نيكلاس سوانستروم: بوتين أساء التقدير في غزوه أوكرانيا

نيكلاس سوانستروم لـ"العربي الجديد": بوتين أساء التقدير في غزوه لأوكرانيا والصين لن تمضي في خططها

19 مايو 2022
مدير معهد الأمن وسياسة التنمية في استوكهولم نيكلاس سوانستروم (فيسبوك)
+ الخط -

لم تهدأ ردود الفعل الدولية على نية السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بعد ثلاثة أشهر على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. وفيما شهد الرأي العام في كلا البلدين تحوّلاً كبيراً في الموقف من الانضمام، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تلك الخطوة تمثّل تهديداً، وتوعّد بالرد، فيما أعلن الجانب التركي نيّته عرقلة هذه الخطوة، متسلّحاً بمجموعة من الشروط. والتقى "العربي الجديد" مدير معهد الأمن وسياسة التنمية في استوكهولم، نيكلاس سوانستروم، ووجهت إليه الأسئلة الآتية: 

-          لو جرى الحديث قبل عام عن أن السويد قد تطلب الانضمام إلى الناتو، هل كنت سترى إمكانية لذلك؟

في الواقع، كنت من أشدّ المؤيدين لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن رأيي هذا ينتمي إلى الأقلية، حتى وإن طرأت تغييرات سريعة على الرأي العام السويدي. لكن يبقى أن قلّة فقط توقّعت حدوث هذا الأمر. 

-          عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو كان أحد أسباب الغزو الروسي، لكن السويد وفنلندا طلبتا الانضمام. هل أخطأ بوتين في الحسابات؟ 

أعتقد أن هذا السبب كان رئيسياً في سوء التقدير من جانب بوتين. لقد أساء فهم كيفية حدوث الغزو وما سيؤدي إليه. وأعتقد أن الكثير منا أيضاً كغربيين، أساء فهم مدى اقترابنا من اللحظة التي سنقف فيها إلى جانب أوكرانيا ومدى أهمية هذا البلد، وكيف أننا سننجح في الدفاع عنه، ليس فقط عسكرياً وعبر إرسال الجنود، بل أيضاً بكل الوسائل الأخرى. هنا أخطأ بوتين وأساء التقدير. ولا أعتقد أنه كان يتوقّع على الإطلاق أن الغزو سيدفع كلاً من فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو. فمن من وجهة نظره، ومن أسلوبه في التفكير، سيظنّ أن من شأن عدوانية روسيا أن تُبعد الدولتين عن الناتو خوفاً مما قد يُقدم عليه. لذا نعم، لقد أخطأ في تقديره للتبعات، مع أن حسن التقدير ليس أمراً صعباً في هذه الحالة تحديداً. في الواقع، الغزو الروسي لأوكرانيا هو من دفع الرأي العام السويدي إلى هذا التحوّل الكبير. لولا عدوانية بوتين، لما شهدنا هذا التحول الكبير. 

-          كيف تتوقّع ردّ بوتين؟ هل سيفتعل حرباً كما يرى البعض ويضمّ مولدوفا إلى الفلك الروسي؟

ليس ثمة مستحيل. بالطبع، مولدوفا واحد من المواقع الضعيفة، وأعتقد أن بوتين يتحرّك باتّجاهها. لن يهاجم السويد أو فنلندا نهائياً، لأنه قبل كل شيء مشغول حالياً وغارق في أوكرانيا. لذلك، أنا لست قلقاً على سلامة البلدين بهذا المعنى، لكن من المؤكد أن مولدوفا واحد من تلك المواقع اللينة التي سيتخيّل بوتين أنه قادر على ضمّها. وفي ظل الوضع الحالي حيث أوكرانيا تقاوم روسيا، نرى بشكل واضح المشاكل التي يواجهها بوتين في تعبئة الرأي العام الروسي. فهل سيرغب في صراع إضافي من شأنه أن يزيد زعزعة الاستقرار؟ والسؤال هنا، ما الذي ستفعله الصين؟ هل ستدعم عدوانية روسيا المتصاعدة في مولدوفا؟ أعتقد أنه سيكون من الصعب على الصين قبول ذلك. لذا، قطعاً إنه أحد السيناريوهات التي يمكننا النظر إليها، لكنه سيكون المسمار الأخير في نعش بوتين إذا ما توسع أكثر. وهذا لا يلغي مخاوفنا بكل تأكيد.   

