نشاط تركي كثيف في بنغازي.. هل بدأت أنقرة إعادة رسم تحالفاتها في ليبيا؟

26 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 16:45 (توقيت القدس)
خليفة حفتر خلال استقباله إبراهيم قالن في بنغازي، 25 أغسطس 2025 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اختتم رئيس جهاز المخابرات التركي زيارة لبنغازي، حيث التقى خليفة حفتر ونجليه، لبحث سبل مواجهة الهجرة غير القانونية وتعزيز الأمن الإقليمي، مع التركيز على تطوير العلاقات الثنائية.

- شهدت العلاقات التركية مع معسكر حفتر تطورًا ملحوظًا، بما في ذلك استقبال صدام حفتر في تركيا لبحث التعاون العسكري، مما يعكس تحولًا استراتيجيًا في السياسة التركية تجاه ليبيا.

- تواجه تركيا تحديات في التوازن مع المصالح المصرية واليونانية، وتسعى لتعزيز التفاهمات مع القاهرة، مع دعم خريطة طريق جديدة لحل أزمة الانقسام الحكومي في ليبيا.

اختتم رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم قالن أمس الاثنين زيارة مكثفة لبنغازي شملت سلسلة لقاءات سياسية وعسكرية بدأت بلقائه اللواء المتقاعد خليفة حفتر برفقة نجليه صدام وخالد، اللذين منحهما مناصب عليا أخيراً، إضافة إلى نجله الثالث بالقاسم، مدير صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا. وتأتي الزيارة في توقيت حساس، وسط تشابك الوضع الليبي مع الأجندات الإقليمية والدولية، ما يضفي عليها أبعاداً سياسية وأمنية مهمة.

ووفقاً لما نشره المكتب الإعلامي لقيادة حفتر، فقد ركز لقاء قالن مع حفتر على "مناقشة سبل مواجهة ظاهرة الهجرة غير القانونية، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي"، إلى جانب بحث "أوجه التعاون الثنائي بين الطرفين". وأوضح المكتب أن اللقاء استعرض "التطور الملحوظ" في العلاقات بين الجانبين أخيراً، وناقش "آليات التنسيق المشترك لمكافحة التحديات الأمنية، وفي مقدمتها ملف الهجرة"، مؤكداً "رغبة متنامية من الطرفين في تطوير مستوى الحوار والتعاون، بما يتجاوز الجانب الأمني التقليدي ليشمل مجالات مختلفة".

وسبق زيارة قالن وصول سفينة حربية تركية إلى ميناء بنغازي الأحد الماضي، إذ كان في استقبالها صدام حفتر، وأجرى على متنها لقاءات مع وفد تركي رفيع المستوى ضم السفير التركي لدى ليبيا غوفين بيغيتش، والمدير العام بوزارة الدفاع التركية الفريق إلقاي ألتينداغ، لمناقشة "ملفات التعاون العسكري والبحري، إلى جانب تبادل الخبرات الفنية والتقنية"، بحسب بيان للمكتب الإعلامي لقيادة حفتر. وفي السياق نفسه، أعلنت السفارة التركية لدى ليبيا أن السفينة الحربية "أجرت تدريباً بحرياً قبالة سواحل بنغازي بمشاركة زوارق بحرية" تابعة لحفتر. من جهتها، قالت وزارة الدفاع التركية في بيان إن "الاجتماعات ناقشت جهود التعاون المشترك في إطار الهدف المتمثل بليبيا واحدة وجيش واحد".

وبدأت تركيا الانفتاح على معسكر شرق البلاد باتصالات استكشافية، بدأت بزيارات مسؤولي السفارة التركية المتكررة لبنغازي، ثم توجيه دعوات لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي التقى نظيره التركي آنذاك، مصطفى شنطوب، في أنقرة في أغسطس/آب 2022. ومع ذلك، حافظت أنقرة على علاقتها المتينة مع السلطة المعترف بها دولياً في طرابلس، منذ أن قدمت لها دعماً عسكرياً في أثناء عدوان حفتر على العاصمة في 2019، حيث لعبت القوات التركية دوراً حاسماً في كسر ذلك العدوان، ما عزز حضورها العسكري في غرب البلاد، إلى جانب اتفاق بحري وقعته في 2019 مع الحكومة في طرابلس لتحديد الحدود البحرية الاقتصادية للبلدين، وطُوِّر لاحقاً لاستكشاف الغاز نهاية 2022، لكنه لم ينفذ منه شيء بشكل فعلي بسبب معارضة مجلس النواب حينها.

