نذر أزمة جديدة بين المغرب وإسبانيا

نذر أزمة جديدة بين المغرب وإسبانيا

22 ديسمبر 2020
التوتر الجديد على خلفية تصريحات أدلى بها العثماني (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

تلوح نذر أزمة جديدة بين المغرب وإسبانيا، بعدما استدعت خارجية الجارة الشمالية، بشكل عاجل، أمس الإثنين، سفيرة الرباط لاستفسارها عن تصريحات رئيس الحكومة سعد الدين  العثماني، بخصوص مغربية مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين.

وقالت الخارجية الإسبانية، على حسابها الرسمي بـ"تويتر"، إنها قررت استدعاء السفيرة المغربية بمدريد، كريمة بنيعيش، لتقديم توضيحات حول تصريحات رئيس الحكومة المغربية لإحدى القنوات التلفزيونية العربية، كاشفة عن أن وزيرة الدولة للشؤون الخارجية الإسبانية، كريستينا جالاتش، أبلغت السفيرة بأن الحكومة الإسبانية "تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا"، بحسب قولها.

ويأتي استدعاء الخارجية الإسبانية للسفيرة المغربية، بعد مطالبة زعيم حزب الشعب الإسباني، بابلو كاسادو، رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، بالرد الفوري على تصريحات العثماني التي قال فيها إن سبتة ومليلية المحتلتين مغربيتان.

وفيما اعتبر زعيم الحزب الشعبي أن السيادة الإسبانية للمدينتين غير قابلة للتصرف، لم يتوان زعيم حزب "فوكس" المتطرف، سانتياغو اباسكال، عن مهاجمة المملكة المغربية، مشيرا، في تغريدة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "سبتة ومليلية هما مدينتان إسبانيتان في أفريقيا منذ ما قبل وجود المغرب. وستظل المدينتان إسبانيتين حتى إذا لم يعد المغرب موجوداً".

وكان العثماني قد قال، في حوار تلفزيوني، السبت الماضي، حينما سئل عن مدى وجود مقايضة للصحراء بالمدينتين المحتلتين سبتة ومليلية: "ربما سيفتح الملف في يوم ما، ويجب أولا أن ننهي قضية الصحراء، فهي الأولوية الآن، وقضية سبتة ومليلية سيأتي زمانها"، مضيفا: "صحيح كلها أراضٍ مغربية، يتمسك بها المغرب كتمسكه بالصحراء... لكن المهم الآن أن نبني العيش المشترك، والموقف الإسباني في قضية الصحراء أصبح اليوم أكثر اعتدالا، أي أكثر انسجاما مع قرارات مجلس الأمن، وهذا شيء إيجابي".

يأتي استدعاء الخارجية الإسبانية للسفيرة المغربية، بعد مطالبة زعيم حزب الشعب الإسباني، بابلو كاسادو، رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، بالرد الفوري على تصريحات العثماني التي قال فيها إن سبتة ومليلية المحتلتين مغربيتان

في ظل هذا الوضع، يبدو أن التوتر الصامت الذي ساد بين الرباط ومدريد منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 10 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، قد خرج إلى العلن باستدعاء السفيرة المغربية في حادث هو الأول من نوعه منذ أزمة جزيرة ليلى التي تحولت إلى صراع مسلح بين البلدين بدأ في 11 يوليو، ثم انتهى في 20 يوليو من العام 2002.

وكان لافتاً خلال الأيام الماضية عدم ترحيب مدريد بالإعلان الأميركي عن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، معتبرة، على لسان وزيرة الخارجية أرانشا غونثالث لايا، أن القرار الأميركي لا يخدم نزاع الصحراء، بل يزيد من تعقيده، لأنه يقوم على ما وصفته بـ"القطبية الأحادية" وليس على البحث عن الحل الذي تشارك فيه مختلف الأطراف، سواء القوى الممثلة في مجلس الأمن أو القوى الإقليمية التي لديها علاقة بالنزاع، وبالتالي ضمان استمرار الحل.

