نواف سلام أمام التحدّي الأكبر: تأليف حكومة لبنان بوجه العراقيل

14 يناير 2025
لبنانيون يحتفلون بتكليف نواف سلام تشكيل الحكومة، 13 يناير 2025 (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تكليف نواف سلام: تم تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، مع التركيز على الإصلاحات السياسية والاقتصادية والقضائية، بدعم شعبي منذ انتفاضة 2019.

- التحديات السياسية: يواجه سلام تحديات كبيرة في تشكيل الحكومة بسبب العقبات السياسية والميثاقية، خاصة من حزب الله، مما يعكس تجارب سابقة مثل تجربة مصطفى أديب.

- فرصة للإصلاح: يُعتبر تكليف سلام فرصة لإجراء إصلاحات مدعومة دوليًا، حيث يُنظر إليه كشخصية تكنوقراط كفؤة ونزيهة، مع التركيز على المداورة في توزيع الحقائب الوزارية.

استكمل لبنان، أمس الاثنين، مسار وضع اللبنات الأساسية لبناء دولة المؤسسات، وتحقيق الإصلاح المنشود، بتكليف أكثرية النواب رئيس محكمة العدل الدولية القاضي نواف سلام تشكيل حكومة عهد الرئيس جوزاف عون الأولى، المعوَّل عليها شعبياً لنقل البلاد إلى فصل جديد، قوامه الإصلاحات السياسية والاقتصادية والقضائية.

ويترقب الشارع اللبناني الذي احتفل أمس بتكليف شخصية حازت دعماً كبيراً من قبله إبّان انتفاضة 2019 الشعبية، التحدّي الأصعب الذي سيخوضه الرجل الدبلوماسي القضائي، نواف سلام، ويتمثل بالقدرة على تشكيل حكومة في ظلّ عقبات كثيرة تواجه المسار، والعراقيل التي استبقت إعلان "فوزه"، وعبّر عنها رئيس كتلة حزب الله البرلمانية النائب محمد رعد، بحديثه عن الميثاقية، وإلغاء المكوّن الشيعي وإقصائه، عدا عن تلويح محوره بسناريوهات الأزمة والتوترات الأمنية والانقسامات.

وتعزز الخشية من محاولات عرقلة مهمة سلام التجارب السابقة في طول أمد تأليف الحكومات، إلى جانب تجربة الدبلوماسي مصطفى أديب الذي كُلّف تشكيل الحكومة في 31 أغسطس/ آب 2020 عقب انفجار مرفأ بيروت، وبدعم دولي، انطلاقاً من مبادرة فرنسية لتشكيل حكومة من الاختصاصيين، تقوم بالإصلاحات المطلوبة دولياً، بيد أنه اعتذر بعد أسابيع قليلة، في ظلّ إصرار الثنائي حركة أمل وحزب الله على الاحتفاظ بوزارة المالية، وهي اليوم أيضاً واحدة من الحقائب التي لا يزال يتمسّك بها الفريق نفسه.

ومن أولى الخطوات التي على نواف سلام أن يجريها بعد وصوله إلى لبنان، إجراء استشارات غير ملزمة مع الكتل البرلمانية، من أجل بلورة توجهاتها حول تشكيل الحكومة، على أن يضع بعدها مسودة التشكيلة الوزارية التي يُفترض بها، عملاً بالتجربة التقليدية، أن تراعي التوازنات السياسية، والتوزيع الطائفي والمذهبي، علماً أنّ الرئيس المكلَّف يُعرف بأنه من الشخصيات التكنوقراط المتمسّك بمبدأ الاختصاص والكفاءة والنزاهة، ما يشكل بحد ذاته تحدياً أمامه في اختيار الأسماء التي تلقى التوافق السياسي والقبول الشعبي، على أن يبقي خلال هذا المسار، قنوات المشاورات مفتوحة مع الرئيس جوزاف عون.

