"هآرتس" تكشف تفاصيل فظيعة حول مجزرة المسعفين والدفاع المدني في رفح

23 ابريل 2025
خلال نقل جثامين 8 من عناصر الدفاع المدني والمسعفين إلى خانيونس، 30 مارس 2025 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كشفت صحيفة هآرتس عن مجزرة ارتكبها جنود لواء غولاني بحق 15 مسعفًا فلسطينيًا في رفح، حيث أطلقوا النار عشوائيًا على قافلة إغاثة رغم تلقيهم بلاغًا عن حركة سيارات الإسعاف.

- التحقيق العسكري بقيادة اللواء يوآف هار إيفين أشار إلى إطلاق النار الخاطئ على سيارات إسعاف ومركبة أممية، ونفى تقييد الضحايا، لكن أكد العشوائية في إطلاق النار.

- بعد المجزرة، أمر قائد اللواء بإخفاء الجثث وتدمير سيارات الإسعاف، لكن تصرفات القوة كشفت موقعها، مما أدى إلى تقديم موعد الهجوم على تل السلطان.

"هآرتس": الجيش لم يفصح عن جميع المعلومات التي خلص إليها في تحقيقه

التحقيق كان يهدف إلى التصدي للانتقادات الدولية الحادة بعد المجزرة

جندي لا يجيد العربية حكم على الضحايا بالقتل

كشفت صحيفة هآرتس العبرية اليوم الأربعاء تفاصيل جديدة حول المجزرة التي ارتكبها جنود من لواء غولاني في جيش الاحتلال الاسرائيلي، بحق 15 من المسعفين الفلسطينيين وعناصر الدفاع المدني في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، في شهر مارس/آذار الماضي، كما أفادت بأن الجيش لم يفصح عن جميع المعلومات التي خلص إليها في تحقيقه.

وتشير المواد التي جمعها الجيش بعد المجزرة إلى أن الجنود قاموا بتبديل العديد من أمشاط (مخازن) الذخيرة أثناء إطلاق النار على الضحايا الذين حاولوا التعريف بأنفسهم. وقبل إطلاق النار، تلقّت القوة تقريراً حول حركة مكثفة لسيارات الإسعاف في المنطقة، وكانت مركبات الإغاثة تتحرك في مسار يُسمح بالحركة فيه ولم يتطلب تنسيقاً مسبقاً. وبحسب الصحيفة، قرر نائب قائد الكتيبة الذي كان يقود القوة، تجاوز المهمة التي كُلف بها. واستند تحديد هوية ركاب السيارة الأولى، التي تعرضت للهجوم بزعم أن من فيها ينتمون إلى حركة حماس، إلى استجواب أجراه جندي لا يتقن اللغة العربية. ورغم تلقّي القوة بلاغاً حول حركة مكثّفة لسيارات الإسعاف، أطلقت النار باتجاهها لمدة ثلاث دقائق ونصف بشكل متواصل، أيضاً من مسافة صفر.

وتشير المعلومات وفق "هآرتس"، إلى عدم انضباط عملياتي للقوة من وحدة "سييرت غولاني"، وعدم مصداقية في الإفادات التي قدمّها الجنود للقادة والمحققين في الجيش. كما تشير المواد إلى أن السلوك العملياتي للقوة عرّض الجنود والقوات الأخرى في المنطقة للخطر. وفي التفاصيل، ذكرت الصحيفة أن التحقيق الذي أجراه جيش الاحتلال ونُشر قبل أيام، كان يهدف إلى التصدي للانتقادات الدولية الحادة التي أُثيرت بعد المجزرة، لكنه لم يعرض الصورة الكاملة. ونشرت سلسلة من التفاصيل التي لم تُكشف من قبل، عن تلك الليلة في رفح، والتي تسلط الضوء على سلوك القوة. وتم نقل التفاصيل إلى المدّعية العسكرية العامة يفعات تومر يروشالمي، التي تدرس الشهادات والمواد التي تم جمعها، وستقرر ما إذا كان هناك أساس لفتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية.

