"هآرتس": أذربيجان تحاول منع تصادم بين إسرائيل وتركيا في سورية
استمع إلى الملخص
- تسعى إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة بالإبقاء على القواعد الروسية في سورية لموازنة النفوذ التركي، بينما تحاول أذربيجان تهدئة التوترات بين إسرائيل وتركيا، رغم أن محاولات إسرائيل للحفاظ على الوجود الروسي تُعتبر غير واقعية.
- العلاقات بين إسرائيل وتركيا متوترة بسبب دعم تركيا لحركة حماس وتعاونها مع إيران، وتواجه إسرائيل تحديات في فهم الدور التركي في سورية، حيث يُعتبر تأثير تركيا أكبر مما تستطيع إسرائيل تقليصه.
تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، تصعيد خطابها تجاه النظام الجديد في سورية، فضلاً عن تنفيذها عمليات عسكرية، والمضي في زرع الفتن. ولا تريد إسرائيل جيشاً سوريّاً قرب الحدود، فيما تستمر في احتلال أراضٍ سوريّة. وفي المحصلة، تقوم بخطوات معلنة وأخرى في الخفاء، لمنع قيام دولة سوريّة قوية ومتماسكة، وجيش قوي، كما تسعى للحفاظ على إنجازاتها العسكرية وحرية تحليق الطيران العسكري التي عززتها في أجواء سورية ولبنان، ما يمكنها من الوصول إلى وجهات أبعد. يضاف إلى ذلك، محاولتها الحدّ من النفوذ التركي في سورية.
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة هآرتس العبرية، في تقرير نشرته اليوم الأربعاء، إلى أنّ إسرائيل قامت بسلسلة خطوات جعلت مسار التصادم بينها وبين تركيا، التي تدعم سورية، أكثر وضوحاً وواقعية. وبدأت تلك الخطوات بالمطالبة العلنية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بنزع السلاح جنوب دمشق، تلتها غارات أدت إلى سقوط قتلى، وأشعلت احتجاجات ضد إسرائيل في سورية. كما تبعت هذه الخطوات تهديداً من قبل نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس للنظام، بزعم الدفاع عن الأقلية الدرزية.
في الوقت نفسه، أفاد تقرير لوكالة رويترز بمحاولة إسرائيل إقناع الأميركيين بالإبقاء على قواعد روسية في سورية. كما أكدت سلسلة لقاءات أجراها السكرتير العسكري لنتنياهو، رومان غوفمان، في موسكو، وفق ما نشره موقع واينت أخيراً، جهود إسرائيل لتثبيت الوجود الروسي في سورية لموازنة النفوذ التركي. وذكرت صحيفة هآرتس، أنه على خلفية هذه الأحداث، تحاول أذربيجان، التي تحظى بدعم تركي، وفي الوقت نفسه تقيم علاقات وثيقة مع إسرائيل، تقديم رسائل تهدف إلى تهدئة التوتر بين الجانبين وتجنّب المواجهة.
ونقلت "هآرتس" عن مصادر مطّلعة على موقف النظام في أذربيجان، لم تسمّها، أنّ الادّعاء الإسرائيلي للحدّ من النفوذ التركي في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، ليس واقعاً. وكانت الرسائل القادمة من أذربيجان شديدة بشكل خاص، في ما يتعلق بدعم إسرائيل المعلن للأكراد في سورية. كما صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر مرات عدة منذ سقوط نظام الأسد، بأنّ على المجتمع الدولي حماية الأقلية الكردية في سورية.
أما بخصوص التقارير بشأن محاولات إسرائيل الحفاظ على الوجود الروسي في سورية، فقد أكدت أذربيجان أن هذا مسعى غير واقعي. وبحسب من تحدّثت إليهم "هآرتس"، فإن روسيا لن تبقى في سورية، وحتى إذا رغبت في الحفاظ على وجود ما، فستضطر للتفاوض حول ذلك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وليس مع أي جهة أخرى. وفي روسيا، يعترفون بأنّ فرص الحفاظ على القواعد العسكرية في سورية ليست مشجعة.
وقال راسم موسابيكوف، عضو البرلمان الأذربيجاني، المشارك في مجموعة الصداقة بين البرلمان في باكو والكنيست الإسرائيلي، للصحيفة العبرية، إنه "كلما تمكّنا من تقليص سوء الفهم بين حليفتنا الاستراتيجية تركيا وشريكتنا الاستراتيجية إسرائيل، سنسعى للقيام بذلك". ومع ذلك، في ما يتعلق بدعم الأكراد، يبدو أن النبرة القادمة من أذربيجان مختلفة، حيث قال موسابيكوف: "أود أن أذكّر بأنّ إسرائيل ساعدت تركيا في وقتها على اعتقال عبد الله أوجلان"، في إشارة إلى اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني في أواخر التسعينيات. في المقابل، فإن نتنياهو، الذي كان رئيس الوزراء حينها، أنكر بشدة التقارير عن أي مساعدة إسرائيلية في الاعتقال.