-          بما أنك ذكرت الصين، هناك من يعتقد أن بكين تراقب حالياً ما يحدث في أوكرانيا عقب الغزو الروسي، لاستقاء الدروس حول علاقتها بتايوان، هل توافق؟ 

أعتقد أساساً أنه قبل غزو أوكرانيا، كانت هذه ستكون حالة مثيرة للاهتمام بالنسبة إلى الصين. فمع انشغال الغرب بالحالة الأوكرانية، تذهب حسابات بكين باتجاه أننا لن نولي كبير اهتمام بتايوان. الدروس المستفادة من الصراع في أوكرانيا تفيد بأن حقيقة أنك الأقوى والأكبر لا تسهّل على الإطلاق قدرتك على استهداف الآخر. لذلك، حتى بالنسبة إلى الصين، لا يبدو الانخراط العسكري في تايوان كما كان عليه في السابق. لا بدّ أنهم تعلّموا أولاً وقبل أي شيء أن التايوانيين كشعب، مثلهم مثل الشعب الأوكراني، لن يستسلموا بهذه السهولة. كذلك فإن التجربة الأوكرانية قدّمت دروساً عسكرية. ربما لن تحتاج إلى أحدث الطائرات لمحاربة الصين، لكنك بحاجة إلى أحدث الطائرات بدون طيار وإلى معدّات عالية التقنية، صحيح لكن ليس إلى طائرة مقاتلة. لذلك، أعتقد أن الصينيين أدركوا أن غزو تايوان بات أكثر صعوبة مما مضى، وأن مجرّد عملية عسكرية صغيرة لم تعد ممكنة. لذا نعم، أعتقد أن الغزو الروسي لأوكرانيا قدّم بعض الدروس المهمّة التي ستدفع الصين مثلاً لإجراء مراجعة لخططها المستقبلية. ويبقى أن هذه الدروس كانت على ما أعتقد أصعب بكثير مما كانت تتوقّع بكين، وهو أمر جيد. وأعتقد أنه في حالة تايوان، من المرجح أن تشارك الولايات المتحدة عسكرياً إلى جانب تايوان. 

-          واضح أن الولايات المتحدة لا تزال القوة العسكرية التي يعتمد عليها الأوروبيون. هل انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو سيعزّز القوة الأوروبية بمعزل عن أميركا؟

أعتقد أن الولايات المتحدة، كما أشرت، هي العمود الفقري لحلف شمال الأطلسي وللقدرات العسكرية الغربية. لكنني أعتقد أن العدوان الروسي على أوكرانيا جعلنا ندرك أن أوروبا بأمسّ الحاجة إلى النهوض كفاعل أيضاً. فالولايات المتحدة لن تأتي لمساعدتنا في كل مناسبة وفي أي لحظة. لذا، أعتقد أن ما سنراه في الفترة المقبلة، زيادة الإنفاق العسكري والتعاون الأوروبي بما يعزّز الناتو، إلا أن هذا طريق طويل جداً، وبالتالي سيستمرّ الاعتماد على الولايات المتحدة لفترة أطول. وإن كان من الواقعي أن نرى الأوروبيين يفكّرون أكثر فأكثر في مسألة الدفاع الذاتي، هذا لا يعني أننا قريبون من تحقيق ذلك. للأسف، لا أرى أوروبا قادرة على إدارة أمنها بشكل مستقلّ في وقت قريب. 