ولفتت الصحيفة العبرية، إلى أن التحقيق العسكري، الذي ترأسه اللواء المتقاعد يوآف هار إيفين، وجد أن القوة أطلقت النار في ثلاث حالات مختلفة على سيارات إسعاف ومركبة تابعة للأمم المتحدة بشكل خاطئ، وفي بعض الأحيان تجاوزت الأوامر. ونفت خلاصة التحقيق التي نُشرت للجمهور، الشهادات التي تفيد بأنه تم تقييد الضحايا وإعدامهم، وأكدت أن "القوات لم تطلق النار بشكل عشوائي". ومع ذلك، تشير المواد التي تم العثور عليها إلى أنه تم إطلاق النار بشكل عشوائي لمدة ثلاث دقائق ونصف على قافلة من مركبات الإغاثة في إحدى الحالات.

في الليلة التي وقعت فيها المجزرة، بين 23 و24 مارس، استعد جيش الاحتلال لشن هجوم مفاجئ على حي تل السلطان في رفح، والذي كان مخططًا له في 24 مارس. وفي الأيام التي سبقت العملية، تمركزت قوات من الفرقة 36 وفرقة غزة في المنطقة. ومع ذلك، فإن الطريق الذي تمركزت فيه القوة في تلك الليلة كان طريقاً يُسمح فيه بالحركة في ذلك الوقت لعمال الإنقاذ والمدنيين، ولذلك لم يكن مطلوباً من عمال الإغاثة والفرق الطبية، طلب إذن للمرور عبره. ويتناقض هذا مع ما ورد في البيان الأول لجيش الاحتلال والذي نُشر بعد المجزرة. وتبيّن لاحقاً، وفقاً للصحيفة، أن البيان استند إلى معلومات خاطئة قدّمتها القوات في الميدان.

وتحرّكت سيارة إسعاف على الطريق بأضواء وامضة في تنقّل روتيني، فيما لم يكن ركاب سيارة الإسعاف قادرين على رؤية جنود الاحتلال، الذين كانوا في مكان لا يمكن ملاحظتهم فيه أثناء القيادة على الطريق. ونظراً لأن القوة كانت في منطقة أعلى من الطريق، لم يكن بإمكان سيارة الإسعاف تنفيذ عملية دهس أو تهديد الجنود، الذين طُلب منهم عدم كشف أنفسهم قبل بدء الهجوم الكبير على تل السلطان.

وكانت المنطقة بأكملها مظلمة أثناء المجزرة، ولم يكن من الممكن عدم ملاحظة الأضواء الوامضة، وفق ما يظهر من توثيق يحتفظ به الجيش الإسرائيلي، والذي تم الحصول عليه من مُسيّرات ومروحيات كانت ترافق القوة. وقرر نائب قائد وحدة "سييرت غولاني"، وهو ضابط احتياط كان يقود القوة، تغيير المهمة التي كُلف بها، وأمر القوة بأكملها بالاستعداد لإطلاق النار على سيارة الإسعاف التي كانت تتحرك باتجاه الكمين. وعندما كانت سيارة الإسعاف على وشك المرور بالقرب من القوة، فتح الجنود النار عليها. ودهمت القوة خلال قيامها بإطلاق النار، السيارة التي قتلت فيها اثنين من عمال الإغاثة واعتقلت شخصاً آخر كان في داخلها.

جندي لا يجيد العربية حكم على الضحايا بالقتل

تشير معلومات الصحيفة العبرية، إلى أن أحد الجنود، والذي لا يجيد اللغة العربية، حاول جمع معلومات من المعتقل حول هوية الضحايا، واستنتج من كلامه أنهم أعضاء في حماس (رغم أنهم ليسوا كذلك). وقام نائب قائد الكتيبة بإبلاغ قائد اللواء الذي كان جالساً في مركز القيادة عن إطلاق النار والضحايا. وحاول قائد اللواء 14، تال ألكوبي، تقييم ما إذا كانت "الحادثة" قد كشفت القوة وأثرت على خطة الهجوم الكبير، وإذا ما تم فقدان عنصر المفاجأة. وفي المحادثة بين الاثنين، أعرب نائب قائد الكتيبة عن تقديره بأن القوة لم تُكشف.

