب أزمة ندرة المواد التموينية، كالزيت، ومن خلال سلسلة إضرابات عمالية متتالية في قطاعات حيوية، كالصحة والبريد والنقل والتعليم. وهددت 14 من نقابات التعليم والأساتذة بتعطيل مؤسسات التعليم منتصف مايو/أيار الحالي ومقاطعة إجراء امتحانات نهاية السنة الدراسية، ما من شأنه أن يعزز من نسب مقاطعة الانتخابات وعزوف الناخبين، ويفرض إرجاء الانتخابات إلى حين توفير ظروف صحية واجتماعية وسياسية أفضل من الأوضاع الحالية.
ثالثاً، يدخل في سياق الدواعي الممكنة لإرجاء الانتخابات، مناخ التشنج السياسي القائم، بسبب استمرار تظاهرات الحراك الشعبي، والقلق الذي تبديه عدة أطراف من تنظيم انتخابات نيابية من دون منطقة القبائل (ذات الغالبية من السكان الأمازيغ)، لا سيما بعد إعلان أبرز حزبين متمركزين في المنطقة؛ "جبهة القوى الاشتراكية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" مقاطعة الاستحقاق، على الرغم من أنّ إرجاء الانتخابات لفترة أخرى، قد لا يغير من هذا الواقع السياسي شيئاً، إلاّ إذا اتخذ الرئيس خطوات تسمح للحزبين بمراجعة موقفهما. كما يُمكن في السياق السياسي، ملاحظة الصمت اللافت للمؤسسة العسكرية عن أيّ حديث عن الانتخابات المقبلة، مقارنة بسلسلة خطب مستمرة لقادة الجيش عندما تعلق الأمر بالاستحقاقين الماضيين: الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على تعديل الدستور.
كذلك يبزر عامل رابع يتعلق بعدم الجاهزية الكاملة لإنجاز الاستحقاق، والارتباك البالغ الذي ظهر على أداء اللجنة المستقلة للانتخابات، والتي تشرف للمرة الأولى على انتخابات برلمانية منذ إنشائها في سبتمبر/أيلول 2019. وظهر بعض الفوضى والتضارب في بيانات اللجنة وطريقة إدارتها لاستحقاق بالغ الحساسية، وهو ما كان قد دفع حزباً سياسياً فاعلاً، مثل "جبهة العدالة والتنمية" للدعوة إلى تأجيل ظرفي للانتخابات إلى حين تجهيز اللجنة المستقلة للانتخابات. كما كانت "حركة البناء الوطني" أعلنت أنّها لا تعارض تأجيل الاقتراع في حال كان ذلك في صالح البلاد.
لكنّ بعض القوى السياسية التي تدعم خيار الانتخابات لا ترى مبرراً أو داعياً لتأجيلها. وفي السياق، يستبعد الطاهر بن بعيبش، القيادي في حزب "الفجر الجديد"، أحد أبرز الأحزاب الحليفة والداعمة للمسار الانتخابي ولمشروع الإصلاح السياسي لتبون، كلياً إمكانية تأجيل الانتخابات، معتبراً أنّ هذا السيناريو غير مطروح. ويوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ مسألة تأجيل الانتخابات غير واردة، بالنظر إلى أنّ المعطى الصحي يمكن تجاوزه عبر إجراءات وقائية وتدابير احترازية. ويشدد على أنّ البلاد بحاجة إلى استقرار واستكمال إعادة بناء المؤسسات الجديدة، خصوصاً البرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، مشيراً إلى أنّ باقي العوامل الضاغطة في المشهد الوطني، سياسياً واجتماعياً، ستبقى قائمة في كلّ الأحوال، وإرجاء الانتخابات لا يغير منها بشكل سريع، لأنّ حلّ هذه المشاكل يحتاج إلى مؤسسات جديدة وبرلمان تمثيلي وحكومة منبثقة عنه.
بوقاعدة: هناك اتجاه داخل السلطة يدفع من أجل التأجيل
من جهته، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة "الجزائر" توفيق بوقاعدة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك اتجاهاً داخل السلطة يدفع من أجل التأجيل، خصوصاً بعدما تبين لهم أنّ إجراء العملية الانتخابية في هذه الظروف، وبهذه الطريقة، لن يقدم أي شيء لحلّ أزمة الشرعية والمشروعية التي يريد النظام الارتكاز عليها. ويوضح أنّه "بطبيعة الحال، لاحظنا أنّ هناك بعض التوجس لدى تيار في السلطة يميل نحو إرجاء الانتخابات، ويحاول تقديم المخاطر الصحية التي تنجم من وراء العملية الانتخابية كمبرر لتأجيلها، وهو خطر حقيقي لا ينكره أحد، خصوصاً بعد الارتفاع اللافت لمعدلات الإصابة بفيروس كورونا وأعداد الوفيات. وفي هكذا وضع ستكون السلطة مضطرة لإقرار الإغلاق الكلي، لا سيما أنّ الانتخابات تسبقها حملة انتخابية وتجمعات شعبية قد تشكل في الوقت نفسه خطراً صحياً كبيراً".
ويضيف بوقاعدة أنّه في المقابل "هناك طرف ثانٍ في السلطة لا يبدو مهتماً كثيراً للوضعية الصحية، ويسعى إلى التعجيل بالانتخابات، على الرغم من كلّ الإكراهات التي تحيط بالوضع الحالي في البلاد، بهدف تحقيق البناء المؤسساتي الشكلي الذي يقاسم السلطة عبء مسؤولية الحكم والتسويق للنظام خارجياً، خصوصاً بعد تراجع المداخيل وزيادة حدة الاحتجاجات وارتفاع نسبة الفقر في البلاد". وبين الاتجاهين يرجح بوقاعدة أن يكون التيار الداعي إلى تأجيل الانتخابات في البلاد عموماً هو الغالب، لكن برأيه فإنّ "الانتخابات سوف تمرّ في كلّ الأحوال في موعدها"، لافتاً إلى أنّ "المؤشر الأبرز على إصرار السلطة إنجاز الانتخابات في موعدها، هو ما أقدم عليه الرئيس بتمديد آجال إيداع ملفات الترشح لخمسة أيام أخرى (كان مقرراً أن تنتهي في 22 إبريل/نيسان الماضي وأخرّت إلى 27 إبريل)".