استمع إلى الملخص
- تعكس الإقالة خلافات عميقة بين نتنياهو وبار، تتعلق بالسياسات الحكومية مثل خطة تقييد القضاء، وقضايا شخصية كتسريب وثائق سرية، مما يشير إلى محاولات نتنياهو للسيطرة على الأجهزة الأمنية.
- يسعى نتنياهو لتعزيز استقرار التحالف الحكومي وضمان تمرير الموازنة، بينما ينتظر تنفيذ الإقالة قرار المستشارة القضائية وتدخل المحكمة العليا، مما قد يسبب أزمة دستورية.
أبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مساء الأحد، رئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" رونين بار بقراره التقدّم للحكومة بمقترح لإقالته، معللاً ذلك بانعدام مستمرّ للثقة بينهما. في مقطع فيديو قصير نُشر عقب الإعلان عن القرار، أوضح نتنياهو قراره للجمهور الإسرائيلي بشأن رئيس الشاباك قائلاً: "نحن في خضمّ حرب وجودية، نخوضها على سبع جبهات. وفي مثل هذه الأوقات، يجب على رئيس الحكومة أن يضع ثقته الكاملة في رئيس الشاباك لكن للأسف الوضع هو العكس: ليس لدي هذا النوع من الثقة". وأضاف: "بصفتي رئيس الحكومة المسؤول عن الشاباك، فأنا على يقين من أن هذه الخطوة ضرورية لإعادة تأهيل الجهاز، وتحقيق جميع أهداف حربنا، ومنع الكارثة المقبلة".
يحاول نتنياهو، كما اعتاد في قراراته المثيرة للجدل، تسويق الخطوة داخل المجتمع الإسرائيلي والمنظومة السياسية على أنها ضرورية لأمن إسرائيل ولتحقيق أهداف الحرب. كما يسعى إلى ربط الإقالة بفشل الشاباك في منع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023، مبرراً بذلك قراره بأنه خطوة استباقية لمنع أي إخفاق مستقبلي، وبهدف إعادة بناء جهاز الشاباك. لكن في الواقع، يستمر نتنياهو في محاولات إبعاد الشبهات عن نفسه، ونفي الادعاءات بأن قراراته تستند إلى مصالحه الشخصية، سواء على المستوى السياسي أو القضائي.
قرار إقالة رئيس الشاباك
لم يكن قرار نتنياهو بإقالة رئيس الشاباك رونين بار مفاجئاً، إذ كانت التسريبات من مكتب رئيس الحكومة تشير منذ فترة إلى نية نتنياهو اتخاذ هذه الخطوة، تحت ذريعة "انعدام الثقة العميق". استخدام مصطلح "عدم الثقة" في هذا السياق، هو غطاء لخلافات أعمق بين نتنياهو وبار، والتي لم تبدأ مع الإخفاق الأمني في هجوم السابع من أكتوبر 2023، ولا تنتهي بالتحقيق الذي فتحه الشاباك أخيراً حول تسريب وثائق سرية متعلقة بالحرب على غزة إلى وسائل إعلام أجنبية، وهي تسريبات قد تطاول مكتب نتنياهو نفسه. كما تأتي إقالة بار في إطار محاولة نتنياهو المستمرة لإحكام قبضته على الأجهزة الأمنية، والتخلص من شخصيات قد تشكل تهديداً له سياسياً وقضائياً. بدأت الخلافات بين رئيس الشاباك رونين بار (الذي تم تعيينه خلال حكومة نفتالي بينيت ــ يائير لابيد) ونتنياهو بالتفاقم منذ أوائل عام 2023، بعدما عارض بار خطة الحكومة لتقييد القضاء، التي هدفت إلى تقليص صلاحيات السلطة القضائية والحد من تدخلها في قرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية. في اجتماع مع نتنياهو بتاريخ 23 مارس/آذار 2023، صرّح بار بوضوح أن الخطة تضعف إسرائيل بسبب الانقسام الحاد داخل المجتمع الإسرائيلي، كما أنها تعزز التهديدات الأمنية التي تواجهها الدولة.