أطفأ جنود الاحتلال سيارة الإنقاذ والأضواء، وأخفوا الجثث، وعادوا إلى نفس نقطة الكمين. وزعم نائب قائد الكتيبة في شهادته أنه من الموقع الذي كان فيه، لم يكن بالإمكان رؤية أضواء سيارة الإسعاف، واعتقد أنها سيارة شرطة تابعة لحماس، ولذلك قرر إطلاق النار. ورغم عدم اقتناع المحققين بروايته، قبلوا موقفه بأن المنطقة كانت منطقة قتال، وأن القوة كانت في حالة تأهب للهجوم الكبير، لذلك ركّز الجنود بشكل أساسي على اتخاذ القرار العام وليس "الخطأ" في تحديد سيارة الإسعاف الأولى التي تعرضت للهجوم. وبعد إطلاق النار الأول، عاد الجنود إلى نقطة الكمين وفقًا لتعليمات قائد اللواء 14 الذي قدّر أن القوة لم تُكشف وأن عنصر المفاجأة لم يتأثر. لاحقاً تحرّكت قافلة من مركبات الإنقاذ تضمنت سيارات إسعاف وإطفاء على الطريق، وكانت جميعها مضاءة بأضواء وامضة، ولم يكن بالإمكان عدم ملاحظتها في تلك المنطقة المظلمة.

إطلاق النار على الفريق الذي تفقّد الجثث

ادّعى نائب قائد الكتيبة في شهادته، أنه منذ اللحظة التي اعتقد فيها أن الضحايا في السيارة الأولى كانوا أعضاء في حماس، استنتج، وفق زعمه، أن قافلة مركبات الإنقاذ التي كانت تشق طريقها إلى الموقع، هي في الواقع قافلة لأعضاء حماس الذين علموا بالحادثة ووصلوا لأخذ جثث أعضاء حماس الذين قُتلوا، وللهجوم على قوة وحدة غولاني.

واقتربت قافلة مركبات الإنقاذ من موقع الكمين الذي تمركزت فيه القوة بسرعة منخفضة باتجاه المكان الذي كانت فيه جثث ركاب سيارة الإسعاف الأولى. وخلافاً للادعاء بأن القافلة كانت تهدد القوة، تظهر توثيقات، شكوكاً كبيرة في ما إذا كان أفراد القافلة على علم بوجود الجنود في الموقع.  فقد توقفت القافلة بالقرب من المركبة المتضررة، ونزلت الفرق الطبية باتجاه المكان الذي كانت فيه الجثث على الجانب الآخر من الطريق، مما يعني أن الفرق الطبية ابتعدت عن موقع الكمين الذي كانت تتمركز فيه القوة. وكان أفراد الفرق الطبية يرتدون سترات عاكسة، وأبقوا الأضواء التحذيرية مشغلة، وكذلك صفارات الإنذار، لتوضيح وجودهم في الموقع خشية أن يقوم الجيش الإسرائيلي بمهاجمتهم. وعند توقف القافلة، أمر نائب قائد الكتيبة القوة بإطلاق النار على المركبات.

وأمر الجنود الذين يحملون الرشاشات بإطلاق النار من موقع الكمين، بينما أمر باقي القوة بالهجوم على القافلة. كانت المسافة بين القافلة والجنود في القوة تتراوح بين 20 و30 متراً، مما يعني أن جميع الجنود كانوا قادرين على التمييز، أيضاً باستخدام أجهزة الرؤية الليلية التي كانت بحوزتهم، أن الأشخاص لم يكونوا مسلّحين بل كانوا أعضاء فرق طبية.

وصل الجنود الذين هاجموا إلى فريق الإغاثة خلال ثوانٍ قليلة، وأطلقوا النار بشكل مستمر لمدة ثلاث دقائق ونصف تقريباً باتجاههم. قام الجنود بتبديل العديد من مخازن الرصاص واستمروا في إطلاق النار حتى عندما كان واضحاً أنه لم يتم إطلاق أي نار من الجانب الآخر، وكان ذلك بالتزامن مع صرخات أعضاء فريق الإغاثة الذين حاولوا التعريف بأنفسهم. حاول بعض أفراد فريق الإغاثة الفرار إلى منطقة مفتوحة، ولكن في نهاية الثلاث دقائق من إطلاق النار المتواصل من مسافة قصيرة، قتل جيش الاحتلال 12 منهم.

