استمع إلى الملخص
- يُعتبر الأسطول مكسباً سياسياً للقضية الفلسطينية، مُعيداً إنتاجها بصيغة إنسانية تتجاوز الجغرافيا والعقائد، سواء وصل إلى غزة أو عرقلته إسرائيل.
- "مجانين الحرية" يُجسِّدون حركة نضالية عالمية تتحدى المخاطر، مُتجاوزين الصمت والتنديد، ليُشكِّلوا أممية جديدة تدعم القضية الفلسطينية بعمق إنساني وأخلاقي.
يُبحِر أسطول الصمود العالمي باتجاه غزة، اليوم الأربعاء على الأرجح، بعد استعدادات كبيرة وجهود شعبية لافتة في عديد من الدول. إنه يمثل نقطة شدّ تبقي الأنظار ملتصقة بالحدث الفلسطيني، ومتمركزة حوله سياسياً وإعلامياً، وبما يضع مزيداً من الضغط على إسرائيل التي تتعامل ولا شك بقلق مع هذا الأسطول، بسبب خصوصيات تميزه مقارنة مع تجارب سابقة، من حيث عدد السفن وطبيعة المشاركين والطيف الواسع للدول التي ينتمون إليها.
الأسطول بحدّ ذاته مكسب كبير، وحصالة مهمة للمواقف والزخم السياسي لصالح القضية الفلسطينية، والتي لا يبدو أنها حصلت في غضون العقود الثمانية السابقة على تعبئة عالمية كهذه من قبل. لقد أعاد هذا التنسيق العالمي إنتاج القضية الفلسطينية في صيغتها الإنسانية المثلى التي تتجاوز الجغرافيا والعقائد الدينية والسياسية. وسواء وصل الأسطول إلى مقصده في سواحل غزة، أو عرقلت إسرائيل وصوله، ضمن سلوكها المتوقع إزاءه وإزاء مبادرات سابقة، يبقى حدثاً مهماً. لا يتعلق الأمر باستعراض ولا يجب النظر إليه على أساس أنه محاولة إحراج للاحتلال، بل إنه جبهة مقاومة حقيقية مثل كل الجبهات الأخرى التي تستخدم أدوات قتالية أو سياسية، وساحة من الساحات ضاغطة مثل كل الساحات الأخرى.
لا يتعلق الأمر، بالنسبة للمشاركين في الأسطول، بمناضلين اقتنعوا بعدالة القضية الفلسطينية فحسب، فالأمر يتجاوز ذلك بكثير. يُمكن الحديث لدقة أكثر عن "مجانين الحرية" الذين يخوضون حركة نضالية عارمة، برغم إدراكهم الحقيقي لكل المخاطر الأكيدة التي قد يتعرضون لها، وبأنهم قد يواجهون الموت في أي لحظة. والموت من أجل القضية الفلسطينية، بالنسبة لكثير من هؤلاء، ليس هو نفسه في السياقات الثقافية لمعنى الموت في التصور العربي والإسلامي، خصوصاً في هذا الظرفية التي حصل فيها الاحتلال على تغطية سياسية من الحليف الأميركي، بحيث يمكن توقع تصرفه بأي طريقة دون رادع إلى حدّ القتل، وله سوابق في ذلك مع قصة السفينة التركية مافي مرمرة عام 2010.
و"مجانين الحرية" هؤلاء لم يبحثوا عن أي ذرائع لدعم الحق الفلسطيني، أو منطلقات، غير أداء واجب الإنسانية، ورفضهم الانتماء إلى كتلة الصمت أو التنديد. لقد اختاروا بشجاعة التحول إلى الفعل الميداني، واتخذوا بتكبر عن الحياة، الموقف السليم من التاريخ، وبذلك يضعون أنفسهم في المكان الصحيح برفضهم خضوع الرقبة للسيف.
سبق أن عرفت مسطرة النضال الفلسطيني نماذج سابقة من "مجانين الحرية"، ممن قاتلوا في صفوف الفصائل الفلسطينية قبل التسعينيات، لكن هذا النموذج الجديد والملهم من النضالية والمناضلين، من جغرافيات سياسية وثقافية متعددة، جاء في التوقيت المناسب واللحظة الضرورية التي كانت فيها القضية الفلسطينية بحاجة إلى ضخّ إنساني. لقد بات "مجانين الحرية"، يشكلون أممية جديدة، تجاوزت الحكومات المعبئة بالضغوط والإكراهات، وقفزت على كل الاختلافات والإثنيات والعقائد.
لم ينتصر احتلال في التاريخ على "مجانين الحرية" في بلد، فما بالك إذا كان هؤلاء أممية عالمية تمتد على مدى الأرض، وتمد القضية الفلسطينية بعمق إنساني غير مسبوق، وبمحتوى أخلاقي ومضمون سياسي يجعل من فلسطين قضية برّ وبحر وأرض وسماء؟