هجوم صيني على بيلوسي: "إله الطاعون السياسي"

هجوم صيني على بيلوسي: "إله الطاعون السياسي"

03 اغسطس 2022
أسباب العداء الصيني تجاه بيلوسي يرتبط بعوامل عديدة (Getty)
+ الخط -

تحولت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، خلال الأشهر الماضية، إلى محور تركيز الإعلام في الصين، وذلك منذ الإعلان في إبريل/نيسان الماضي عزمها على زيارة تايوان، التي تعتبرها بكين جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية. وبالرغم من أن بيلوسي ليست أول مسؤولة أميركية تزور الجزيرة التي تطالب بالاستقلال عن البر الرئيسي الصيني، لكنها أكبر شخصية سياسية تقوم بذلك منذ 25 عاماً، الأمر الذي أثار حفيظة الصين، ودفعها إلى اتخاذ إجراءات عسكرية غير مسبوقة، تزامنت مع هبوط الطائرة التي أقلت بيلوسي في مطار سونغشان في تايبيه (عاصمة تايوان) مساء أمس الثلاثاء.

وسبقت زيارة المسؤولة الأميركية حملة إعلامية شرسة في وسائل الإعلام الرسمية الصينية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ووُصفت رئيسة مجلس النواب الديمقراطي بالعته والغباء السياسي.

وتعتبر بيلوسي منتقدة صريحة لبكين، ومن أشد المؤيدين لتايوان، لذلك يناصبها الصينيون العداء بصورة شخصية، وتُعَدّ إلى جانب وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، من أكثر الشخصيات السياسية الأميركية إثارة للجدل في الأوساط الصينية السياسية والشعبية.

دخول الجزيرة كـ"اللص"

في افتتاحيتها اليوم الأربعاء، قالت صحيفة غلوبال تايمز المدعومة من الحكومة الصينية، إن بيلوسي دخلت "كاللص" إلى جزيرة تايوان، وإنها ألقت بتصرفاتها "الغبية والمتهورة والاستفزازية الخطيرة" المسؤولية الكاملة عن تقويض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان على عاتق الولايات المتحدة وسلطات الحزب الديمقراطي التقدمي في تايبيه.

وأضافت أن رئيسة مجلس النواب الأميركي مثل "إله الطاعون السياسي"، لم تقدم أي خير للمنطقة باستثناء جلب المخاطر والتوترات إلى تايوان.

من جهتها قالت صحيفة الشعب اليومية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، في افتتاحيتها يوم الاثنين، إن زيارة بيلوسي للجزيرة الصينية، "خلافاً لادعاءات إدارة بايدن بالبراءة، تدخل تعسفي وخطير في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، وعلى العالم كله أن يدرك أن الولايات المتحدة في سعيها لخلق مساحة للانفصاليين، تكسر القواعد الأساسية للعلاقات الدولية، في محاولة لفتح جبهة مواجهة ثانية في آسيا، وتحويل محاولاتها لاحتواء الصين إلى حصار"، معتبرة أن ذلك سيجلب الدمار للجميع.

تفاعل شعبي

وتلقف الصينيون هذه العبارات والتهديدات بصدور حامية، وراحوا ينهالون على المسؤولة الأميركية بأقذع الشتائم على منصة ويبو المعادل الصيني لموقع تويتر، وأنشأ نشطاء صفحات تستهدف جمع كل ما يدين نانسي بيلوسي من تصريحات معادية للصين وفيديوهات وصور معظمها مفبرك، ووصفوها بـ"العجوز المخمورة" التي تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار الدوليين، وذهب بعضهم إلى مطالبة الجيش الصيني بعملية إنزال كوماندوس لتصفيتها في مقر إقامتها بالعاصمة تايبيه.

وفي تعليقه على هذه التعبئة الإعلامية، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تايبيه الوطنية غوان مينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن التصعيد الصيني، سواء على مستوى التحركات العسكرية، أو في وسائل الإعلام، "يهدف إلى إثارة المشاعر القومية، وينطلق من حاجة وضرورة ملحة، خصوصاً أن زيارة بيلوسي جاءت في توقيت حساس سياسياً بالنسبة إلى الصين، التي تستعد لعقد المؤتمر الوطني العام للحزب الشيوعي في شهر نوفمبر المقبل، الذي من المتوقع أن يشهد تمديد ولاية الرئيس شي جين بينغ لفترة ثالثة.