وأضاف موسابيكوف: "من المعروف الآن في تركيا أن إسرائيل تقدّم مساعدة نشطة لحزب العمال الكردستاني في حربه الإرهابية ضد الدولة. ولن تغفر تركيا هذا الأمر بدون شك. وإذا كانت إسرائيل ترغب في تطبيع علاقاتها مع تركيا وتجنّب التصادم، فيجب عليها التخلّي عن فكرة إنشاء دولة كردية تشكّل وزناً مضاداً لتركيا وإيران". وأوضح: "هذا لن يحدث. حتى لو كانت الولايات المتحدة تقف وراء المبادرة، فإن إيران وتركيا ستقمعانها".
وكان مساعد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، والمسؤول عن السياسة الخارجية في الحكومة الأذربيجانية حكمت حاجييف، قد قام بزيارتين إلى إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة. والتقى في المرة الأولى، بالتزامن مع سقوط نظام الأسد، بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ووزير الخارجية جدعون ساعر. وفي المرة الثانية، قبل حوالي أسبوعين، اجتمع مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وبعد بضعة أيام توجّه إلى أنقرة حيث التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان.
في غضون ذلك، قال رئيس المعهد الأذربيجاني لدراسات جنوبي القوقاز، فرهاد ممدوف، لـ"هآرتس": "تسعى أذربيجان إلى أن تكون العلاقات بين إسرائيل وتركيا منهجية. من مصلحتنا ألا تكون هناك عداوة بين أقرب حليفين وشريكين لنا". أما بخصوص محاولة الحفاظ على القواعد الروسية في سورية، فأشار ممدوف إلى أنها غير مجدية، قائلاً: "تركيا تحدّ حالياً من الوجود الروسي في سورية، وللحفاظ على أي وجود في شرق حوض المتوسط، يجب على موسكو التفاوض مع أنقرة".
من جانبه، لفت نائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو معهد أبحاث مقرب من السلطة في موسكو، ميخائيل مارجيلوف، للصحيفة العبرية، إلى أن القواعد الروسية في سورية "لن تصمد طويلاً، وبالتأكيد ليس إلى الأبد". من ناحية أخرى، ترى أذربيجان، وفقاً للصحيفة، أن "السيطرة التركية في سورية، التي تضمن الوحدة والاستقرار في البلاد، هي في النهاية مصلحة إسرائيلية، وذلك بخلاف تعزيز النزعات الانفصالية واستمرار الحرب الأهلية، التي تدعمها السياسة الإسرائيلية المعلنة".
ومع ذلك، لا تثق إسرائيل بتركيا أو بالنظام الجديد في سورية. وفي ما يخص أنقرة، زعم ساعر، الشهر الماضي، في بيان صحافي، أنّ تركيا تتعاون مع إيران في محاولاتها لتهريب الأموال لإعادة بناء حزب الله اللبناني. وتعتبر تل أبيب أنّ التقارير الأخيرة عن اعتقال مسافرٍ وصل من تركيا إلى بيروت يحمل 2.5 مليون دولار لصالح حزب الله تأكيد لهذا الادعاء.
وبالإضافة إلى ذلك، تنتقد إسرائيل بشدة دعم أردوغان العلني لحركة حماس، ولا ترى فيه عاملاً يمكن أن يساهم في الاعتدال أو التوازن في المنطقة. وفي ما يتعلق بالنظام السوري الجديد، صرّح مسؤول إسرائيلي للصحيفة نفسها، بأنّ "هؤلاء جماعات جهادية ذات أيديولوجية متطرّفة. أفعالهم متطرفة، وماضيهم مظلم، وحاضرهم مظلم. انظروا إلى ما يفعلونه بالأكراد. الآن يدّعون أنهم يرتدون بدلة رسمية؟ هناك حدود للسذاجة".
إلى ذلك، رأت تسميرت ليفي-دافني، وهي محاضرة في المركز الأكاديمي شاليم ومتخصصة في الشؤون التركية، أنّ "الفهم الإسرائيلي لتركيا يعاني من نقص. إسرائيل تتصرف في ما يتعلق بسورية من منطلق هستيريا وذعر، وليس من خلال محاولة لفهم الصورة العامة". وأضافت أنّ "تأثير تركيا في سورية أكبر من أن تستطيع إسرائيل اتخاذ خطوات كبيرة لتقليصه. وفي الوقت نفسه، فإن المخاوف من النزعات الإمبريالية لتركيا مبالغ فيها".
وأشارت ليفي-دافني إلى أن "النظرة الإسرائيلية لتركيا تتأثر بموقفها (أي تركيا) غير المتساهل (مع إسرائيل) تحت قيادة أردوغان تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني"، لكنها تذكّر بما يجمع بين موقف الحكومة التركية الحالية وسابقاتها، وهو الاعتراف بإسرائيل، مع دعم إقامة دولة فلسطينية.