ندوة في تونس تبحث ملف القضاء: هل يمكن الإصلاح في زمن الاستثناء؟

ندوة في تونس تبحث ملف القضاء: هل يمكن الإصلاح في زمن الاستثناء؟

08 يناير 2022
أكاديميون وممثلون عن الهيئات القضائية يناقشون ملف إصلاح القضاء بتونس (العربي الجديد)
+ الخط -

عقد "مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي"، اليوم السبت، ندوة في تونس، حول ملف إصلاح القضاء، بمشاركة أكاديميين وممثلين عن الهيئات القضائية وقضاة ومحامين.

وأُثيرت في الندوة أسئلة جوهرية بخصوص العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة القضائية في زمن الإجراءات الاستثنائية: هل يمكن إصلاح القضاء بالضغط السياسي؟ وهل يمكن تأخير إصلاح القضاء بداعي الضغط السياسي؟

وذكر المحامي كريم المرزوقي، الذي أدار هذه الندوة، أن "الندوة العلمية التي نظمها المركز تطرّقت إلى ملف إصلاح القضاء الذي يطرحه رئيس الجمهورية في إطار السجال حول إمكانية المضي في إصلاحات، في إطار الحالة الاستثنائية".

وقال لـ"العربي الجديد": "اليوم لدينا موقف واضح من رئيس الجمهورية، بخصوص عزمه على إصلاح القضاء، سواء على المستوى التشريعي أو الدستوري. وفي المقابل، هناك موقف واضح من المجلس الأعلى للقضاء الرافض للمضي في أي إصلاح في إطار الحالة الاستثنائية".

وتابع: "هناك أيضاً خلاف حول مضامين الإصلاح، فما هي الأطراف المتداخلة في المسار الإصلاحي للمجلس الأعلى للقضاء وإمكانية ترميمه وتغيير التركيبة وما هي صلاحياته وما هي مهامه".

وأضاف "أن هذا الملف يطرح نفسه كملف جوهري في إطار أي عملية إصلاح سياسي عام للبلاد. والإشكال الحقيقي هو التشاركية في علاقة بمشاركة الهياكل القضائية المعنية والهياكل المجاورة للقضاء كالمحاماة وغيرها في إصلاح القضاء، مقابل تخوفات لديها سند قوي في العلاقة بذهاب رئيس الجمهورية في مسار انفرادي للإصلاح بدون تشاور مع الهياكل المعنية".

وبين أن "الانقسام بين المتداخلين في الندوة يعكس انقساما أعمق في الحقيقة، في علاقة بالموقف العام من 25 يوليو والإجراءات الاستثنائية، فهناك من يرى إمكانية الإصلاح في إطار التدابير الاستثنائية".

وفي مداخلتها، أكدت رئيسة اتحاد القضاة الإداريين، رفقة المباركي، رفضهم القاطع لإصلاح القضاء بطريقة أحادية من دون تشريك الهياكل القضائية.

وشددت على أنهم لا يعارضون إصلاح القضاء، ولكن من دون المساس بالمكتسبات الدستورية للقضاء، التي تعتبر خطا أحمر، ومن بينها ما يتعلق بمبادئ استقلالية السلطة القضائية والتي تكرست من خلال إحداث المجلس الأعلى للقضاء مستقلا عن السلطة التنفيذية وضامنا لحسن سير القضاء.

وقالت المباركي، إن الإشكال الحقيقي ليس في الدستور، وإنما في عدم تنزيل أحكامه التي بقيت حبرا على ورق، ولم يتم إصدار مجلات قانونية ولا ترجمة فصوله، منتقدة السلطتين التشريعية والتنفيذية، لأنهما تسعيان إلى وضع يدها على القضاء، وفق تقديرها.

من جهته، اعتبر الباحث في القانون الدستوري، المحامي رابح الخرايفي، أنّ "إصلاح القضاء ممكن في فترة الاستثناء وفي كل الأوقات، طالما أن الهدف هو تحسين جودة القضاء وخدماته وسرعة أدائه وتحييده وتحريره من الضغوطات والتأثيرات الخارجية التي يمارسها السياسيون وأصحاب المصالح، وفق تقديره".

وانتقد الخرايفي في مداخلته القضاة، قائلاً "القضاء في أزمة هيكلية وقيميّة وتواصليّة، والقضاة متسببون في جزء هام من هذه الأزمة من خلال سلوكياتهم التي أخرجتهم عن مبدأ الحياد والانضباط في العمل. وفي رأيي لا ينبغي أن نخاف من الإصلاح ولا أن نتحصن باستقلالية القضاء لإيقاف أي نوع من أنواع مراجعة النصوص الموجودة".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ومضى قائلا: "عدد كبير من القضاة يشتغلون يوما واحدا في الأسبوع ولبضع ساعات فقط، ويتحججون بتراكم الملفات، والجلسات تبدأ في أحسن الحالات في الساعة العاشرة صباحا وتنتهي في الساعة الثانية بعد الزوال، بالإضافة إلى أن بعض القضاة ينتفعون بمرفق القضاء لصالح بعض رجال الأعمال".

وفي ردّها، اعتبرت القاضية سامية بن عبد الله، أن الذين يتحدثون عن بطء القضاء وقلة نجاعته في حسم القضايا والملفات لا يعرفون حقيقة المعاناة التي يتكبدها القضاة يوميا، مشيرة إلى "أن أكثرهم (القضاة) لا يجد كرسيا ليجلس عليه ولا مكتبا ليلتقي فيه بالمتقاضين في قضايا الأحوال الشخصية مثلا".

من ناحيته، نبّه عضو الجمعية التونسية للمحامين الشبان، وسيم المرداسي، إلى "عواقب المساس بالسلطة القضائية عبر مراسيم، من دون إشراك أهل القطاع وبدون تقديم خارطة طريق واضحة، لأن هذا سيقود إلى احتجاجات كبيرة من القضاة"، معتبرا أن "مشروع الرئيس غير واضح وهو يسعى إلى الهدم وإعادة البناء ولكن دون توجه وتصور واضح ونحن اليوم أمام خلاف كبير بين الطرفين".

وذكّر المستشار في التعقيب، محمد العفيف الجعيدي، أن "الرئيس قيس سعيّد قبل توليه السلطة، ولدى استقباله من قبل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مع بعض رجال القانون قبل يوم من توقيع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء، قال إن القضية هي قضية صراع بين السلطة السياسية والسلطة القضائية منذ دستور 1959، وهو صراع لا يزال قائما، وعلى القضاة أن يتمسكوا باستقلالهم حتى في ظل نصوص منقوصة".

وشدد الجعيدي على "الظروف الصعبة والقاسية التي يعمل فيها القضاة"، مؤكدا أنه "يمكن للسلطة تحسين هذه الظروف التي ستطور بشكل كبير في أداء المحاكم وسرعة التقاضي وحسم الملفات، ولكن الحقيقة أن هناك سعيا لضرب المجلس الأعلى للقضاء لأن القضاة يحتمون به، والرئيس سعيد يسعى لتطويع القضاء مثل أي سلطة سياسية، من أجل برنامجه السياسي، وهناك رفض لمواقف القضاة من الشأن السياسي وانزعاج من ذلك".

ورأى الجعيدي أن "ما يحصل اليوم في الحقيقة في تونس هو أن القضاء أصبح ساحة لمعركة الدفاع عما تبقى من ديمقراطية تونسية، وأن الهدف في الواقع ليس الإصلاح وإنما هو الاستيلاء على القضاء".

المساهمون