في التحقيق، تبين أيضاً أن السلوك العملياتي للقوة في الموقع تخلله "إهمال"، من وجهة النظر الإسرائيلية، إذ لم تعمل القوة بانتظام أثناء الهجوم، حيث مر الجنود أمام بعضهم البعض أثناء إطلاق النار دون الحفاظ على حدود واضحة، الأمر الذي كان يمكن أن يتسبب بقتل عدد منهم، نتيجة إطلاق نار صديقة من الجانبين.

مرحلة إخفاء الجثث

طلب قائد اللواء من نائب قائد الكتيبة، إخفاء الجثث ودفنها وكذلك التخلّص من سيارات الإسعاف، بحيث لا يتمكن أحد من كشف خطة الهجوم التي كان من المقرر تنفيذها. وبحسب "هآرتس"، لم يقترح قائد اللواء في أي مرحلة، نقل الجثث إلى داخل إسرائيل أو تسليمها إلى جهات الإغاثة الدولية. وأثناء النقاش حول استكمال المهمة، وبعد حوالي 12 دقيقة من انتهاء الهجوم، وصلت مركبة تابعة للأمم المتحدة كان بداخلها موظف من وكالة أونروا. وتظهر توثيقات يحتفظ بها جيش الاحتلال، أن المركبة التابعة للأمم المتحدة، كانت تتحرك ببطء، ويبدو أنها كانت على دراية بما حدث بعد تلقّي معلومات حول إطلاق النار على فرق الإغاثة الطبية. وصلت المركبة إلى الموقع مع أضواء مشغّلة وبطريقة تبدو وكأنها تهدف إلى إعلام الجيش بوجودها. لم يخرج موظف الأمم المتحدة من المركبة ولم يتحرك باتجاه الجنود، لكن نائب قائد الكتيبة قرر إطلاق النار على المركبة، وانضم إليه أحد الجنود، ما أدى إلى قتلهما موظف الأمم المتحدة.

في هذه المرحلة أدرك الجيش أن القوة تم كشفها، وأن الأطراف في غزة والمنظمات الدولية على علم بإطلاق النار الذي حدث، ولكن ليس بخطة الهجوم الأوسع. أمر قائد اللواء القوة بإكمال دفن المركبات والجثث وتحديد موقع الحادثة، لكن القيادة العليا للفرقة وقادة الألوية الذين يستعدون للهجوم أدركوا أن تصرفات نائب قائد الكتيبة وقائد اللواء كانت إشكالية وقد تؤدي إلى تعريض الهجوم والجنود للخطر، والذي كان من المفترض أن يبدأ حوالي الساعة 10:00 صباحاً.

في قيادة الجنوب وفرقة غزة، قُدّر أن سلوك القوة كشف موقعها، ومن أجل الحفاظ على عنصر المفاجأة، تقرر تقديم الهجوم على تل السلطان بساعتين. في الساعة 06:00 صباحاً تلقى السكان إشعاراً بإخلاء المنطقة.

خلال ساعات الصباح، نقلت جهات في الجيش الإسرائيلي إلى منظمات دولية موقع الجثث المدفونة حتى يتمكنوا من استلامها. وعلى الرغم من محاولات العثور على الجثث، لم يتم تحديد موقعها، وطُلب من تلك الجهات مغادرة المنطقة. في اليوم التالي، وصل قائد اللواء 14 إلى موقع الحادثة، أخرج الجثث التي دُفنت باستخدام معدات هندسية، وقام بتغطيتها بالرمل. عندما حاولت فرق الإغاثة الوصول إلى الموقع واستلام الجثث لنقلها إلى غزة، كان الهجوم قد بدأ بالفعل، وبسبب المخاطر التي قد تتعرض لها القوات في الموقع، لم يُعلن الجيش الإسرائيلي عن مكان الجثث إلا بعد خمسة أيام.

المساهمون