استمع إلى الملخص
- أرجأت حكومة نتنياهو قرار إقامة لجنة تحقيق رسمية في إخفاقات السابع من أكتوبر، مما أثار تساؤلات حول كيفية تجنب تشكيلها رغم مرور أكثر من عام على الحرب.
- كشفت تحقيقات إعلامية عن جهود نتنياهو وأوساطه لإحباط تشكيل لجنة تحقيق رسمية، مع التركيز على تقديم مقترح قانوني لتشكيل لجنة تحقيق سياسية لتأجيل أي تحقيق رسمي.
يتشارك رئيسا الوزراء الإسرائيليان، الأول ديفيد بن غوريون، والحاليّ، بنيامين نتنياهو في مسألتين اثنتين؛ الأولى أنهما حكما لمدة طويلة، والثانية أنه لم تُشكّل لجان تحقيق رسمية في عهدهما. على أنه في حالة أوّل رئيس حكومة للاحتلال، كان السبب تقنياً أكثر ويرتبط بأن قانون إقامة لجان التحقيق الرسمية، الذي ينظّم عملها بأيدي قضاة المحكمة العليا، سُن في نهاية عهد بن غوريون عام 1968.
عقب انقضاء ولاية بن غوريون بسنة واحدة، أقيمت أوّل لجنة تحقيق رسمية في إسرائيل، للتحقيق في حرق المتطرف الأسترالي دينيس مايكل، المسجد الأقصى. وهي لجنة أوعزت رئيسة الوزراء في حينه غولدا مائير بتشكيلها، ولكنها سرعان ما صنّفت مايكل "مختلاً عقلياً" فأطلقت سراحه بعد فترة اعتقال وجيزة.
خلال ولاية غولدا، أُقيمت أربع لجان تحقيق رسمية في إسرائيل، أشهرها لجنة ايغرنت التي حققت في الأداء السياسي، والاستخباري والعملاني الذي سبق حرب أكتوبر 1973. وتوصلت اللجنة حينها لجملة من الاستنتاجات كرت بسببها سبحة الاستقالات في المستويات العليا؛ إذ استقال وزير الأمن، وقائد أركان الجيش ديفيد إلعيزر، ورئيسة الوزراء، على الرغم من أن حزب الأخيرة اكتسح صناديق الانتخابات عقب الحرب.
أمّا الزمن الذي استغرق إقامة لجنة تحقيق إثر انتهاء الحرب وقتها، فكان أقل من شهر، وأقل من سنة لتقديم النتائج. وبمضي السنوات، شُكلت في إسرائيل لجان تحقيق عديدة، لم تنشغل كلّها في المسائل الأمنية - العسكرية، وإنما امتدت ليطاول تحقيقها مسائل ذات طابع مدني، بينها الوضع في السجون، والأداء الوظيفي لجهاز الصحة، وحماية المباني وتحصينها؛ وهذه الأخيرة ترأستها عمّة رئيس الحكومة الحالي، القاضية السابقة في المحكمة العليا، شوشانا نتنياهو. كما شُكّلت أيضاً لجان تحقيق في مسائل تنطوي على أهمية تاريخية مثل قضية اختفاء الأطفال الذين استجلبتهم الوكالة الصهيونية من اليمن خلال تهجير يهود الأخيرة في بداية خمسينيات القرن الماضي.
رغم توالي الحروب والأحداث الأمنية العديدة، قُلّصت في السنوات الـ20 الماضية، وتحديداً منذ حكم نتنياهو عام 2009 لجان التحقيق الرسمية بشكل كبير، على حساب إقامة لجان فحص حكوميّة. وليلة أمس، أرجأت حكومة نتنياهو في اجتماعها مسألة الإقرار بإقامة لجنة تحقيق رسميّة في إخفاقات السابع من أكتوبر، حتّى ثلاثة أشهر أخرى. وعلى هذه الخلفية، يُسئل: كيف نجح نتنياهو وحكومته بعد مضي سنة ونحو نصف السنة على اندلاع أكبر وأطول حرب في تاريخ إسرائيل في إحباط إقامة لجنة كهذه؟
في تحقيق نشرته هيئة البث الرسمية "كان" مؤخراً، يتكشف أن نتنياهو وأوساطه شرعوا بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب، بالتخطيط لكيفية إحباط لجنة التحقيق الرسميّة؛ إذ بدأ الأمر بالمشاورات التي انطلقت في تلك الفترة، مروراً بالمشاحنات مع وزير الأمن السابق، يوآف غالانت، الذي أقاله نتنياهو قبل أشهر قليلة، وليس نهايةً، بتدخل زوجة رئيس الحكومة، سارة نتنياهو.
