هدية انتخابية إيرانية لنتنياهو

هدية انتخابية إيرانية لنتنياهو

02 مارس 2021
سارع نتنياهو لاتهام إيران بالمسؤولية عن العملية (Getty)
+ الخط -

لم يكن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يحلم بأن تأتيه النجدة والسلاح لتحريك المعركة الانتخابية التي يخوضها، ويجر إسرائيل إليها للمرة الرابعة خلال أقل من عامين، من قبل النظام في إيران، أو من قبل جماعات تابعة لطهران، وأن تسلم الهدية في مكان مثالي للدعاية الإسرائيلية، في قلب الخليج، كما حدث الخميس الماضي، عند استهداف سفينة يملكها إسرائيلي، وترفع علم جزر البهاماس.
وسارع نتنياهو لتأكيد اتهام إيران بالمسؤولية عن العملية، صباح أمس الإثنين، فقط من أجل سد الطريق والمشهد الدعائي والإعلامي عن وزير أمنه بني غانتس، ولأنه أدرك بسرعة حجم الفائدة المرجوة له من حيث الدعاية الانتخابية، خصوصاً أن كل محاولاته الزج بإيران في الدعاية الانتخابية، لم تلق آذاناً صاغية، ولم يتمكن من فرض طهران على الأجندة الانتخابية.

سيكون بمقدور الاحتلال مواصلة الحرب السرية ضد طهران

فقد عانى نتنياهو في الشهرين الأخيرين، منذ حل الكنيست في 23 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، من طغيان القضايا الداخلية، وفشل حكومته في مواجهة جائحة كورونا، كما محاولاته المماطلة في بدء المحكمة الجنائية ضده. وانعكس هذان الملفان على قوته الانتخابية بحسب الاستطلاعات، إذ لم يتمكن في الشهرين الأخيرين من تحقيق توقعات لحزبه بأكثر من 29-30 مقعداً، في كافة الاستطلاعات، مقابل نحو 40 مقعداً كانت تتوقعها الاستطلاعات له، في يونيو/حزيران الماضي بعد أن بدا أن إسرائيل على وشك التغلب على جائحة كورونا، إلى أن غلبتها الموجة الثانية، ومعها بدأ تدهور نتنياهو في الاستطلاعات، وصولاً إلى قوته الحالية المقدرة بـ29 مقعداً من جهة، وتوفر أغلبية 61 عضواً للمعسكر المناهض له، بما في ذلك الأحزاب العربية في الكنيست من جهة ثانية.
لكن حادثة استهداف سفينة إسرائيلية، في خليج عمان، مع كونها سفينة مدنية، تعكس في المنظور الإسرائيلي، وفي عرف نتنياهو خصوصاً، دليلاً على صحة ما تدعيه دولة الاحتلال من الخطر الذي تمثله إيران، ليس فقط على صعيد تحولها لدولة نووية، وإنما أيضاً، على صعيد تهديد أمن الملاحة البحرية، بما في ذلك في الخليج، ومنه إلى البحر الأحمر وطرق التجارة البحرية، وصولاً إلى تهديد مصالح تتجاوز المصالح الإسرائيلية، ويمكن لها أن تطاول المصالح الأميركية، وبطبيعة الحال مصالح الدول العربية في الخليج.

وبالرغم من أن الضربة الإسرائيلية لمواقع إيرانية في سورية، مساء أمس الأول، قد لا تكون مرتبطة بالضرورة باستهداف السفينة الإسرائيلية، إلا أن إعلان مصادر أمنية أن الاجتماع، الذي عقده الكابينت الأمني الإسرائيلي، مساء الأحد الماضي، وشارك فيه قادة الجيش والموساد ومجلس الأمن القومي الإسرائيلي، خرج باتفاق المشاركين فيه على وجوب توجيه إسرائيل ضربة لإيران والرد على الحادثة، دون أن يكون هذا الرد علنياً بالضرورة، يعني عملياً أنه سيكون بمقدور الاحتلال مواصلة الحرب السرية ضد طهران، وتنفيذ هجوم كبير في إيران، "كعمل مشروع" رداً على استهداف السفينة الإسرائيلية من جهة، وتكثيف الضغوط الإسرائيلية على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لجهة عدم رفع القيود الاقتصادية عن طهران، من جهة أخرى، والقبول بالشرط الإسرائيلي المتعلق بالترسانة الصاروخية الإيرانية، ووقف النشاط "الإرهابي الإيراني" في المنطقة، ضمن بنود أي اتفاق نووي جديد مع طهران.

