نائل البرغوثي لـ"العربي الجديد": الأسرى يتعرضون للتنكيل بقرار حكومي
استمع إلى الملخص
- الرسائل السياسية والضغط: اقتحام زنزانة مروان البرغوثي من قبل وزير الأمن القومي الإسرائيلي يُعتبر رسالة تهديد للسلطة الفلسطينية، حيث تُستخدم هذه الممارسات لكسر إرادة الأسرى، لكنهم يظلون متمسكين بقضيتهم.
- التحديات بعد الإفراج: نائل البرغوثي يواجه تحديات بعد الإفراج عنه، مثل منع لقاء زوجته، مما يُستخدم كورقة ضغط على الأسرى، لكنهم يظلون جزءاً من النضال الفلسطيني.
ـ إذا أردنا تصوير شكل التعذيب في السجون الإسرائيلية، أعتقد أنه سيخرج فيلم رعب لا تقدر هوليوود على إنتاجه أو تصويره.
ـ اقتحام بن غفير زنزانة مروان البرغوثي رسالة للسلطة ولحركة فتح بأنكم لستم بعيدين عن التعذيب.
ـ لم آتِ إلى تركيا في زيارة، ولكن إقامة لمدة عامين، وهو جزء من اتفاق عام لاستقبال مجموعة من الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم ضمن عمليات التبادل.
ـ بعد "طوفان الأقصى" أُلقي كل ما يسمى ويمثل القانون خلف ظهورهم، وأصبحت تحكمنا عصابة، لديها رغبة في قتل كل فلسطيني، وليس الأسير فقط، ولكن الأسير هو الحلقة الأضعف.
قال عميد الأسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي، في حوار مع "العربي الجديد"، إنه انتقل للإقامة في تركيا ضمن توافقات الإفراج عنه، بعد تسوية الأوراق قادماً من مصر، مبيناً أنه لم يلتق زوجته بعد، وهي ممنوعة من السفر، رغم أنها حاصلة على تأشيرة دخول إلى تركيا. وكشف البرغوثي عن أساليب التعذيب الجسدي والنفسي في السجون الإسرائيلية، من الضرب والتجويع والتنكيل، معتبراً أنه إذا أريد تصوير شكل التعذيب في السجون الإسرائيلية، فإن فيلم رعب سيخرج لا تقدر هوليوود حتى على إنتاجه أو تصويره، مؤكداً أن الغالبية العظمى من الأسرى متمسكون بحقهم في نظرتهم إلى وطنهم السليب والمحتل، وفي التحرر والحرّية لوطنهم ولشعبهم، ويقفون خلف المقاومة، لأنهم أصلاً مقاومون.
وتطرق البرغوثي إلى المشاهد التي أظهرت القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي، خلال اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير له في العزل، مبيناً أن "الأخ مروان رمزيته في الحركة الأسيرة والبعد الوطني، هذه رسالة للسلطة ولحركة فتح بأنكم لستم بعيدين عن التعذيب، هذا الكيان في دائرة التوحش والحقد، ويجب علاجهم من الوزير إلى الغفير، علاج نفسي عالمي، ومعاقبتهم ومحاسبتهم بأشد العقاب".
تمّ تغييب الأسرى عما يجري في الخارج بنسبة 98%
واعتبر أنه "بعد طوفان الأقصى، أُلقي كل ما يسمى ويمثل القانون خلف ظهورهم (السلطات الإسرائيلية) وأصبحت تحكمنا عصابة، لديها رغبة في قتل كل فلسطيني وليس الأسير فقط، ولكن الأسير هو الحلقة الأضعف، إنسان مقيّد في يديه وفي قدميه وفي زنزانة".
