هل اقتربت لحظة الصدام الشامل بين سعيّد و"النهضة"؟

هل اقتربت لحظة الصدام الشامل بين سعيّد و"النهضة"؟

25 يناير 2022
مناصرون لحركة النهضة خلال تظاهرة في العاصمة تونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

المعركة الفاصلة بين الرئيس قيس سعيّد وحركة النهضة آتية لا محالة، وساعتها تقترب بوتيرة متسارعة. لم تكن الحركة تعرفه جيداً قبل أن يفوز بالانتخابات ويتولى رئاسة الجمهورية. كان يعجبها فيه تمسكه باللغة العربية، أداؤه الصلاة، دفاعه عن قراءة محافظة للإسلام، خصوصاً اعتراضه على مبدأ المساواة في الإرث، وأيضاً ما كان يُقال عن نظافة يده وتواضعه.

لكن إلى جانب العامل الأخلاقي، لم تكن "النهضة" مطلعة بشكل جيّد على رؤيته السياسية، حتى وإن اطلعت على برنامج لم تتوقع أن يلتزم بتنفيذه في حال فوزه في الانتخابات.

لهذا، اضطرت الحركة عندما لم يبق في السباق الانتخابي سوى هو ونبيل القروي، للميل ميلة واحدة نحو التصويت له بكثافة، ظناً منها بأن الرجل لا يملك حزباً يسنده، وأنه سيكون، ضمنياً على الأقل، قريباً منها باعتباره ذا توجه محافظ.

استبعدت "النهضة" أن يصبح سعيّد خصماً لها

واستبعدت "النهضة" أن يصبح سعيّد خصماً لها، لأنه ليس من مصلحته السياسية الدخول في مواجهة شاملة معها، وهي التي عجز كل من الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة ثم زين العابدين بن علي، عن القضاء عليها واستئصالها. لكن ما كان مستبعداً بالأمس، أصبح اليوم سيناريو وارداً إلى حد كبير.

استهداف قيس سعيّد لحركة النهضة

صحيح أن الرئيس سعيّد له موقف راديكالي تجاه عموم الأحزاب السياسية التي يعتبرها جزءاً من الماضي، لكن خلافه الرئيسي الآن أصبح مع حركة النهضة التي تعتبر الخاسر الرئيسي من تجميد عمل البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي.

لقد نجح سعيّد في إخراج الحركة بشكل كامل من الدولة، وهو الآن يحاول أن يقصيها من الحياة السياسية، وربما يذهب إلى أكثر من ذلك، فيعمل على حلها وإعادة قادتها إلى السجون والمنافي.

قد يبدو هذا الاحتمال مستبعداً في الوهلة الأولى، لكنه يبقى وارداً إذا ما تم تفكيك الخطاب السياسي للرئيس، وتفحّص القرارات التي اتخذها أو ينوي الإعلان عنها، والتي تستهدف في جزء هام منها حركة النهضة وقادتها.

تقارير عربية
التحديثات الحية

يعتبر إيقاف نائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، في هذا السياق، وبالطريقة التي تم اعتمادها، وإصرار السلطة على الاحتفاظ به على الرغم من الاحتجاجات والمطالب الداخلية والخارجية، دليل على أن الغرض من وراء ذلك بالنسبة إلى سعيّد هو ضرب الحركة في أحد رموزها.

كما أن رفض السلطة الاعتراف بالخطأ بعد وفاة أحد كوادر الحركة عقب تعرضه للعنف أثناء مشاركته في احتجاجات 14 يناير/ كانون الثاني الحالي في ذكرى الثورة، دليل آخر على أن رئيس الدولة مستعد للذهاب إلى النهاية في علاقته بـ"النهضة".

نجح سعيّد في إخراج النهضة من الدولة، وهو الآن يحاول أن يقصيها من الحياة السياسية

كذلك، فإن الحملة التي شنها الإعلام الموالي لرئيس الجمهورية ضدّ رئيس حركة النهضة، رئيس البرلمان راشد الغنوشي، واتهامه بأنه يمتلك ثروة طائلة تقدر بالمليارات، هي جزء من خطة أشمل تهدف إلى إرباك الحركة، وتقديمها في شكل عصابة تريد السيطرة على الدولة ومؤسساتها.

في هذا السياق، يجري اليوم الحديث عن فتح تحقيق جديد يتعلق بـ"التنظيم السري" لحركة النهضة، والذي يتهمه البعض بأنه مسؤول عن الاغتيالات السياسية التي حصلت خلال مرحلة الترويكا (النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل من أجل العمل والحريات) بقيادة "النهضة".

