هاري وميغان: بين عنصريتي القصر وبلد الإقامة

هاري وميغان: بين عنصريتي القصر وبلد الإقامة

11 مارس 2021
كاد موضوع هاري وزوجته ميغان أن يزاحم موضوع كورونا(Getty)
+ الخط -

أخبار قصر باكينغهام لها سوق كبيرة في أميركا، فهي دائماً مثيرة، سواء أكانت درامية أم وردية. فكيف إذا كانت الرواية جوّانية وفاضحة؟

ما كشفته مقابلة أوبرا وينفري ليلة الأحد الماضي مع الأمير هاري وزوجته ميغان عن عنصرية العائلة المالكة، ما زال حديث الساعة لليوم الثالث على التوالي. كاد مع ردود القصر والإعلام البريطاني أن يزاحم موضوع كورونا. ما استحوذ على الاهتمام، السردية المؤثرة التي عرضت فيها دوقة سوسكس معاناتها من تعامل العائلة المالكة معها بصورة دونية حملتها على "التفكير في لانتحار"، على حدّ قولها.

 وزاد من الاستياء والرفض، ما كشفته عن قلق القصر من احتمال أن تكون بشرة طفلها الأول على شيء من السمرة، ولو الخفيفة! وقد استحضر هذا العرض السيرة المأساوية للأميرة ديانا وعلاقتها المضطربة بالعائلة المالكة، التي أثار مقتلها يومذاك نقمة واسعة في أميركا على الحاشية الملكية برمتها. وعلى هذه الخلفية، تأتي الآن قصة الابن لتكشف عن المزيد من العنصرية الفاضحة والمحرجة.

مع ذلك، يأتي التعاطف الأميركي مع هاري - ميغان من باب رفض الاستعلاء الملكي أكثر من كونه إدانة للتمييز ضد الملونين غير البيض. فالعنصرية ضاربة أطنابها الآن في أميركا، بعد أن طلعت إلى المكشوف في زمن ترامب. أخذت من الزخم والاستقواء ما مكّنها من المجاهرة أحياناً بالعنف العلني ضد المؤسسات، كما جرى في اجتياح مبنى الكونغرس قبل شهرين. وما زال خطر تمرد جماعات "تفوّق العرق الأبيض" قائماً.

العنصرية قد تتأزم وتستشرس أكثر إذا ما لم يتم استيعابها، ومن هنا قول أحد المراقبين، في تعليقه على مقابلة هاري – مايغن: "نرى أنفسنا في هذه المقابلة"

تهديدات عديدة توالت في الفترة الأخيرة، واضطرت مجلس النواب إلى وقف أعماله وإخلاء قاعته يوم 4 مارس/ آذار الجاري بناءً على تحذيرات الجهات الأمنية، الأمر الذي استدعى تمديد فترة بقاء قوات من الحرس الوطني (5000 عنصر) لمدة شهرين لتأمين الحماية لمبنى الكونغرس، الذي ما زال محيطه أشبه بقلعة عسكرية مقفلة مداخلها بالحواجز العصية على الاختراق والعربات المصفحة.

صحيح أن جوّ الكراهية انحسر بعض الشيء أخيراً، لكن الجهات المعنية ما زالت تحذّر من مخاطره ومفاجآته. ما زال كامناً كالجمر تحت الرماد. ولوحظ أن رقعته توسعت لتشمل الآسيويين الأميركيين الذين يتعرضون للاعتداءات في أكثر من ولاية. رفض الآخر صار بضاعة سائدة. تارة تكشف عن نفسها صراحة، وطوراً تُطل بصورة مبطّنة في الخطاب السياسي. وليس فقط الرئاسي السابق، بل أيضاً في الكونغرس الذي كانت النبرة العنصرية فجّة في خطاب الترامبيين فيه، وخاصة في جلسات التحقيق الأخيرة بحادثة 6/1، ثم في مداولاته بموضوع حزمة التحفيز وحصة الملونين والأقليات منها، خاصة في مجلس النواب، وأيضاً في كونغرس الولايات التي تسنّ 43 منها قوانين ترمي إلى تصعيب مشاركة الأقليات والملونين في الانتخابات، وذلك من خلال وضع شروط معقدة أو إزالة التسهيلات التي تسمح لهم بمشاركة واسعة تصبّ عادة في مصلحة الديمقراطيين وخصوم المحافظين.

وكان سبق ذلك موجة مطاردات أججت النعرة على إثر سقوط ضحايا من السود على أيدي شرطة من البيض في غير ولاية، وكان أبرزهم جورج فلويد، الذي مات اختناقاً تحت ركبة واحد منهم.

 المفارقة أن الثنائي هاري - ميغان الذي يشتكي من العنصرية، اختار الإقامة الجديدة في بلد تنتعش فيه العنصرية بدرجة فاقعة. فهي تحاول العودة إلى أصولها، بعد الزخم الذي أخذته خصوصاً في العام الانتخابي المنصرم. تذكِّر بمناخاتها التي شهدتها عشية إقرار رزمة الحقوق المدنية في أواسط ستينيات القرن الماضي أيام الرئيس ليندون جونسون. وربما هذه المرة بصورة أشرس يمليها تفاقم أزمتها عشية بدء انقلاب الميزان الديموغرافي لمصلحة الأقليات. العنصرية قد تتأزم وتستشرس أكثر إذا لم يجرِ استيعابها، ومن هنا قول أحد المراقبين، في تعليقه على مقابلة هاري – مايغن: "نرى أنفسنا في هذه المقابلة".

 

المساهمون