في ما يلي نص الحوار:
*بداية نراك في زيارة لتركيا، حدثنا عن أهداف الزيارة وماذا ترغبون في القيام به؟
لم آتِ في زيارة، ولكن إقامة لمدة عامين، لغاية إمكانية عودتنا إلى فلسطين، نسأل الله أن تكون قريبة بأقل من عامين، ولكن وجودنا في تركيا جزء من اتفاق عام، واستقبال مجموعة من الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم ضمن عمليات التبادل ما بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، وهذه الإقامة إن شاء الله، نتعرف ونندمج مع كل ما هو إيجابي في المجتمع التركي الشقيق، نكون إيجابيين بما نلاقيه من الترحاب الشعبي الحقيقي والرسمي.
*هل التقيت زوجتك (إيمان نافع)؟ هل هناك أفق وأمل ما في هذا الموضوع؟
للأسف، أنا ومعظم زملائنا الذين أفرج عنهم لم نلتقِ زوجاتنا وأهلنا، لمنع الاحتلال السماح لهم بالدخول إلى الأردن، ومن ثم إلى الدول التي نوجد فيها، هناك أسرى عائلاتهم حاولت مرات عدة، زوجتي حاولت مرتين ومُنعت، وهذا جزء من الضغط على الأسرى وعلى المفاوض الفلسطيني لكي يتنازل عن بعض الأمور، وورقة ضغط استخدمت للمساومة. لغاية الآن لم نلتق، هذا أمر سياسي وكيدي من حكومة فاشية، تحاول أن تستغل وتستثمر كل ورقة بإمكانها أن تبتز فيها المقاومة، اليوم ابتزت الأسرى بمنع أهاليهم من اللقاء، وتبتز الناس اليوم بمأكلهم ومشربهم في غزة.
*زوجتك لديها تأشيرة دخول إلى تركيا؟
لديها تأشيرة دخول إلى تركيا، ولكن الاحتلال منعها من المغادرة.
*خرجتم من السجون الإسرائيلية قبل أشهر، ما أوضاع ظروف المعتقلين الأسرى في السجون الإسرائيلية، خصوصاً أنك ذكّرت بوجود تعذيب وتنكيل بحقهم؟
نحن خرجنا من الأسر (أفرج عن نائل البرغوثي في فبراير/شباط 2025) وتركنا خلفنا الآلاف من الزملاء والإخوة والأصدقاء ورفاق الدرب، وتعرضنا ويتعرضون الآن لتنكيل بقرار حكومي مغطّى من أعلى هرم سياسي وشعبي لدى الكيان الصهيوني، ومغطى أيضاً من الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب، ومن بعض الحكام والسياسيين في أوروبا لعدم محاسبتهم لهذا الكيان الغاصب عن أبشع أنواع التنكيل الذي لم يمر فيه إنسان. حتى في السجون النازية التي يحاولون الترديد بأنهم هم الوحيدون الذين تعرضوا للتعذيب فيها، هذا لا يقارن، لأننا نتعرض للتعذيب أكثر من أي منطقة أخرى حكمها محتل، ابتداءً من الضرب المبرح، الغاز، القنابل الصوتية، الأرجل، ركلات، لكمات، كلاب، هذه وجبات يومية، بالإضافة إلى التجويع الممنهج. الأسير الفلسطيني يعاني في صحته من حيث الوزن، ومن حيث الصحة، وكثير من الأسرى خسروا من أوزانهم ما لا يقل عن 30 كيلوغراماً، تجويع ممنهج بإشراف لجان طبية وخبراء في علم التغذية، بالإضافة إلى تعرضنا لتسمم أكثر من مرة بشكل متعمد، وهذه أحدثت ضجة عندما كُشفت وتمّت التغطية عليها، ومن قام بفعل ذلك رُقِّي بعد أقل من شهرين، وعاد لعمله الأول بعد إعادته بعملية تنكيل جديدة بالكلاب والهراوات والغاز، وهذا شبه يومي واستفراد بكل أسير يأتي جديداً. هذه رسائل لأبناء الشعب الفلسطيني، يعني هناك أطفال أعمارهم أقل من 15 عاماً يجري التنكيل بهم كأنهم مجرمون، وهذه رسائل لجيل كامل حتى يقولوا إن الاحتلال لا يرحم أحداً، ويحاول ردعه عن العمل المقاوم.
