نذر تململ في صفوف اليمين الديني الصهيوني ضد نتنياهو

نذر تململ في صفوف اليمين الديني الصهيوني ضد نتنياهو

05 أكتوبر 2020
تواصلت التظاهرات ضد نتنياهو رغم القيود الجديدة (Getty)
+ الخط -

يواصل رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، استغلال جائحة كورونا وتفشيها بشكل متسارع من دون قدرة على وقف مسلسل الإصابات اليومية فيها، من أجل تحقيق أهدافه الرئيسية بالبقاء في الحكم، عبر مواصلة سياسات التحريض ضد المتظاهرين المطالبين باستقالته، وتحطيم بنى القانون الأساسية، ولا سيما النيابة العامة وجهاز القضاء والشرطة الذين يتهمهم نتنياهو بالتعاون مع اليسار لإنهاء حكمه باعتباره ممثلاً لحكم اليمين. لكن اتهامات نتنياهو وأنصاره شهدت في الأسابيع الأخيرة تحولاً إضافياً وذلك من خلال شنّ حرب أيضاً على اليمين الاستيطاني الذي يمثله حزب يمينا بقيادة نفتالي بينت، وأيليت شاكيد وعدد من الصحافيين المحسوبين على هذا التيار، واتهامهم بتنسيق خطواتهم مع المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليط والنيابة العامة.

حركات الاحتجاج نظمت السبت أكثر من 300 تظاهرة محدودة

وقد سجلت إسرائيل، أول من أمس السبت، لأول مرة مواجهات عنيفة على نحو خاص بين الشرطة وبين متظاهرين في كل من القدس وتل أبيب، واعتقال 38 متظاهراً، ناهيك عن اعتداءات على المحتجين من قبل خيالة الشرطة في تل أبيب، واعتداءات فردية على المتظاهرين من قبل أنصار نتنياهو الذين بات يشار إليهم بتعبير "ببيبستيم" أي أنصار بيبي. وقد تفاقمت هذه المظاهر، خصوصاً عنف الشرطة أول من أمس، بعد أن كان نتنياهو فرض ليلة الأربعاء - الخميس على حزب كاحول لفان تمرير التعديل على القيود المفروضة على حق التظاهر، وفي مقدمتها منع التظاهر على مسافة تزيد عن كيلومتر واحد من مقر سكن المتظاهر، وأن تكون التظاهرات في مجموعات صغيرة. وفيما بدا للوهلة الأولى أن نتنياهو انتصر في محاصرة التظاهرات، فقد لجأت حركات الاحتجاج ضد بقاء نتنياهو في الحكم خصوصاً حركتي الرايات السوداء و"كرايم منستر"، إلى مفاجأته بتنظيم أكثر من 300 تظاهرة محدودة في مناطق مختلفة في إسرائيل، كان أبرزها في ميدان الساعة في مدينة يافا، وميدان مسرح "هبيما" القومي، وفي ميدان باريس في القدس المحتلة، القريب من مقر إقامة نتنياهو في شارع بلفور.