يؤيد جهاز الشاباك، كبقية الأجهزة الأمنية والجيش، التوصل إلى اتفاق تبادل مع حركة حماس
تفاقمت الخلافات بين رئيس الشاباك ورئيس الوزراء بشكل كبير بعد الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر 2023، إذ حاول نتنياهو تحميل الأجهزة الأمنية والجيش المسؤولية الكاملة عن الفشل، وإبعاد أي مسؤولية عنه شخصياً. أراد أن يبقى الإخفاق محصوراً في المجال العسكري، من دون أن يمتد إلى سياساته تجاه حركة حماس وقطاع غزة، أو حتى القضية الفلسطينية بشكل عام، خلال العقد الأخير. كما لم يخفِ نتنياهو ولا رئيس الشاباك الخلافات بينهما حول إدارة الحرب على غزة، وحول إدارة ملف المفاوضات مع حركة حماس، التي أدت في نهاية المطاف إلى استبدال طاقم المفاوضات الذي شارك به رئيس الموساد ديفيد برنيع ورئيس الشاباك رونين بار، وتوكيل الوزير رون ديرمير، المقرّب من نتنياهو، بإدارة ورئاسة طاقم المفاوضات.
وعلى عكس نتنياهو يؤيد جهاز الشاباك، كبقية الأجهزة الأمنية والجيش، التوصل إلى اتفاق تبادل مع حركة حماس، ويولي أهمية بالغة لإطلاق سراح الأسرى والمخطوفين الإسرائيليين في غزة. كما يختلف بار مع نتنياهو حول أهمية وضرورة إقامة لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر، وعدم تأجيل ذلك. وفي عرض نتائج التحقيق الداخلي لجهاز الشاباك حول أحداث السابع من أكتوبر 2023 في مطلع شهر مارس الحالي، عاد رئيس الشاباك وشدّد على أهمية إقامة لجنة تحقيق رسمية حول الأحداث وما سبقها، بما يشمل دور المؤسسة السياسية والقرارات الحكومية، تحديداً قرارات نتنياهو، معتبراً أنها ساهمت في حدوث الإخفاق. وهو ما أزعج نتنياهو جداً.
الخلافات بين الرجلين لم تتوقف عند قضايا عامة تتعلق بالأمن القومي وادارة المفاوضات، بل طاولت جوانب شخصية، وشبهات قد تطاول نتنياهو شخصياً، مع بدء جهاز الشاباك التحقيق مع موظفين في مكتب رئيس الوزراء بشبهات تسريب وثائق سرية إلى الصحافة الأجنبية، وكذلك مع عدد من مستشاري نتنياهو بسبب عملهم. لم يكتفِ نتنياهو بالعودة إلى الحرب على قطاع غزة، بل واصل التصعيد داخلياً ضد رؤساء الاجهزة الأمنية، التي تعتبرها أحزاب اليمين المتطرف جزءاً من الدولة العميقة والنخب القدمية، التي تحاول منع استقرار حكم اليمين. بينما تريد أحزاب اليمين تبديلها لتمثل إرادة الشعب الحقيقية، التي تعبر عنها أحزاب اليمين، كما تدعي. من هنا لا يمكن تجاهل اعتبار الحفاظ على التحالف الحكومي واستقراره من ضمن الاعتبارات التي أدت الى قرار نتنياهو إقالة رئيس الشاباك، ومن محاولات إرجاع حزب "العظمة اليهودية" برئاسة إيتمار بن غفير المستقيل، إلى الائتلاف الحكومي ودعم الموازنة الحكومية، ذلك لأن بن غفير طالب قبل استقالته عدة مرات بإقالة بار لكونه يعيق تحقيق أهداف الحكومة واليمين.