النساء كذلك تعرضن للتعذيب والتعرية والإهانة بكل الكلمات النابية، والتهديد بالاغتصاب، وهناك أسرى اعتُدي عليهم، بالإضافة إلى الاعتداء الجسدي الجسيم، وهناك من استشهدوا، استشهد أكثر من 75 أسيراً بقتل متعمد، وهناك أكثر من هذا العدد مخفي لدى الاحتلال في السجون التي لم تزرها أي جهة دولية، بالذات من إخواننا في قطاع غزة، بالإضافة إلى بتر الأعضاء بعدم العلاج وبشكل ممنهج، وأعتقد أيضاً أن هناك حالات ستكشف عنها الأيام من سرقة أعضاء من كثير من الشهداء الذين أعتقد أنهم يُعدَمون من أجل هذه القضية، وهذا ليس جديداً على هذا العدو، لأن هذا الملف طرح سابقاً قبل عشرات السنين، واعترفوا بأننا تعرضنا، بصفتنا أسرى، لعمليات تجارب طبية على أدوية يجري إنتاجها، وهذا باعترافهم، ونوقشت في ما يسمى الكنيست. هذا يعني بالحد الأدنى، ولكن إذا أردنا أن نصور شكل التعذيب، أعتقد أنه سيخرج فيلم رعب هوليوود لا تقدر على إنتاجه أو تصويره.
*هذا من الناحية الجسدية، ماذا عن النفسية؟ ما الضغوط النفسية على الأسرى، وهل تؤثر فيهم؟
من الناحية النفسية، نبدأ من العبادات، منع الأذان في السجون، ومن بداية "طوفان الأقصى" منعت صلاة الجمعة، وهناك بعض السجون من يصلي صلاة الجماعة في داخل غرفة يُعتدى عليهم. إضافة إلى عدم توفير الملابس، وإبقاء الأسير في حالة عدم نظافة، وانتشار الأمراض، وهذا يترك أثراً نفسياً على شاب دخل صحيح الجسم، وتركت الأمراض فيه الندوب من خلال أمراض تترك أثرها، المسمى الجدري، بالإضافة إلى الجروح التي لا تُعالَج، أوجاع الأسنان التي يعرفها الجميع مثلاً لم نتلق أي حبة مهدئ لها لأيٍّ كان، فضلاً عن الإصابات الناجمة عن الضرب، يُترك الأسير مكبلاً في يديه وقدميه ساعات طويلة، وهو ملقى على الأرض، فيما الكلاب تنهشه. بالإضافة إلى أن السجّانين يتفننون في أشكال التعذيب.
نائل البرغوثي: بن غفير وزير غبي حاقد على كل ما هو فلسطيني، حتى على الذي لم يقاوم، حاقد على كل ما هو عربي، وهو يجاهر بذلك ويفتخر
هناك أيضاً عدم زيارة الأهل، وعدم معرفة أي شيء يجري في الخارج. وكلما يحدث عمل مقاوم ناجح كان الأسرى يدفعون الثمن، لكونهم حلقة أضعف، وقد تُرك الأسرى فترات طويلة في زنازين منفردة. هذا من حيث الشكل النفسي، بالإضافة إلى التهديدات الدائمة وأشكال الرعب. يعني يوضع الإنسان في زنزانة وتتجمع حوله حلقة من السجّانين، ويبدأون بالنباح كالكلاب أحياناً على الأسير والتهديد بالقتل والاغتصاب، وهذا يترك أثراً نفسياً، بالإضافة إلى أن الضغط النفسي وضعته لجنة أيضاً من خبراء علم النفس، حتى يكون هناك ارتداد سلبي على الأسير، فعندما يخرج إلى المجتمع الفلسطيني، يريدون عوضاً عن أن يحقد على الاحتلال، يدين ما حصل، وهذا لم ولن يحصل، لأن الأسرى أصحاب قضية، ولديهم الوعي الذي يتجاوز كل هذه الأشكال من التعذيب، لأنهم أصحاب قضية ووعي لذلك.