وجاء الإعلان عن تأجيل القمّة الإسبانية المغربية، التي كان من المقرّر عقدها في 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعد ثلاث ساعات فقط من تلقّي الرباط دعمًا قويًا من الولايات المتحدة بالاعتراف بسيادته على الصحراء، ليلقي بظلاله على العلاقات بين الرباط ومدريد، التي وصفت طيلة العقد الماضي بأنها نموذجية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، بعد أن تراجعت الملفات الخلافية بين البلدين الجارين، في ظلّ ما يسميه البعض "الجوار الحذر".

وفي وقت اعتبرت الأوساط الإسبانية أنّ الخطوة الأميركية وتمدّد المغرب في الصحراء يزيدان من إضعاف موقف مدريد على المستوى الإقليمي، وأن الرباط تحظى أيضًا بدعم لندن لعزل إسبانيا بشأن قضية الصحراء، حرص وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال مقابلة مع إذاعة محلية الأسبوع الماضي، على بعث رسالة مباشرة إلى الجارة الشمالية عنوانها الرئيس أن المغرب لن يقبل مستقبلا من الدول الحديث عن حل عادل ودائم، بل الحديث عن مقترح الحكم الذاتي كأرضية لحل النزاع.

كما كان افتتاح "المرصد الأفريقي للهجرة"، بالعاصمة الرباط، الجمعة الماضية، مناسبة لبعث بوريطة رسالة أخرى إلى مدريد مفادها أن المغرب لن يكون شرطيا لأي جهة ما أو دركيا لأوروبا، في وقت يحاول الائتلاف الحكومي اليساري، بقيادة بيدرو سانشيز، إعادة تفعيل عمليات الترحيل إلى المغرب، في محاولة منه لمواجهة ما تعيشه إسبانيا من أزمة هجرة كبيرة في جزر الكناري.

وتعليقا على استدعاء الخارجية الإسبانية السفيرة المغربية بمدريد، قال المحلل السياسي والبرلماني السابق، عادل بنحمزة، إن إسبانيا عليها أن تتحلى بالواقعية، وأن تنظر إلى المغرب نظرة جديدة مختلفة عن النظرة الاستعمارية البائدة، والإقرار بأنه شريك أساسي، لكن دون أن تفقد الذاكرة وتقفز على حقائق التاريخ، وأولاها أن سبتة ومليلية مدينتان مغربيتان محتلتان، معتبرا أن على مدريد أن تتذكر باستمرار أن مغربية المدينتين لا تسقط بالتقادم، وأن عليها القطع مع الازدواجية في مواقفها، فهي تدعي سيادتها على سبتة ومليلية، وفي نفس الوقت تطالب بجبل طارق من إنكلترا.

وأوضح المحلل السياسي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن المغرب منذ زمن الراحل الحسن الثاني كان قد مد اليد للسياسيين الإسبان من أجل التفكير في إيجاد حل يحفظ ماء وجه إسبانيا ومصالحها الناشئة بعد احتلالها للمدينتين، وذلك على غرار ما تم القيام به بين الصين وبريطانيا في هونغ كونغ، لكن تلك الأيادي بقيت ممدودة في الفراغ، مضيفا: "يبدو أن إسبانيا تعيش عملية تحول معقدة من نظام الثنائية الحزبية إلى نظام الحكومات متعددة الأحزاب، وصعود تيارات شعبوية يسارية ويمينية، ما أفقدها رجال دولة من الوزن الثقيل الذين يدركون قدر الجغرافيا يتصرفون بناء على ذلك".

ويربط بنحمزة بين الموقف الإسباني الحالي وبين توالي ما سماها بالصدمات القادمة من المغرب، بدءا بفرض شمول الاتفاقية الفلاحية واتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي لمياه الصحراء المغربية، علما أن مدريد هي المستفيد الأول منها، مرورا بإعلان المغرب عن تحديد حدوده البحرية في المناطق الجنوبية، والحصار الاقتصادي لسبتة ومليلية والقضاء على التهريب المعيشي الذي كانت تستفيد منه مافيات اقتصادية في الثغور المحتلة، وانتهاء بالتحولات التي تعرفها قضية الصحراء، من خلال ارتفاع عدد القنصليات التي يتم افتتاحها في كل من العيون والداخلة، وتدبير أزمة الكركرات، والتقارب المغربي الموريتاني، وكذا الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء.

المساهمون