نعم للتطبيع... في اتجاه آخر

01 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 17:30 (توقيت القدس)
لافتة "تحالف من أجل أمن إقليمي" بتل أبيب، 26 يونيو 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التطبيع في السياق العربي يُعتبر قبولاً بالوجود الإسرائيلي، ويشهد حالياً زخمًا في الحديث عنه، مع محاولات إسرائيلية لتعزيز هذا الاتجاه عبر اتفاقيات مثل "اتفاق أبراهام".

- العلاقات العربية الإيرانية تحتاج إلى إعادة بناء على أسس جديدة، تتضمن تفهم إيران للمصالح العربية وسحب عوامل التوتر، مما قد يخلق توازنًا إقليميًا جديدًا.

- تجاوزت إيران والسعودية القطيعة في مارس 2023، مما يمهد لتحسين العلاقات العربية الإيرانية، رغم أن الولايات المتحدة قد تعارض أي تطبيع عربي إيراني لصالح تعزيز العلاقات مع إسرائيل.

ارتبط التطبيع في القاموس السياسي بمعنى شائن في المتن الشعبي العربي. إنه يعني القبول بالجلاد الإسرائيلي كواقع سياسي وإقليمي. في الفترة الأخيرة ثمة زخم مكثف من الحديث عن تطبيع في كل الاتجاهات، بعضه حقيقة، وبعضه جزء من مزايدات إسرائيلية متقدمة، كتلك اللوحة التي علقت قبل أيام في تل أبيب لأطراف "اتفاق أبراهام" في صيغته الجديدة، وتضم قادة دول عربية، بينهم الرئيس السوري أحمد الشرع، إضافة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

إذا كان هناك فائض حاجة للتطبيع في النطاق العربي، تحت عنوان تحقيق السلام والأمن الإقليمي، فإنه يتعين أن يأخذ التطبيع اتجاهاً مختلفاً نحو تطبيع عربي إيراني يعيد بناء العلاقات العربية الإيرانية على أسس مختلفة، تراجع من خلاله إيران كامل سياساتها تجاه القضايا والمصالح العربية، بما يحقق توازن المصالح بين الطرفين على قاعدة الاحترام المتبادل والأمن المشترك، وبما يساهم في خلق معادلة جديدة للأمن الإقليمي، يبدأ من نقطة خلق مناخ أقل توتراً، إلى وضع متطور تندمج فيه سياسات المصالح المشتركة بين الخريطة العربية وإيران، حتى وإن كان واقع النظام والقرار العربي، الذي يعيش مأزقاً عميقاً، يجعل الأمر يبدو في غاية الصعوبة.

يتوقف ذلك أساساً على ما يمكن أن تقدمه إيران من عرض سياسي وازن للدول العربية المتاخمة لها بالأساس، يكون أكثر تفهماً لاستحقاقات ومصالح جوارها العربي. ويبدأ ذلك من نقطة تفهم أسباب الموقف العربي المكرس من إيران، وسحب عوامل التوتر التقليدية، وإعدام تصوراتها السابقة في تصدير الثورة والتبشير الطائفي والعقائدي المنفلت، وصولاً إلى إزاحة بعض السياسات التي كرست طهران قوةً طامعة في المنظور العربي، إلى درجة أنها باتت في تقديرات بعض النخب العربية محل مقارنة مع إسرائيل على صعيد "الإحلال"، على غرار الحالة السورية قبل سقوط النظام.

تسير العلاقات العربية الإيرانية بوتيرة بطيئة، لكنها إيجابية إذا ما قورنت مع عقود سابقة. في مارس/ آذار 2023، تجاوزت طهران والرياض عقدة القطيعة، واتفقتا على إعادة فتح السفارات في البلدين. مثّل ذلك مدخلاً مهماً لمزيد من إصلاح العلاقات العربية الإيرانية، بالنظر إلى تأثير الموقف السعودي في مجمل المواقف العربية. وقد تكون إيران، في أعقاب المواجهة الأخيرة، في وضع مناسب لإحداث المعالجات اللازمة، وأكثر حاجة إلى استشراف مستقبل علاقاتها العربية وفق نظرة مختلفة، وهي علاقات يمكن إعادة صياغتها لتكون مفتاحاً لصياغة نظام إقليمي أقل توتراً وأكثر تفاعلاً على صعيد المصالح المشتركة.

من الواضح أن أميركا ظلت في حدود الواقع السياسي تستخدم التهديد الإيراني للجوار العربي كورقة ابتزاز دائمة للدول العربية، سياسياً ومادياً وأمنياً، ودافعاً لتشجيعها على اتجاهات التطبيع مع إسرائيل - بالرغم من أن الأخيرة تهشمت صورتها السياسية والأخلاقية في العالم، وظهرت في المواجهة الأخيرة مع إيران أقل قدرة على تكريس الردع بقدراتها الذاتية. وفي السياق ذاته، ستكون واشنطن في وضع اعتراض وتعطيل لأي مسارات "تطبيع" للعلاقات العربية الإيرانية، ذلك أن التطبيع بالنسبة للولايات المتحدة يجب أن يبقى ذا معنى وحيد وفي اتجاه واحد، نحو تل أبيب لا غير.

المساهمون