ومع بداية 2025، شهدت العلاقات التركية مع معسكر حفتر خطوات نوعية، أبرزها استقبال صدام حفتر رسمياً، كـ"آمر للقوات البرية" حيث استقبله رئيس الأركان التركي سلجوق بيرقدار أوغلو، ووزير الدفاع يشار غولر، لبحث التعاون العسكري، في خطوة اعتبرها مراقبون "نقلة نوعية" في العلاقات، مع استمرار أنقرة في الحفاظ على إبراز علاقاتها مع طرابلس، وآخرها قمة ثلاثية بأنقرة مطلع أغسطس جمعت رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني. ويأتي الحراك الذي شهدته بنغازي عقب زيارة مماثلة قامت بها السفينة الحربية التركية نفسها برفقة الوفد العسكري التركي لطرابلس يوم 18 أغسطس الجاري، حيث التقى الوفد حينها وكيل وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية، عبد السلام الزوبي.

استراتيجية تدريجية مدروسة

وتعكس هذه الخطوات التركية تحولاً استراتيجياً في سياساتها في الملف الليبي، إذ تؤشر على أن أنقرة لم تعد ترى طرابلس وحدها محور وجودها في ليبيا، بل بدأت إعادة رسم خرائط نفوذها لتشمل شرق البلاد أيضاً، مع الحفاظ على حضور متوازن في طرابلس لضمان استمرار شرعية وجودها. وتكتسي زيارة قالن الأخيرة أهمية أكبر بالتزامن مع ما كشفت عنه مصادر برلمانية في بنغازي لـ"العربي الجديد" من أن مجلس النواب لا يزال مستعداً لطرح الاتفاقية البحرية التركية الليبية في جلسة رسمية للتصويت والمصادقة عليها.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويرى الباحث في العلاقات الدولية حسن عبد المولى، أن زيارة قالن "لا تأتي حدثاً بروتوكولياً عادياً، بل تأتي في سياق استراتيجية تركية تدريجية مدروسة، تنطلق من إدراك أن أي تنفيذ للاتفاقيات الاقتصادية في ليبيا لا يمكن أن يتحقق دون التنسيق مع القوى الفعلية على الأرض، ولا سيما القوة العسكرية التي فرضتها سلطة حفتر في الشرق والجنوب، خصوصاً أن نطاق المياه الليبية التركية المشتركة تقع مقابلة للساحل الشرقي لليبيا حيث يوجد حفتر". ولفت عبد المولى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الإشارة التي تضمنها بيان وزارة الدفاع التركية، حول سعيها لمشروع ليبيا واحدة وجيش واحد، يجب التوقف عنده لقراءة مضامينه"، موضحاً أن "الإعلان جاء عبر وزارة الدفاع التركية، وليس الخارجية، وهو ما يعكس الطابع الأمني والعسكري للتوجه التركي، ويعني أن تركيا تريد القول إن تعاملها مع حفتر لا يعني اعترافاً سياسياً، بقدر ما يعني تعاملاً مع واقعية نفوذ ميداني". واعتبر أنه "في المجمل يحمل الحراك رسالة مزدوجة بالاعتراف بالواقع العسكري والحفاظ على الموقف الدبلوماسي الرسمي".

تحديات كبيرة

ورغم وصول الحراك التركي في شرق ليبيا إلى مستوى متقدم، إلا أن عبد المولى يؤكد أن "السياسة التركية تواجه تحديات كبيرة على مستويات عدة، وأولها المصالح المصرية في الشرق وتحالفها التقليدي مع معسكر حفتر، ما يفرض على أنقرة تعزيز تفاهماتها مع القاهرة لتجنب أي خلخلة في علاقات البلدين التي تعززت كثيراً في السنوات الأخيرة".

واعتبر عبد المولى أن لقاء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظيره المصري بدر عبد العاطي ومسؤولين سعوديين في جدة بالتزامن مع زيارة قالن "يقرر ذلك، ويؤكده"، مضيفاً: "العائق الثاني هو الغياب الواضح للموقف الروسي من الانخراط الأميركي المكثف أخيراً في الملف الليبي، فالتحرك التركي قد يكون في سياق الانخراط الأميركي، وتزامن النشاط التركي مع طرح البعثة الأممية خريطة طريق جديدة لحل أزمة الانقسام الحكومي، وهي خريطة مدعومة من واشنطن كما يظهره الدعم الأميركي الواضح، فقد تتماهى مساعي الخريطة مع الرؤية التركية التي أشار إليها بيان وزارة الدفاع التركية بليبيا موحدة وجيش واحد".

من جهة أخرى، لفت عبد المولى إلى أن "أنقرة تواجه أيضاً تحدي التوازن البحري مع اليونان"، موضحاً أن "الاتفاق البحري التركي مع طرابلس توظفه أنقرة أداةً لتعزيز مصالحها التي تتعارض مع مصالح اليونان المدعومة من غالبية الدول الأوروبية". وختم بالقول: "وسط تشابك بيئة حفتر الميدانية التي تتداخل فيها المصالح الأميركية والروسية، وفي ظل عدم قدرة حفتر على موازنة هذه المصالح، سيكون على تركيا المرور من خلال هذه الجزر المتقاطعة بصعوبة، ما يعني أنها لا تزال في بداية الطريق".