نقل 11 قاضية للعمل بالنيابة العامة المصرية: التفاف على المساواة

نقل 11 قاضية للعمل بالنيابة العامة المصرية: التفاف على المساواة الكاملة

25 اغسطس 2021
اكتفى مجلس الدولة بالحديث عن "الاستعانة" بالنساء (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت النيابة العامة المصرية، يوم الأحد الماضي، نقل 11 قاضية من العمل في محاكم الجنح إلى النيابة، كأولى النساء المصريات اللواتي سيعملن في هذه الجهة في تاريخها. ويفرغ هذا الإجراء القرار السابق إصداره في مارس/ آذار الماضي من قبل المجلس الأعلى للهيئات القضائية برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من مضمونه، والذي كان ينصّ على بدء عمل النساء في النيابة العامة ومجلس الدولة (القضاء العادي والإداري)، ابتداء من الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بداية العام القضائي الجديد. وجاء تصرف النيابة تأكيداً لما نشرته "العربي الجديد" في منتصف مارس الماضي، والذي يفيد بأن تنفيذ القرار سيقتصر على تعيين بعض النساء كإجراء رمزي، تحت ستار التجربة والتعود واستكشاف إيجابيات وسلبيات العمل، الأمر الذي سيتم أيضاً في مجلس الدولة. وكان هذا المجلس قد فتح منذ خمسة أشهر باب التعيين في درجتين وظيفيتين في تسلسله القضائي للإناث، مقتصراً على التنفيذ الحرفي والضيّق لتعليمات السيسي، بالاكتفاء بـ"الاستعانة" بالنساء، دون إتاحة تعيينهن من أول سلّم الوظيفة.

يُلزم النص الدستوري جميع السلطات بضمان المساواة بين الذكور والإناث في الوظائف الإدارية والقضائية كافة

ويلتف تصرف الهيئتين القضائيتين الكبريين في مصر على النصّ الدستوري الصريح الذي يُلزم جميع السلطات بضمان المساواة بين الذكور والإناث في الوظائف الإدارية والقضائية كافة. فلم تسمح النيابة ومجلس القضاء الأعلى، ولا مجلس الدولة، للمتخرجات حديثاً من كلّيات الحقوق والشريعة والقانون بالتقدم لشغل الوظيفة القضائية، شأن زملائهن الذكور من دفعة 2020 الذين يقدمون حالياً أوراقهم. بل اقتصر التقديم فقط على العضوات السابق تعيينهن منذ سنوات في الهيئتين القضائيتين الأقل أهمية في مصر، وهما النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، الراغبات في الالتحاق بالعمل قاضيات في مجلس الدولة، لتعيينهن بطريق النقل، وليس بالتعيين المبتدأ، لشغل درجة "مندوب"، أو "نائب" في المجلس. أي أن المجلس لم يسمح للإناث بالتقدم لوظيفة "مندوب مساعد"، وهي أولى درجات التسلسل القضائي.

وبينما اختارت النيابة العامة سيدات بعينهن للتعيين، دون أي مبررات موضوعية أو دون إجراء مسابقة، بما يتنافى حتى مع أسلوب تعيين الموظفين في الدولة، وضع المجلس شروطاً تعجيزية تهدر المساواة مع الذكور الذين سبق قبولهم للعمل، ووصلوا إلى الدرجتين الوظيفيتين المختارتين. ومن هذه الشروط أن تكون العضوة الراغبة في النقل حاصلة على شهادتها العلمية بتقدير امتياز أو جيّد جداً فقط، فضلاً عن أن يخلو ملف خدمتها في هيئتها الأصلية من أي جزاءات أو ملاحظات، ثم اجتياز المُقابلة الشخصية أمام اللجنة المُختصة في مجلس الدولة والمشكلة من أقدم سبعة قضاة.

مصادر قضائية رفيعة المستوى في وزارة العدل قالت لـ"العربي الجديد"، إن تنفيذ تعليمات السيسي بهذه الطريقة في النيابة العامة، هو حلّ توصل إليه وزير العدل عمر مروان، بعد إبلاغه برفض التعيين من قبل القضاة، وعدم استعداد النيابة لتشغيل النساء حالياً. وتتنوع أسباب الرفض، ما بين اللوجستية الخاصة بصعوبة تشغيلهن في النيابات بالأقاليم لعدم وجود استراحات مناسبة ومكاتب ومرافق منفصلة تضمن خصوصيتهن، وبين اعتبار بعض المسؤولين عدم جواز تولي المرأة القضاء وفق الشريعة الإسلامية، التي لا يجب أن تتضارب معها الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم المصرية وفق قراءتهم للمادة الثانية بالدستور. كما تشمل التبريرات أسباباً عملية، لفشل تجربة الاستعانة بالقاضيات في المحاكم المتخصصة والجنائية منذ عام 2005 واللاتي يبلغ عددهن الآن 60 قاضية، وبسبب انخفاض إنتاج وضعف كفاءة الإناث عضوات النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة من وجهة النظر المتحفظة لهذا الفريق. وتوقعت المصادر أن تؤدي هذه الطريقة إلى أزمة قانونية برفع الخريجات الجدد دعاوى قضائية أمام مجلس الدولة ومحكمة استئناف القاهرة - دائرة طلبات رجال القضاء، للمطالبة بالمساواة في التعيين مع زملائهن الذكور، تطبيقاً للنص الدستوري الذي قوبل لسنوات بتعامل يتجاهل المشروعية بصورة ممنهجة، وادعاء أخيراً بأن هذه الدفعة ستكون "تجريبية".