وفي الإطار، يقول مصدرٌ في قصر بعبدا الجمهوري لـ"العربي الجديد"، إنّ "الرئيس عون قام بالاستشارات النيابية الملزمة أمس الاثنين، وحرص على إتمامها في اليوم نفسه، ويأمل الآن في أن يتم التأليف بأسرع وقت ممكن، لما في ذلك من أهمية لانطلاقة عهده، وبدء مسار تطبيق التعهدات التي تتطلب حكومة بصلاحيات كاملة ومجلس نواب متعاون".

ويشير المصدر إلى أن "المرحلة التي تمر بها البلاد اليوم دقيقة، وتتطلب من جميع القوى السياسية العمل سوياً، ووضع جميع الخلافات جانباً، لمصلحة لبنان والشعب اللبناني"، لافتاً إلى أن "الرئيس عون يتطلع إلى العمل مع رئيس الوزراء المكلّف نواف سلام، خصوصاً أنه يحمل التوجهات نفسها والرؤية ذاتها في كيفية بناء دولة القانون والمؤسسات".

من جهته، يكتفي مصدر نيابي في "حزب الله" بالقول لـ"العربي الجديد"، "نحن قلنا كلمتنا أمس بعد الاستشارات، ولم نسمِّ أحداً لرئاسة الحكومة، وسلام لم يأتِ بأصوات المكوّن الشيعي، بعد محاولات وجهود لمحاولة إقصائنا وإلغائنا، وعلى الحكومة أن تراعي الميثاقية وسنترقب مسار المشاورات في المرحلة المقبلة".

الغول: الميثاقية شمّاعة لأغراض سياسية

في الإطار، يقول الأستاذ في التاريخ السياسي والعلاقات الدولية زكريا الغول، لـ"العربي الجديد"، إنه "ما قبل خروج النظام السوري من لبنان عام 2005، كان هناك ضابط إيقاع يشكل الحكومات في يوم واحد، فهو كان يعيّن الوزراء، ويقسّم العدد، ويوزع الحقائب الوزارية على القوى السياسية الموجودة، لكن بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، بدأت معضلة تأليف الحكومات التي في غالب الأوقات كان زمن تأليفها أطول من ولايتها، وذلك في ظل غياب ضابط الإيقاع، وإرساء منطق المحاصصة بشكل أكبر".

ويرى الغول أن "موقف كتلة الوفاء للمقاومة (كتلة حزب الله) فجّ، ويعبّر عن أن هناك قوى سياسية وتحديداً حزب الله، لا تزال يعيش فترة ما قبل الأحداث الأخيرة والتغيرات الكبرى في الشرق الأوسط"، ويذكّر بأنه "عند اختيار حسان دياب لرئاسة الحكومة، كانت هناك معارضة سنية شاملة، ومع ذلك سلك التكليف والتأليف مسارهما، ومارس دياب مهامه بأسوأ حكومة في تاريخ البلاد، علماً أن الموضوع كان أخطر، باعتبار أن دياب كان يمثل طائفة كانت بأكملها سياسياً وشعبياً وبرموزها الدينية غير موافقة على توليه الرئاسة، فوُضعت وقتها الميثاقية جانباً".

تبعاً لذلك، يقول الغول إن "الميثاقية هي شمّاعة تُستخدم لأغراض سياسية ليس إلّا، وتصبح مثل الأرنب، نخرجه عندما لا يعجبنا الشخص في موقع السلطة، أو لأننا نحنّ لأيام ولّت، ومع ذلك، فإنّه بالنظر إلى حصول نواف سلام على 84 صوتاً من أصل 128، نرى أنه حظي بحوالي 90 في المائة من النواب السنة، الطائفة المعنية الأساس بالموقع، و100 في المائة من أصوات الدروز، وحوالي 90 في المائة من أصوات المسيحيين، ما يعني أن هناك شبه إجماع على شخص الرئيس المكلف، مع مفارقة أن الطائفة الشيعية هي التي لم تسمِّ، وطبعاً هناك غايات لذلك، وللأسف هذا المحور يحاول التشبث بمخالبه الضعيفة ليحافظ على مكاسبه".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويضيف الغول "للأسف سيواجَه مسار التأليف بعقبات، مع محاولة منع نواف سلام من تشكيل الحكومة التي ستستمر ولايتها حتى مايو/ أيار عام 2026، تاريخ إجراء الانتخابات النيابية، وطبعاً هناك خشية من إعادة ما حصل إبان تكليف مصطفى أديب تشكيل الحكومة، الذي اعتذر وكُلّف بعده نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، لكن مع مفارقة أننا اليوم أمام دعم دولي كبير للبنان الذي هو تحت المجهر العربي والدولي، وفرصة لعودة البلاد إلى الحضن العربي".