-          تركيا وجّهت للسويد وفنلندا مجموعة من المطالب الاشتراطية لتوافق على انضمامهما، كيف ستتعاطى السويد مع هذه المطالب؟

هذا سؤال صعب. قد تكون هناك بعض المفاوضات، لكن الجانب التركي يجد الوضع الحالي خطيراً للغاية في ظلّ العقوبات العسكرية والاقتصادية المفروضة عليه، ونظراً للتساهل في تعاطي الجانب السويدي مع الأقلية الكردية هنا. ولذا أعتقد أنها ستكون مهمة صعبة بالنسبة إلى الحكومة الحالية، وخاصة بعد أن قدّمت تنازلات للوصول إلى السلطة التي تمتلكها حالياً. يتعين علينا التراجع قليلاً في بعض القضايا ربما، كرفع العقوبات عن تركيا وإلغاء حظر تصدير الأسلحة إليها، إلى جانب اتّخاذ موقف أكثر صرامة تجاه بعض الأكراد، لكنني لا أرى إمكانية تسليم الأكراد للحكومة التركية. ستكون لدينا انتخابات قادمة في سبتمبر/أيلول، واتخاذ خطوات بعيدة إلى هذا الحد سيكون صعباً للغاية بالنسبة إلى الحكومة السويدية في هذا الوقت. لكن ثمة تنازلات يجب على الجانب السويدي تقديمها، والأتراك يعرفون ذلك، لذلك نرى خطابهم شديد الصرامة. لكنني آمل وأعتقد أننا سنتمكّن من الوصول إلى نوع من الاتفاق دون مساومة. 

-          الحزب الحاكم في السويد وافق على هذه الخطوة، وحزب المعارضة كان مرحّباً بالأصل بالانضمام إلى الناتو. كيف سينعكس هذا الأمر على الانتخابات القادمة في سبتمبر؟

أعتقد أنه لا يؤثر كثيراً في الواقع. فلو قاوم الاشتراكيون الديمقراطيون في الحكومة الحالية هذه الخطوة، لطرح ذلك مشكلة انتخابية. ومع وجود أغلبية تدعم الانضمام إلى الناتو لدى الرأي العام السويدي، سيكون من الخطأ مقاومة هذه الخطوة. ولكن لو غيّر الآن أحد الاشتراكيين الديمقراطيين رأيه لأسباب وجيهة، فلن يكون الأمر بهذا السوء. ما زال هناك عدد قليل ربما من اليساريين والشيوعيين السابقين والخضر، يعارض الانضمام إلى الناتو، وقد يكون لذلك بعض التأثيرات السلبية أو الإيجابية، لكنني أعتقد أن الاشتراكيين الديمقراطيين يلعبون هذه اللعبة بإتقان عبر تقليلهم من تأثير ذلك في الانتخابات القادمة، كما يبدو حتى الآن، ما قد يدفع الأتراك أنفسهم إلى تحويل هذا الأمر إلى مشكلة وقضية خلال الانتخابات القادمة. فلو تنازلت الحكومة الحالية عن قيمها الأساسية، فسيؤدّي ذلك إلى وضع أسوأ. من جهتها، لن تكون المعارضة مهتمة بتغيير الوضع الراهن، لأن الانضمام إلى الناتو أهم بالنسبة إليهم من تحقيق انتصار صغير في الانتخابات المحلية. لذلك، أعتقد وأتمنى أن الانتخابات القادمة لن تطرح مشكلة هائلة. 

-          هل هذا يطرح السؤال أيضاً عن علاقة القرارات الكبرى بالوضع الداخلي كما هو الحال في بريطانيا مثلاً؟

نعم، سيغيّر هذا موقف السويد على الساحة الدولية، حتى وإن كان التغيّر سطحياً وبسيطاً. سنصبح جزءاً من الناتو. وبرغم معارضة البعض، إلا أن الأغلبية في السويد تدعم هذه الخطوة. ولنكن واضحين، لطالما كانت السويد جزءاً من الناتو، وكنّا من أفضل الأعضاء الذين لا يحملون العضوية. والتكامل بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والسويد بدأ منذ وقت طويل. لذلك، لا أرى بالضرورة أن من شأن ذلك إثارة مشكلة كبيرة داخلياً. ويبقى السؤال عن كم ستستغرق عملية الانضمام، وإن امتدّت وطالت، فإننا قد نواجه بعض المشاكل.