وفي سياق متصل، اعتبر مصدر دبلوماسي مطلع أن القرار في حقيقته يهدف إلى الترويج للنظام أمام العواصم الغربية، أكثر من الحرص على تطبيق دستور "النوايا الحسنة"، كما وصفه السيسي مرات عدة من قبل. وأوضح المصدر أنه تمّ تعميم قراري مجلس الدولة ثم النيابة العامة في النشرات الموزعة على السفارات المصرية في العواصم المختلفة من ضمن إنجازات السيسي التي يجب إبرازها، فضلاً عن إعادة تعيين قاضية في المحكمة الدستورية العليا، مطلع العام الحالي، وتشديد العقوبات القانونية للتحرش منذ أيام.

اختارت النيابة العامة سيدات بعينهن للتعيين، دون أي مبررات موضوعية أو إجراء مسابقة

ويهتم النظام المصري بالقرارات الخاصة بالمرأة من باب الدعاية في المقام الأول، مقدماً ذلك على الكفاءة المهنية والمقومات الشخصية، كما حدث سابقاً من تعيين عدد كبير من الوزيرات في كلّ حكومة، واستمرار معظمهن على الرغم من الملاحظات العديدة على أدائهن. كما جرى التوسع في تعيين المحافظات، وتعيين عدد كبير من السيّدات كعضوات في مجلسي النواب والشيوخ، واختيار المئات منهن في القائمة الوطنية الموحدة بغرفتي البرلمان، دون أن يكون لمعظمهن أي رصيد شعبي أو خبرة سابقة أو رؤية مستقبلية.
وعلى الرغم من وجود عشرات القضاة الذين قد يستفيدون بنقل بناتهم من النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، المصنفتين كمستودع لبنات القضاة منذ عشرات السنين، لكن عدد من يتحمسون لهذا النقل يعتبر أقلية في القضاء العادي ومجلس الدولة، بل إن عدداً من متزعمي الرفض وحاشدي أصوات المعارضين عبر المجموعات المغلقة في تطبيقات التواصل، هم آباء لعضوات في الهيئتين المذكورتين. لكن هناك رغبة من بعض القضاة في تحويل استحقاق المساواة إلى مجرد أداة لتمييز بنات بعضهم، وقبولهن للعمل دون غيرهن من المستحقات، سواء بتزكيتهن في النيابة العامة أو تطبيق الشروط التي وضعها مجلس الدولة عليهن دون انطباقها على جميع العضوات المتماثلات في المركز القانوني. بل ستكون الأفضلية لفئة ضئيلة وستتضاءل أكثر من خلال المقابلة الشخصية، وهو ما يعتبر عيباً قانونياً آخر في قرار فتح باب التعيين، وربما يتسبب في تقديم عدد كبير من الطعون.

يذكر أن اثنتين من السيدات في أسرة السيسي نفسه أصبحتا مؤهلتين للتعيين كقاضيتين في مجلس الدولة: الأولى هي هاجر أحمد سعيد السيسي، ابنة القاضي شقيق السيسي، والتي عيّنت في النيابة الإدارية عام 2014، وهي خريجة بتقدير جيّد جداً، والثانية هي داليا محمود حجازي، ابنة رئيس أركان الجيش السابق وزوجة نجل السيسي الأصغر حسن، الذي كان موظفاً في شركة بترول حكومية عندما تزوجها، وأصبح حالياً مسؤولاً عن ملف الاستثمارات البترولية في الاستخبارات العامة، وقد عينت في النيابة الإدارية أيضاً عام 2016.

ومنذ 11 عاماً، ثارت أزمة كبيرة في مجلس الدولة بسبب فتح باب التعيين للخريجات. وعلى الرغم من تأييد سوزان ثابت، قرينة الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، لهذا الأمر، وخروج تظاهرات من أمانات المرأة في الحزب الوطني الحاكم آنذاك (الحزب الوطني الديمقراطي) ومنظمات حقوقية مستقلة، تطالب بتعيين المرأة قاضية، إلا أن الدولة وقتها رضخت لقرار الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة برفض تعيين الإناث، وتجاهلت قراراً صدر آنذاك من المحكمة الدستورية العليا بعدم اختصاص الجمعية العمومية بالتدخل في أمور التعيينات.


 

المساهمون