نواف سلام رئيس مكلّف للحكومة اللبنانية… قانونيٌ لإدارة مرحلة صعبة

13 يناير 2025
رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام خلال جلسة استماع بالمحكمة، 1 مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تم تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية بعد دعم التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، مما أدى إلى بلبلة سياسية وتأجيل طلب كتلتي حزب الله والتنمية والتحرير لموعدهما، وهو ما رفضه الرئيس عون.

- يُعتبر نواف سلام مرشحًا "تكنوقراط" مستقلًا، ملتزمًا بإصلاحات مالية وسياسية لمواجهة الفساد والمحاصصة، مع التركيز على تعزيز استقلالية القضاء وحصر استخدام السلاح في الأجهزة الأمنية الرسمية.

- وُلد نواف سلام في بيروت لعائلة سياسية، وشغل مناصب دولية بارزة. يواجه تحدي تشكيل الحكومة وسط الخلافات السياسية والطائفية، مع التركيز على الحقائب السيادية وتطبيق الإصلاحات المالية والاجتماعية.

يشغل نواف سلام منصب رئيس محكمة العدل الدولية

برز اسم سلام مرشحاً إبان انتفاضة 2019 وعقب انفجار مرفأ بيروت

يتقارب مشروع نواف سلام الإصلاحي مع مشروع الرئيس عون ببناء الدولة

انتهت الاستشارات النيابية الملزمة في لبنان بتكليف رئيس محكمة العدل الدولية القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون بعد مفاجآت كبرى سُجلت خلال اليوم الطويل، أدت إلى قلب المعادلة برمتها بعدما كانت حظوظ الرئيس نجيب ميقاتي، المرشح الأساسي لحزب الله وحركة أمل، متقدّمة حتى ساعات الصباح. 

وارتفعت حظوظ سلام الذي يتولى للمرة الأولى منصب رئاسة الحكومة مع انسحاب المرشحَيْن لرئاسة الحكومة النائبين إبراهيم منيمنة وفؤاد مخزومي، وتوحيد أصوات قوى المعارضة وفيها حزبا "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، و"الكتائب اللبنانية" برئاسة النائب سامي الجميل، والتغيير وبعض المستقلين لتصبّ في مصلحة مرشح واحد يخوض التنافس بوجه ميقاتي بيد أن التطور الحاسم تمثل في فترة بعد الظهر مع إعلان التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط تسمية سلام، وهما كانا يعدّان بمثابة بيضة القبّان في الاستحقاق.

وأسفرت هذه التطورات عن خلق بلبلة سياسية خلال انعقاد الاستشارات خصوصاً بعدما سرّبت أوساط في "التيار" و"الاشتراكي" تصويت الحزبين لمصلحة سلام الأمر الذي تلاه "طلب كتلتي حزب الله والتنمية والتحرير برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري تأجيل موعدهما ليوم غدٍ الثلاثاء" وهو ما أكدته قناة المنار التابعة لحزب الله، وذلك لمزيد من التشاور في ظل التحول الكبير في الأصوات ضد مرشحهما ميقاتي، بيد أنّ الرئيس عون رفض التأجيل، الأمر الذي كان من شأنه أن يشكل سابقة في إطار الاستشارات.

ويُعتبر نواف سلام من الأسماء التي تحظى بتأييد شعبي واسع نظراً لمواقفه الوطنية محلياً ودولياً، والأدوار التي لعبها في لبنان والمنطقة، إلى جانب كونه من الشخصيات التي تلبي طموحات الشارع اللبناني الذي يأمل أن يستكمل التغيير الذي بدأ مع انتخاب عون رئيساً بوجود رئيس حكومة جديد من خارج المنظومة التقليدية يعملان معاً على مشروع إصلاحي إنقاذي خصوصاً في ظل التقارب في عناوينهما لبناء الدولة.

وبرز اسم نواف سلام الذي يتمتع بعلاقات جيدة عربياً ودولياً، باعتباره مرشحاً "تكنوقراط" للحكومة إبان الانتفاضة اللبنانية الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وبعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، بحيث تداولت بعض القوى المعارضة لحزب الله اسمه بوصفه شخصية مستقلة، إصلاحية، سيادية، تتمسّك بحصر حق استخدام السلاح في الأجهزة العسكرية والأمنية المسؤولة وحدها عن حماية الأراضي اللبنانية، وعلى أساس ذلك رشحته عام 2022، بيد أنه لم يتمكن من حصد الأصوات الكافية لفوزه، إذ حاز في الاستشارات على 25 صوتاً مقابل نيل الرئيس نجيب ميقاتي 54 صوتاً، مع الإشارة إلى أن تكتلي التيار والقوات حينها اختارا عدم التسمية.