تساعد العملية نتنياهو في حرف الأنظار في إسرائيل عن قضاياه الداخلية

كما منحت العملية نتنياهو، فرصة علنية جديدة ومكررة للقول إن إسرائيل لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، سواء عبر اتفاق نووي جديد أم بدونه، في إشارة إلى استعدادات إسرائيلية لإعداد خيار عسكري ضد المنشآت النووية في إيران، كان أعلن عنها قبل فترة رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال أفيف كوخافي.
لكن أهم ما في التطورات في العملية، هي أنها تساعد نتنياهو في محاولة حرف الأنظار في إسرائيل عن قضاياه الداخلية، وفضائح فشل حكومته في التغلب على جائحة كورونا، مع ما رافق ذلك بشكل واضح، من تساهل كبير مع تمرد الحريديم اليهود على أنظمة وتعليمات التباعد الاجتماعي، ومنع التجمهر، وحتى شبهات في تسهيلات للحريديم الذين ظلوا خارج إسرائيل، للعودة إلى إسرائيل خلافاً للأنظمة والشروط التي وضعتها الحكومة.
وسيكون بمقدور نتنياهو أن يرفع مجدداً شعار كونه الشخص الأنسب لمواجهة إيران، ليس فقط على صعيد مخططاتها بعيدة الأمد في امتلاك ترسانة نووية، وإنما أيضاً على المدى الفوري والمباشر، بالركون في هذا الباب إلى علاقاته الجيدة والرسمية مع أنظمة ودول عربية في الخليج، ترى أن تهديد إيران لحركة الملاحة في الخليج وبين مضيقي هرمز وباب المندب، قد يصبح أمراً واقعاً، وبالتالي فإنها ستجد مبرراً إضافياً لتطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، تحت ذرائع تثبيت الاستقرار والدفاع عن مصالحها. وتشكل العملية التي وقعت في خليج عمان، دليلاً أو ورقة ملموسة في هذا السياق يلوح بها نتنياهو في وجه الدول الخليجية التي التحقت بركب التطبيع، بشأن ضرورة التعاون أمنياً لمواجهة الخطر الإيراني، الذي لم يعد مجرد خطر "مفترض" بانتظار تحول طهران لدولة نووية، بل بات ممارسة فعلية في قلب الخليج، وفي موانئها السيادية. ومن المتوقع أن يلوح نتنياهو هذه المرة بأهمية اتفاقيات التطبيع مع دول خليجية للأمن والمصالح الإسرائيلية الاقتصادية، والرد على من استخف في إسرائيل بـ"الفائدة" من اتفاقيات سلام مع دول لم تنشب بينها وبين إسرائيل حرب في الماضي.
نتنياهو المعروف بقدراته الدعائية لن يترك هذه الفرصة تفلت من يديه، وسيستغلها لمحاولة تركيز الأضواء في المعركة الانتخابية على علاقاته الدولية وإنجازه السياسي والدبلوماسي في الخليج، وإزاحة هذه الأضواء عن ملفاته الجنائية وفشله التنفيذي في مواجهة كورونا، عل ذلك يساعد في تحريك المياه الراكدة في المعركة الانتخابية الإسرائيلية، خصوصاً إذا رافقت هذه المحاولات عمليات وهجمات إسرائيلية على أهداف إيرانية، غير التي اعتادت إسرائيل ضربها في سورية. ويمكن لعودة "الخطر الإيراني المباشر" أن يحرّك المعركة الانتخابية، وأن يدفع بشرائح إسرائيلية لحسم قرارها الانتخابي على أساس هذه القضية، والتصويت مجدداً لنتنياهو لاقتناعها بعدم خبرة وتجربة خصومه في الساحة الداخلية وفي الحلبة الدولية.

المساهمون