*هل يعني أن هذه الممارسات لم تؤثر سلباً في الأسرى؟
لم ولن تكسر الأسرى هذه الأشكال من العذابات، ولا أشد منها. الغالبية العظمى من الأسرى متمسكون بحقهم في نظرتهم لوطنهم السليب والمحتل، وفي التحرر والحرية لوطنهم ولشعبهم، ويقفون خلف المقاومة لأنهم أصلاً مقاومون، فبالتالي الإنسان لا يدين نفسه. هذه قناعة لدى الجميع وثبت عقم كل هذه العذابات وعدم نجاحها في دفع الأسير الفلسطيني للتراجع عن قناعاته، هذه في علم الوهم لدى الكيان، وهم يعلمون ذلك.
*شاهدنا نموذجاً قبل أيام، الوزير إيتمار بن غفير زار الأسير مروان البرغوثي ومارس عليه ضغطاً كبيراً مهدداً إياه، كيف تصف حالة البرغوثي؟ وهل هي نموذج للعذابات التي تحدثت عنها؟
هذه إطلالة في أقل من دقيقة رآها العالم، إذا كنّا نريد أن نوصّفها بين قوسين "علاقة حضارية"، ولكن ما يجري في الخفاء أكبر، محاولة التهديد لإيصال رسالة بأنه "أنا السيّد"، وهذا وزير غبي حاقد على كل ما هو فلسطيني، حتى على الذي لم يقاوم، حاقد على كل ما هو عربي، وهو يجاهر بذلك ويفتخر، وكل العالم يشاهده منذ طفولته وتدرجه في العمل السياسي: لديه حقد عجيب على العرب والمسلمين، وسلوكه في المسجد الأقصى واضح، والتحريض على هدم كل ما هو إسلامي في المسجد الأقصى. كانت له فرصة في هذا الزمن وهذا الوقت، بأن ينفذ سياسته من خلال إقصاء كل السجّانين الذين يلتزمون على الأقل الحد الأدنى من القانون، واستبدلهم برجالات أقرب لأن يكونوا عصابات، وكان يشرف على التعذيب قبل ذلك، كان يحضر جلسات تعذيب ويواكبها ويعطي الأوامر بالتشدّد والتجويع. وأعلن بن غفير أكثر من مرة أمام الإعلام بفخر: نحن نعطي الأسرى الحدّ الأدنى حرفياً من الأكل، قال ذلك بشكل واضح وصريح، والعالم سمعه بالصوت والصورة.
الأخ مروان رمزيته في الحركة الأسيرة والبُعد الوطني، وما قام به بن غفير رسالة للسلطة ولحركة فتح بأنكم لستم بعيدين عن التعذيب، وهذه رسالة قد يكون لها ارتداد إيجابي في داخل حركة فتح والشعب الفلسطيني بأن أبناءهم، سواء أكان شاباً صغيراً، شبلاً كما نسميه، أو قائداً له رمزيته، يتعرضون جميعهم للتعذيب، ويجب على كل العالم، وليس الشعب الفلسطيني فقط، أن يرى هذا الكيان الذي يجب أن يخرج من دائرة التاريخ الإنساني، هم الآن في دائرة التوحش والحقد، ويجب علاجهم من الوزير إلى الغفير، علاج نفسي عالمي، ويجب معاقبتهم ومحاسبتهم بأشد العقاب.
*بالحديث عن المواقف التي تعرّضت لها، ما أكثر المواقف التي أثّرت بك؟
هناك الكثير منها، العشرات إن لم يكن أكثر، سواء على الصعيد الشخصي، العائلي، أو على الصعيد الوطني، أو الإنساني والعالمي، لكن أحداً لم يرَ دمعتي، قليلون جداً، دمعتي أكبسها، ودموع قلبي أشد عليّ من دموع عيني، ولكن واجبنا أن نبقى متماسكين، وإذا كانت هناك حالة إنسانية للبكاء، يبكيها الإنسان بينه وبين نفسه. أذكر على سبيل المثال، فقدان الوالد، وثم الوالدة، ثم الأخ وابن الأخ شهيداً، هذا على الصعيد العائلي البسيط.