ردود فعل أحزاب اليمين على قرار إقالة بار تشي بما يختلج بقلوبهم، إذ رحّب بن غفير بقرار إقالة رئيس الشاباك، وقال ان "هذا شيء كنت أطالب به منذ وقت طويل، ومن الأفضل أن يأتي متأخراً من ألا يأتي أبداً". وأضاف أنه "لا يوجد مكان في بلد ديمقراطي لمسؤولين يتصرفون سياسياً، بطريقة معادية للمسؤولين المنتَخَبين". وبالتوازي مع قرار إقالة بار توصّل نتنياهو قبل عدة أيام إلى اتفاق مع الوزير جدعون ساعر المنشق عن الليكود وحزبه "اليمين الرسمي"، للاندماج مجدداً في حزب الليكود، مع تحصين أماكن لأعضاء من حزب "اليمين الرسمي" في قائمة الليكود في الانتخابات القادمة.
لا يمكن فهم إقالة رئيس الشاباك دون ربطها أولاً بمسعى نتنياهو ربط الإخفاق الكبير بالمؤسسات الأمنية
نتنياهو واستقرار التحالف الحكومي
بذلك يسعى نتنياهو إلى ضمان تمرير الموازنة الحكومية قبل نهاية الشهر الحالي، وضمان استقرار التحالف الحكومي، ولو عارض اقتراح القانون عدد من أعضاء حزب "يهدوت هتوراه" الشركاء في التحالف الحكومي، بسبب عدم سن قانون إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، كما وعدهم نتنياهو مراراً وتكراراً منذ تشكيل الحكومية الحالية. وبسبب مطالب مالية لم تدرج في موازنة الحكومة. نتيناهو لا يريد تمرير قانون الموازنة بأغلبية صغيرة قد تضر التحالف الحكومي، وتصوّره بأنه تحالف ضعيف وهش، الأمر الذي يمكن أن يقلّل من التزام الأحزاب الحريدية للتحالف الحكومي، ويفتح شهية بن غفير لابتزاز نتنياهو أكثر كي يعود إلى التحالف الحكومي، وربما يؤدي إلى تشجيع عدد من أعضاء الليكود على رفع سقف العصيان تجاه سياسات نتنياهو.
ولا يمكن فهم إقالة رئيس الشاباك دون ربطها أولاً بمسعى نتنياهو ربط الإخفاق الكبير بالمؤسسات الأمنية، وإقالة قياداتها أو استقالتهم، كما فعل حين أقال وزير الأمن السابق يوآف غالانت، واستقالة رئيس الأركان العامة هرتسي هاليفي، وعدد من قيادات الجيش، كي يبعد عنه التهمة حول المسؤولية في الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر، ويمنع تبعات ذلك السياسية. وثانياً، يمكن ربط إقالة رئيس الشاباك بمحاولات نتنياهو السيطرة على المؤسسات الأمنية والعسكرية وتعيين رؤساء مقربين من أحزاب اليمين، وثالثاً الاستفادة من إقالة بار في إعادة ترتيب واستقرار التحالف الحكومي في شهر مصيري. في المقابل، فإن تنفيذ إقالة بار ينتظر قرار المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ـ ميارا، حول قانونية القرار ودور تناقض المصالح في قرار نتنياهو. كما ينتظر تدخل المحكمة العليا، إذ صرح عدد من أحزاب المعارضة بنيتهم تقديم التماس ضد قرار الإقالة. فهل سينجح نتنياهو في التخلص من بار أم أن قراره سيؤدي إلى أزمة دستورية، ومنها إلى أزمة سياسية جدية، أو أنه سيكون مقدمة وحجة للسير قدماً في محاولات الحكومة إقالة المستشارة القضائية للحكومية. وبذلك يستكمل نتنياهو واليمين مهمة السيطرة على المؤسسات الأمنية والقضائية.