فالرئيس كلّف وزيرة العدل ليلى جفال، بفتح هذا الملف المتشعب، والذي بقي يكتنفه الغموض الشديد طيلة السنوات الثماني الماضية. وهو الملف الذي يطالب خصوم "النهضة" بفتحه "من أجل كشف الحقيقة"، والتخلّص من الحركة في حال ثبوت الاتهامات الموجهة لها من قبل مختلف تنظيمات اليسار التونسي.

وقبل الدفع بهذا الملف إلى القضاء، عمل سعيّد على إسقاط قوائم "النهضة" من البرلمان المجمّد، بحجة "سياسة اللوبينغ" التي اعتمدتها الحركة لتحسين صورتها داخل أميركا، والتي يعتقد سعيّد بأنها كافية لإطاحة هذا الخصم العنيد.

معركة سعيّد مع القضاء

حتى المعركة المفتوحة ضدّ القضاء لها ارتباط وثيق بصراع الرئيس مع "النهضة". فصحيح أن سعيّد يتحدث عن الفساد داخل المؤسسة القضائية، ويعتقد جازماً بأنه جاء لتطهيرها، لكنه غاضب في الآن نفسه، على العديد من القضاة، لكونهم لم يتعهدوا بملفات يقف هو وراءها بحكم أنه رئيس الدولة.

وعندما رفض بعض القضاة الخضوع لرغبته الشخصية بسبب خطأ في الإجراءات، أو بحكم غياب الأدلة الكافية لإثبات الإدانة ضد بعض خصومه، انتقدهم بقوة واتهمهم بالتلاعب والفساد، مؤكداً في أكثر من مناسبة أن القضاة موظفون في الدولة، ولا يشكلون سلطة مستقلة بذاتها.

فالرئيس يعلم بأنه لا يستطيع أن يجهز على خصومه بدون تطويع القضاء، واستعماله كأداة قوية وفاعلة لحسم المعركة لصالحه.

المعركة المفتوحة ضدّ القضاء لها ارتباط وثيق بصراع الرئيس مع "النهضة"

"النهضة" وسياسة التدرج

من جهتها، اتبعت حركة النهضة سياسة التدرج، ولم تتورط منذ اللحظات الأولى في سيناريو التصعيد ضد الرئيس. حاولت أن تحتويه، ففشلت. ثم عملت على تحييده، ففشلت. تجنبت قيادتها تشخيص الصراع، فوقعت فيه.

لكن عندما شرع سعيّد في تنفيذ خطته، وصفت ما حصل بالانقلاب، ورفضت الاعتراف بجميع القرارات التي أصدرها.

مالت في البداية نحو التريّث، ورفضت أن تتصدّر مشهد المعارضة. دعمت المستقلين الذين أسسوا مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، ودفعت بأنصارها نحو المشاركة بفعالية في مختلف أشكال الاحتجاج في الداخل والخارج.

ثم صعّدت الحركة الخطاب أخيراً بعد وفاة أحد كوادرها، إذ وصف رئيسها راشد الغنوشي ما حدث بـ"جريمة دولة"، ووجه أصابع الاتهام مباشرة إلى الرئيس سعيّد، وطالب بإقالة وزير الداخلية توفيق شرف الدين ومحاسبته.

هكذا، يتبيّن أن المعركة بين الطرفين مفتوحة على مصراعيها، ويمكن أن تزداد حدة واتساعاً في كل لحظة. لكن المؤكد، على الرغم من شعبية الرئيس سعيّد التي لا تزال عالية، أن "النهضة" لا تزال تحتفظ في جيبها بأوراق عديدة.

"النهضة" لا تزال تحتفظ في جيبها بأوراق عديدة

إذ تعتقد قيادة الحركة بأن سعيّد قدم لها بعض الخدمات بتوجهاته بعد تجميده للبرلمان. فانتهاك الحريات خفف من حدة العزلة التي عاشتها الحركة بعد قرارات 25 يوليو/تموز الماضي، ووسع رقعة المعارضين للرئيس، فاهتزت بسبب ذلك صورة النظام على الصعيد الدولي، وتفاقمت الحالة الاقتصادية، وتصدّعت علاقة سعيّد بـ"الاتحاد العام التونسي للشغل".

كل ذلك أوراق ستستفيد منها "النهضة" وتحمي نفسها من محاولة الانفراد بها، كما كان متوقعاً بعد 25 يوليو مباشرة.