ما جرى في غزة قبل "الطوفان" بـ10 أو 15 أو 20 سنة، من عمليات استشهد فيها الكثير من الأطفال والفتيات. أذكر أنه في عام 2004 قُصفَت عائلة كاملة، وبقيت ابنة صغيرة تصرخ خلال التصوير، اسمها هدى غالية، هذا موقف، ومثله الكثير من المواقف، وهناك موقف أذكره في عام 1988 خلال الانتفاضة الأولى، حين شاهد العالم كلّه على التلفاز مستوطنين وجنوداً يقتلون طالبة توجيهي، ويقتلون حماراً، ويحرقون زرع بيدر في قرية، وهم لديهم آية توراتية: اقتل، واقتل الدابة أو خذ حماره. هذا كان له صدى إعلامي، وأنا تأثرت به، ربطت الإنسان الفلسطيني بأرض الزرع، وأداة عمله الحمار، والمستقبل في الابنة التي تتعلم، يعني كان تأثير الصورة على التلفاز شديداً عليّ.
*بعد كل هذا الحديث عن أوضاع الأسرى، كيف تصف الحركة الأسيرة وأوضاع الأسرى قبل "طوفان الأقصى" وما بعدها؟ ما هي الاختلافات؟
الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال كانت وستبقى دائماً مكوناً رئيسياً من مكونات النضال الفلسطيني، تمتلك الكوادر والمقاتلين والمناضلين، وتجمعهم رغم تعرضهم منذ بداية الاحتلال لمحاولات كسرهم من الناحيتين النفسية والجسدية، ولكن كنا نتكتل ونبني أنفسنا لغاية ما تمّ بناء صرح داخل السجون، بناء التنظيم الإداري والثقافي والإنساني وقوة الروح الوطنية لكل أسير وتعزيزها. هذا الأمر فرضناه على مديرية السجون، وكان لنا تأثير في الشارع الفلسطيني من خلال إضراباتنا المتعاقبة والمتعددة لتحقيق حقوقنا، وأصبحنا نشكّل معادلة في السياسة الفلسطينية والصهيونية، بحيث إنه في لحظات كانوا يريدون فيها الهدوء، ننفذ إضراباً من أجل تحقيق بعض المطالب، وكانوا يتجاوبون معنا ليس محبة فينا، ولكن خوفاً من أن تتفجر الأوضاع في فلسطين والضفة الغربية.
ولكن بعد "الطوفان" أُلقي كل ما يسمى ويمثل القانون خلف ظهورهم، وأصبحت تحكمنا عصابة لديها رغبة في قتل كل فلسطيني وليس الأسير فقط، ولكن الأسير هو الحلقة الأضعف، إنسان مقيّد في يديه وفي قدميه وفي زنزانة، وتخيل أن يدخل عليك خمسة أو عشرة سجانين في زنزانة، الكل يريد أن ينال منك: هذا يركل، وهذا بقبضته، قبضاتهم كانوا يلبسونها نوعاً من العظم، نقول عنها البومة، كسروا أعضاءنا، كسروا أنوفنا، لكن لم يكسروا الأسرى من الناحية النفسية، وهذا الذي يؤلمهم أكثر: كيف هذا الأسير المجوع، المضروب، المهان يخرج بنفسية المناضل؟ لا يدركون أن الإنسان الفلسطيني الحقيقي هو من يتمسك في قناعاته، ومبدأه أن فلسطين يجب أن تعود لأصحابها، ويجب أن يعود أصحابها المشردون إليها.