وأكد نواف سلام بعد إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي في يونيو/حزيران 2022، أن همّه الوحيد إنقاذ لبنان من محنته ورفع المعاناة والظلم عن الشعب اللبناني، الأمر الذي يتطلب بحسب تعبيره التغيير في مقاربة الأزمة نهجاً وممارسة، بدءاً بالإصلاح العاجل والجاد على مستوى السياسات المالية، مشدداً على أنّ ذلك لن يستقيم دون الشروع أيضاً بالإصلاح السياسي الذي يبقى عنوانه الأول التصدي لعقلية الزبائنية وثقافة المحاصصة التي تحمي الفساد وتسبب الهدر وتستنزف موارد البلاد وطاقاته البشرية، وفي مقدمة هذا الإصلاح تحقيق استقلالية فعلية للقضاء وتحصين مؤسسات الدولة ضد آفات الطائفية والمحسوبية.

وشدد سلام أيضاً على أن الإصلاح في السياسات المالية يبقى قاصراً إن لم يرتبط بسياسات وإجراءات واضحة لإطلاق عجلة النمو الاقتصادي، كما أنه لا معنى لأي من هذه الإصلاحات أن لم تكن مرتكزة على أهداف ومبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية وصيانة الحقوق والحريات العامة والخاصة. وأكد أنه سيبقى ملتزماً قضية التغيير من أجل إصلاح الدولة وبسط سيادتها على كامل أراضيها واستعادة لبنان موقعه ودوره العربي وثقة العالم به.

كذلك، قال سلام عند انتخابه رئيساً لمحكمة العدل الدولية في فبراير/شباط 2024، إنها "مسؤولية كبرى في تحقيق العدالة الدولية واعلاء القانون الدولي. وأول ما يحضر إلى ذهني أيضاً في هذه اللحظة هو همي الدائم أن تعود مدينتي بيروت، أمّاً للشرائع كما هو لقبها، وأن ننجح كلبنانيين في إقامة دولة القانون في بلادنا وأن يسود العدل بين أبنائه".

وبرزت مواقف دولية لافتة لسلام على رأس المحكمة الدولية التي تعتبر أن استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني. وقال سلام في يوليو/تموز 2024، إن المحكمة اعتبرت أن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وفشل إسرائيل في منعه أو معاقبة مرتكبيه بشكل فعال، واستخدامها المفرط للقوة ضد الفلسطينيين، يسهم في خلق بيئة قسرية ضدهم. وأضاف: "تؤكد المحكمة، أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والنظام المرتبط بها، قد أقيمت ويجري الإبقاء عليها في انتهاك للقانون الدولي".

أبرز المحطات في حياة نواف سلام

وُلد نواف سلام في 15 ديسمبر/كانون الأول 1953 في بيروت، وهو من عائلة سياسية عريقة في لبنان، فوالده عبد الله سلام أحد مؤسسي شركة طيران الشرق الأوسط، وعمّه صائب سلام، وهو من أهم رجالات الدولة قبل الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990). سلام الذي عمل في العديد من المؤسسات والهيئات المحلية والدولية، شغل منصب سفير وممثل دائم للبنان لدى الأمم المتحدة عشر سنوات، ومثّل بلاده في مجلس الأمن إثر انتخابه عضواً غير دائم فيه لعامي 2010 و2011، انتخب عام 2018 قاضياً في محكمة العدل الدولية، قبل أن ينتخب في فبراير/شباط 2024 رئيساً لهذه المحكمة.

كذلك عمل سلام محامياً في مكتب تكلا للمحاماة، ومحاضراً في العديد من الجامعات والمعاهد في الخارج خصوصاً أميركا، وفي جامعات عربية، ودرّس القانون الدولي في الجامعة الأميركية في بيروت. كما انتخب عضواً في المكتب التنفيذي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان بين 1999 و2002، وعينه مجلس الوزراء اللبناني عام 2005 عضواً ومقرراً في الهيئة الوطنية لإصلاح قانون الانتخابات.

وينتظر سلام التحدي الأكبر الذي يتمثل في إجراء الاستشارات النيابية غير الملزمة لتأليف الحكومة خصوصاً أن هذا الاستحقاق دائماً ما يطول تحقيقه في ظل الخلافات السياسية والطائفية على المقاعد والحصص الوزارية سيما منها المرتبطة بالحقائب السيادية الأساسية على رأسها وزارات المال، والطاقة والدفاع والخارجية والداخلية، والتي تتمسك بها المنظومة الحاكمة، حتى أن المعركة على وزارة المال بدأت قبل انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف سلام، وسط ما حكي عن أنها تدخل في إطار التسوية السياسية لضمان بقائها في يد حركة أمل برئاسة نبيه بري.

وتنتظر الحكومة الجديدة في حال تشكيلها من دون عراقيل العديد من التحديات سواء سياسياً وأمنياً أو اقتصادياً بالدرجة الأولى خصوصاً على صعيد تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية والملفات ذات الصلة، إعادة الإعمار من جراء العدوان الإسرائيلي، إلى جانب الملفات المالية والمعيشية والاجتماعية والدور الإصلاحي الواجب أن تقوم به على صعيد مؤسسات وقطاعات الدولة التي ينهشها الفساد والمحاصصة.

المساهمون