أستاذ بالعلاقات الدولية: التصعيد الصيني سواء على مستوى التحركات العسكرية أو في وسائل الإعلام، "يهدف إلى إثارة المشاعر القومية"

 وأضاف مينغ أن قيادة الحزب "تريد أن تظهر أنها متحكمة ومسيطرة داخلياً وخارجياً، لأن ذلك من شأنه أن يرفع من أسهم رئيس البلاد ويجعله في منأى عن أي مساءلة محتملة تتعلق بخرق دستوري أو تقديم تنازلات في ملفات حساسة مثل ملف تايوان".

 وعن توقعاته بشأن التصعيد الصيني، قلل غوان مينغ، من التهويل الذي رافق الرد الصيني رغم اعترافه بخطورة الوضع الأمني، وقال إنّ من غير المتوقع أن يتجاوز رد بكين حدود المناورات العسكرية وإطلاق القذائف الصاروخية في المضيق على غرار ما قامت به عام 1996، حين زار الرئيس التايواني آنذاك لي تونغ هوي، الولايات المتحدة، ما سبّب أزمة عسكرية. وأضاف أن الاستقرار الأمني يمثل أولوية بالنسبة إلى الحزب قبل انعقاد مؤتمره العام في الخريف المقبل، وبالتالي من غير المتوقع أن تنزلق الصين في مغامرة غير محسوبة.

أسباب العداء تجاه بيلوسي

من جهته، تحدث الباحث في معهد لياونينغ للدراسات السياسية وانغ تشي يوان، عن أسباب العداء الصيني تجاه بيلوسي، وقال في حديث لـ "العربي الجديد"، إن ذلك مرتبط بعدة عوامل، من بينها موقفها السياسي وشخصيتها الاستفزازية، فضلاً عن انتسابها إلى الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يناصب الصين العداء منذ عقود.
ولفت تشي وان إلى أن العلاقات الصينية الأميركية عادة ما شهدت اضطرابات في عهد الرؤساء الديمقراطيين، ولكن مع وصول نانسي بيلوسي إلى منصب رئاسة مجلس النواب، أصبح العداء للصين سمة بارزة بغضّ النظر عن هوية الرئيس الحاكم، واستدل على ذلك باضطراب العلاقات بين بكين وواشنطن في فترة الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب.

 وأضاف أن بيلوسي عادة ما تستخدم ملف حقوق الإنسان كورقة لمهاجمة الصين ومحاولة احتوائها، كما فعل من قبلها وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وأنها تتصرف وفق أهوائها الشخصية، وأن زيارتها لتايوان "خروج عن الإجماع الأميركي، وخرق لمبدأ صين واحدة والاتفاقات الموقعة بهذا الشأن. وبالتالي إن أي سلوك سياسي لها سيوضع في إطار الأحقاد الشخصية، حتى وإن كانت تمثل وترأس أهم وأكبر برلمان في العالم".

هذا وكانت بيلوسي قد بدأت جولتها في آسيا يوم الاثنين بزيارة لسنغافورة، قبل أن تصل على رأس وفد ديمقراطي من الكونغرس إلى تايون على متن طائرة بوينغ سي 40 التابعة للقوات الجوية الأميركية، حيث كان في استقبالها وزير خارجية الجزيرة جوزيف وو، ومندوبة الولايات المتحدة في تايوان ساندرا أودكيرك.

 وقالت بيلوسي إن رحلتها إلى تايوان "إشارة للعالم بأن واشنطن تقف مع الديمقراطية ولديها تعهد مقدس لدعم دفاع الجزيرة وسط التهديدات المتزايدة من بكين".

وكتبت في مقال نُشر في صحيفة واشنطن بوست: "في مواجهة العدوان المتسارع للحزب الشيوعي الصيني، يجب أن يُنظر إلى زيارة وفد الكونغرس لدينا على أنها بيان لا لبس فيه بأن أميركا تقف إلى جانب تايوان، شريكنا الديمقراطي، لأنها تدافع عن نفسها وعن حريتها". وأضافت: "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي، بينما يواصل الحزب الشيوعي الصيني تهديد تايوان والديمقراطية نفسها".

يشار إلى أن الصين تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها ولم تتخلّ قطّ عن استخدام القوة لإعادتها إلى سيطرتها، وقد حذرت واشنطن مراراً من زيارتها وتعهدت باتخاذ إجراءات صارمة. وتعترف الدول الغربية الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، بمبدأ "صين واحدة" ولا تعترف بتايوان كدولة ذات سيادة، لكن واشنطن تعارض أي محاولة من جانب بكين لتوحيد تايوان بالقوة.