ومع العنف الذي أبدته الشرطة أول من أمس في قمع المتظاهرين وتحرير المخالفات لهم بدون مبرر، دعا عضو الكنيست عوفر شيلح آلاف المتظاهرين الذين تلقوا مثل هذه المخالفات إلى الامتناع عن دفعها وتفضيل خيار المثول أمام المحكمة للاعتراض عليها. لكن في موازاة ذلك، أبدى ضباط سابقون في الشرطة الإسرائيلية وعلى رأسهم المفتش العام السابق للشرطة موشيه كراده، لأول مرة، مخاوف جدية من انهيار جهاز الشرطة كجهاز مستقل لتطبيق القانون، ورضوخ قيادة الشرطة الحالية، خصوصاً قادة الألوية المختلفة، إلى رغبات ونزوات وزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، ورئيس الحكومة نتنياهو، من أجل تحسين فرص تعيينهم في مناصب عليا، تحديداً منصب المفتش العام للشرطة الذي لا يزال شاغراً. ويقوم بقيادة الشرطة، حالياً، قائم بأعمال المفتش العام البريغدير موطي كوهن. وبحسب المفتش العام السابق، موشيه كراده، والذي تحدث لصحيفة هآرتس، وضباط سابقين آخرين، فإن نتنياهو يسعى إلى تحويل الشرطة ذراعاً موالية له وللوزير شخصياً يطبقون رؤياه وليس بالضرورة ما ينص عليه القانون. في المقابل يبدو نتنياهو راغباً بحالة الفوضى والمواجهات حتى مع ازدياد عدد المتظاهرين ضده، لأنها تصب، بحسب زعمه وباعترافه، في صالحه سياسياً وتثبت أن المتظاهرين لا يهمهم شيء ولا حتى صحة المجتمع بقدر ما يهمهم التظاهر ضد نتنياهو، كجزء من مؤامرة واضحة لإنهاء حكم اليمين الذي يمثله تتم بموافقة الإعلام اليساري والنيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة. وقد قادت هذه الاتهامات التي يشنّها نتنياهو، مع تفاقم محاولاته الاستئثار بالقرار في الحكومة الحالية التي يٌفترض أنها حكومة طوارئ وطنية، إلى حرب لم تكن متوقعة، بين جناحي الإعلام في اليمين الإسرائيلي، وتحديداً بين صحافيين مؤيدين شخصياً لنتنياهو، وبين صحافيين يمينيين محسوبين على التيار الديني الصهيوني الاستيطاني تم اتهامهم أخيراً بالتنسيق سراً مع المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليط لضرب نتنياهو ومحاولة إضعافه لصالح رفع أسهم زعيم يمينا، نفتالي بينت. وبدأت هذه المعركة قبل أسبوعين عندما نشر صحافيون من هذا التيار، وعلى رأسهم عكيفا نوفاك وكلمان ليفلنيسكى وحجاي سيغل (كان عضواً في التنظيم الإرهابي اليهودي في أوائل الثمانينات من القرن الماضي ويرأس اليوم تحرير صحيفة مكور ريشون) ونجله عميت سيغل الذي يعمل محللاً سياسياً في القناة الثانية، مقالات دعوا فيها نتنياهو إلى القبول باقتراح محاميه السابق المتوفي يعقوف نئمان بالتوصل إلى صفقة مع النيابة العامة، يتخلى فيها عن منصبه وتغلق الملفات القضائية ضده. وأثارت هذه المقالات على الفور هجوماً غاضباً من قبل صحافيين محسوبين على نتنياهو في الإعلام الإسرائيلي مثل أريئيل سيغل ويعقوف بردوغو وشمعون ريكلين، اتهموا فيه الصحافيين المذكورين بأنهم ينسقون خطواتهم مع المستشار القضائي للحكومة ومع وزيرة العدل السابقة القيادية إلى جانب نفتالي بينت في حزب يمينا، أيليت شاكيد، بهدف ضرب نتنياهو تمهيداً لإفساح المجال أمام صعود نفتالي بينت، ليكون أول رئيس حكومة من التيار الديني الصهيوني. وكشفت هذه الحرب، والتي لم يتورع فيها أنصار نتنياهو من إرسال رسائل تهديد دموية للصحافيين الأربعة من التيار الديني الصهيوني، حجم القلق الذي يساور نتنياهو من استمرار تعاظم قوة نفتالي بينت في الاستطلاعات الأخيرة التي تمنح حزب يمينا 21 مقعداً مما قد يمكِن نفتالي بينت، من خلال تحالف مع باقي الأحزاب الإسرائيلية، باستثناء ميرتس والقائمة العربية المشتركة، من تشكيل حكومة ائتلاف يمينية. كما كرست القلق لدى رئيس الحكومة، من خطر أن تُرَسِّخ هذه المقالات، نظراً لعدم القدرة على وسم أصحابها بأنهم يساريون، اتجاهاً عاماً في اليمين الإسرائيلي نفسه يكسر الالتفاف القائم حالياً حول نتنياهو باعتباره الوحيد الذي يمكن أن يبقي اليمين في الحكم.

حرب غير متوقعة بين جناحي الإعلام في اليمين الإسرائيلي

واعتبر المحلل السياسي، ران إيداليست، في مقال له في معاريف أخيراً أن هذه الحرب بين صحافيي اليمين العلماني وصحافيي اليمين الديني الصهيوني، من شأنها أن تكون مؤشراً لتحولات في صفوف ما سمّاه "باليمين العملي الواقعي" لجهة بدئه التخلي عن نتنياهو لصالح زعيم يميني نظيف من شبهات الفساد من جهة، وقادر على أن يعرض على اليمين الإسرائيلي العلماني معادلة لحكومة مشتركة، تعيد أيضاً فتح ملف الضم وتعزيز البناء الاستيطاني من دون أية قيود. وتشكل هذه النقطة كابوساً لنتنياهو الذي اضطر أخيراً إلى الإيعاز لمجلس التخطيط ولبناء التابع للإدارة المدنية (الذراع التنفيذي للاحتلال) إلى العودة للمصادقة على بناء 4500 وحدة سكنية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة ووقف تجميد أعمال البناء في المستوطنات. ويمكن عملياً، إذا أضيفت حالة الغضب في صفوف تيار الحريديم والمجتمع الحريدي في ظل القيود على الصلوات، بالرغم من التعامل معها من قبل الشرطة بقفازات حريرية، رصد ثغرة ونقطة تصدع أخرى في معسكر اليمين الحريدي الذي لم يتخل عن دعم نتنياهو لغاية الآن، إلا أن بعض قادته صرحوا أخيراً بأن أي مسّ بجمهور الحريديم أو مواصلة تحميلهم مسؤولية تفشي الكورونا، وفرض قيود على الصلوات في الكنس أو تحديد أعداد المصلين فيها، قد يجعل قادة هذا المعسكر أيضاً يعيدون النظر في خياراتهم مع نتنياهو.

المساهمون