هذه قناعة لهذا التيار قبل "الطوفان"، و"الطوفان" كان بالنسبة إلى الأسرى المفتاح الأوضح والأكثر وضوحاً لإطلاق سراحهم، يعني في تاريخ الثورة الفلسطينية وحتى التاريخ العربي للمرة الأولى، يكون لدى المقاومة أكثر من 250 أسيراً من الجنود والضباط والكوادر في الأجهزة الأمنية، هذا بحد ذاته كان بارقة أمل، ولذلك ضُغط على الفلسطيني وعلى الأسرى من خلال ضرب البنية التحتية للشعب الفلسطيني، قتل الأطفال والنساء حتى يظهروا بأن سبب قتل هؤلاء الأطفال هم الأسرى، ولكن لم يعلموا أننا نحن جزء من صراع ممتد من أكثر من 100 عام، المذابح اللي ارتكبوها ويرتكبونها، هم ارتكبوها قبل أن يولد كل قادة "حماس"، في دير ياسين وفي الطنطورة، عشرات المذابح في شمال فلسطين وفي جنوبها وهي معروفة، وكشف عنها الأرشيف الصهيوني والمؤرخون الجدد، هم لديهم رغبة وهواية بالقتل. هذه حقيقة وقالوها في أدبياتهم: العربي الميت خير من العربي الحي، والأسرى هم من يدفعون الثمن، ولكن لم ولن يهزمونا، لأننا أصحاب قضية وقناعة تامة في عدالة قضيتنا.
*كيف ينظر الأسرى إلى ما يجري في قطاع غزة حالياً؟ وما نظرتهم للقضايا الأساسية في الساحة الفلسطينية؟
أولاً، جرى تغييبنا عما يجري في الخارج بنسبة 98%، لا ندري ولا نعلم شيئاً، ولكن هناك بعض شذرات الأخبار من خلال بعض المحامين الذين يتجرؤون ويقولون كلمة وتبني عليها، من خلال أسير جديد، هذا فقط ما نعلمه، ونظرة الأسرى هي أن هذا العدو مجرم، وثبتت مصداقيتنا في نضالنا دائماً أننا نقاتل مجرمين، وغالبية الأسرى من كل الانتماءات هم قلباً وقالباً خلف المقاومة. نعم تألمنا ونتألم وما زلنا نتألم بالضحايا في غزة بالذات، وفي الضفة الغربية التي لا يوجد فيها "طوفان"، ولكن هناك أكثر من ألفي شهيد أعزل، لقد دمّروا مخيمات، جنين، طولكرم، كلّها دُمِّرَت على طريقة غزة. ما حصل أنه في وجدان الكيان الصهيوني يجب القضاء على القضية الفلسطينية في كل مكان. قبل يومين، أُعلنَت نيات حقيقية للكيان، ممثلة برئيس الحكومة المجرم (بنيامين نتنياهو) بأن حلمهم إسرائيل الكبرى، وكنت أقول إن هذا الأمر سيؤدي تدريجياً، وبشكل تراكمي، إلى تثوير الشارع العربي والإسلامي، لأنهم ينظرون إلى كل المحيط بأنه تابع لهم، حتى تركيا نُظر إليها بالترويج لدى الإعلاميين بأن الدور قادم عليها، أي إيران ومن ثم تركيا بوصفها دولة محورية في المنطقة، والشعب المصري يرفض أن تمسّ كرامته، وكل يوم هناك ضربات في سورية، لماذا يضرب هناك في الشمال والجنوب وفتن طائفية؟ دلالة على أن لديه نظرة توسعية سواء وجدنا بصفتنا فلسطينيين أو لا، هذا مشروع صهيوني إمبريالي: يجب السيطرة على هذه المنطقة من خلال هذه الأداة التي تسّمى إسرائيل، بالتالي فإن علاقتنا تتفاعل مع المحيط العربي تصاعدياً، كل الشعب العربي، وإن كان مكبوتاً، يشعر أن المقاومة الفلسطينية تمثله، المقاومة الفلسطينية هي السدّ الأول والخندق الأول في الدفاع عن التركي وعن العربي وعن الكردي وعن الإنساني.