في المقابل، يشير الغول إلى أن "سلام يستند على رئيس الجمهورية، ولا أعتقد أن عون سيسمح بعرقلة عهده منذ البداية، وبحسب ما سُرب، فإنه والرئيس المكلف لا نية لديهما بحصص وزارية، لكن تبقى الأنظار على مسودة التشكيلة الوزارية، وطبعاً على وزارة المالية (كانت من حصة الطائفة الشيعية في السنوات الماضية) التي يجب أن لا نعتبرها عرفاً دائماً، فلا حقيبة لطائفة معينة، والأمر غير دستوري بالكامل، والأساس المداورة، وهو ما تحدث عنه الرئيس عون".

ويشدد الغول على أنّ "هناك حقائب أساسية معروف أنه متفق عليها تبعاً للتوزيع الطائفي، وتكون معنية بطوائف معينة وهذا الأمر قد يصعب الخروج منه، رغم أن المداورة أساس لحسن العمل وإنتاجيته، لكن ربما يكون هناك اجتراح حل لأجل ذلك، بأن تكون الحقيبة مع شخص قريب من حركة أمل وحزب الله".

مراد: نواف سلام قادر على تشكيل الحكومة

من جهته، يقول الناشط والحقوقي علي مراد لـ"العربي الجديد"، إنّ "تكليف سلام يفتح الأفق اليوم نحو تغيير جديد يعطي دفعة لخطاب القسم الذي ألقاه الرئيس جوزاف عون، باعتباره رجلاً إصلاحياً له وزن دولي"، معتبراً "أننا كنا أمس أمام لحظة فارقة في تاريخ التسميات في لبنان، بحيث لم يكن يُعرف من سيتولى رئاسة الحكومة، فهذا درس للديمقراطية، وإعادة اعتبار للنظام البرلماني".

ويرى مراد أن "سلام يمكن أن يؤلف حكومة تعبّر عن النهج الجديد في البلد لضمان سلامته وأمنه، وبدء إصلاحات أُخّرت وتأخرت، ولا أعتقد أن الواقع الداخلي يحتمل أي مجال من التعطيل والتأخير، لذلك أرى أن عون وسلام سينجحان بتشكيل حكومة، مستفيدين من الارتياح الشعبي العام، والمزاج الذي اختلف بفترة أسبوع، من الفراغ القاتل إلى إعادة ملء الشغور في المؤسسات"، مشيراً إلى أن لا مخاوف من تكرار تجربة أديب باعتبار أنه أتى بتسوية خارجية فُرضت على لبنان في ظروف معينة.

كذلك، يرى مراد أن نواف سلام، بما يملك من كفاءات وخبرة وحضور سياسي داخلي وخارجي، ومشروعية، قادر على تشكيل فريق عمل مع رئيس الجمهورية، لوضع خطاب القسم بكل عناوينه موضع التنفيذ، فلبنان بحاجة إلى ورشة إصلاحية تبدأ اليوم قبل الغد، وإذا كانت أطراف سياسية ترى أن ما جرى لا يريحها، فعليها أن تتعاطى بيد ممدودة، فعون وسلام يدهما ممدودة، وسنذهب باتجاه فرصة تاريخية لم تكن متاحة للبنان في العقود الأخيرة".

المساهمون