بحسب "كان" فإنه بعد أيام قليلة على اندلاع الحرب، بدأت النقاشات في أوساط نتنياهو حول مسألة التحقيق في الإخفاق، لتتحول هذه النقاشات إلى مكثّفة أكثر بعدما أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الذي استقال حديثاً، هرتسي هليفي، في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحمّله المسؤولية عن الإخفاق.
وطبقاً لما قاله مصدران إسرائيليان أثناء التحقيق الذي أجرته "كان"، فإنه في البداية، وردت في أوساط نتنياهو فكرة إقامة لجنة تحقيق حكوميّة، ولكن سرعان ما تراجعت الأوساط عن الفكرة لأن الجمهور لن يتقبل ذلك. وفي تلك الأيام، برزت فكرة إقامة لجنة تحقيق رسمية في أوساط رجالات نتنياهو، على أن تُقذف هذه اللجنة زمنياً ما أمكن لإبعاد المسؤولية عن نتنياهو، وفي جميع الأحوال، تقرّر عرقلة إقامة لجنة كهذه.
منذ ذلك الحين، وحتّى مرور ما يقرب السنة، كان ما سبق هو الموقف السائد في "الليكود"، وحتّى خلال المباحثات لضم وزير الخارجية الحالي، غدعون ساعر، إلى الحكومة طالب رجالات نتنياهو بالتأكّد من أنّ ساعر لن يسُرّع إقامة لجنة تحقيقات رسمية.
وفي شهر أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، بدأت الصيغة تتغيّر وتحديداً من نتنياهو وزوجته سارة، عقب الإنجازات العسكرية التي حققتها إسرائيل في حربها على لبنان، والتي رفعت من شعبيّة "الليكود" في استطلاعات الرأي الانتخابية. وبحسب ما قاله أحد المصادر في دائرة نتنياهو، فإن الأخير فكّر في ذلك الوقت أنّ الخطاب العام انتقل للانشغال في النجاحات العسكرية المحققة أكثر من الانشغال في الإخفاق، وهو ما دفعه في حينه إلى المطالبة بتغيير اسم الحرب من "السيوف الحديدية" إلى "الانبعاث".
وخلال ذلك، بدأ نقاش متجدد لدى نتنياهو بشأن إقامة لجنة التحقيق، في حين عارضت زوجته سارة ذلك بشدة، وقالت، وفق أحد المقربين منها، "إنهم سيحاولون إسقاط رئيس الحكومة، سيتهمونه بالمسؤولية عن كل شيء (لو أُقيمت لجنة تحقيق كهذه)". غالانت من جهته، أدرك في ذلك الوقت، وفقاً لـ"كان" أنّ نتنياهو يتهرّب من القرار بإقامة اللجنة، عبر البحث عن أفكار أخرى. وحتّى أنه تحدث مع نتنياهو حول ذلك، وفي إحدى المحادثات، نَهَر نتنياهو غالانت قائلاً "هذا ليس وقت إقامة لجنة تحقيق نحن في عزّ الحرب".
عقب إقالة غالانت، في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خرج مخطط إحباط لجنة التحقيق إلى حيز التنفيذ الفعلي، وحتى منتصف الشهر الماضي، صاغ مكتب نتنياهو الخطوط العريضة لمشروع قانون لجنة تحقيق سياسية، والتي تظهر للوهلة الأولى بأنها عادلة، حيث سيقرر 80 عضو كنيست اختيار لجنة كهذه. وعلى الأقل، كما نقلت "كان" عن نائبين من "الليكود"، فإن مكتب نتنياهو طلب منهما تقديم المقترح القانوني باسمهما، قبل أن يبادر عضو الكنيست أرئيل كلينر لتقديمه.
وفي هذه الأثناء، بحسب أقوال أوساط نتنياهو، فإنّ المخطط يُركز على الدفع بمقترح لجنة التحقيق السياسية، وفي حال مرّ القانون، لن تتعاون المعارضة في إقامة أي لجنة مهما كانت، وهو ما سيمُط المسألة زمنياً، ويُمكّن الحكومة من شراء مزيد من الوقت، دون إقامة لجنة تحقيق حتى انتهاء ولايتها المفترضة في 2026. وفي حال فشل تقديم المقترح القانوني لإقامة لجنة تحقيق سياسية، سيدّعي نتنياهو بأنّ المعارضة أحبطت ذلك برفضها التعاون، وعندها سيدفع لإقامة لجنة فحص حكوميّة، ستخلص في النهاية إلى تحميل المستويين الأمني والعسكري المسؤولية عن الإخفاق.