ميثاق أديس أبابا: "مصالحة" ليبية بغياب أبرز الأطراف

15 فبراير 2025
من مراسم توقيع ميثاق أديس أبابا، 14 فبراير 2025 (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فشل الاتحاد الأفريقي في توقيع ميثاق السلام في ليبيا بسبب غياب معظم الأطراف الليبية الرئيسية، مما يعكس الانقسامات العميقة. ورغم اعتبار التوقيع "حدثاً تاريخياً"، إلا أن غياب مجلس النواب وقيادة حفتر وحكومتي البلاد كان لافتاً.

- يتضمن الميثاق عشرة فصول تركز على العدالة الانتقالية والأبعاد الأمنية والاقتصادية، مع التأكيد على نبذ العنف وضرورة الانتخابات. ومع ذلك، لم يلقَ ترحيباً محلياً وانتقده رئيس المجلس الأعلى للدولة لخلطه بين المصالحة والتسوية السياسية.

- تواجه المبادرة تحديات بسبب الخلافات الداخلية والتدخلات الخارجية، مع رفض حكومة الوحدة الوطنية المشاركة وتفضيلها مساراً محلياً للمصالحة، مما يعكس تعقيدات المشهد السياسي الليبي.

فشل الاتحاد الأفريقي في إقناع الأطراف في ليبيا بتوقيع ميثاق السلام والمصالحة الوطنية، بعد سنوات عدة من عمله عليه، إذ تغيبت غالبيتها عن مراسم توقيعه التي أقيمت أمس الجمعة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

ورغم إعلان الاتحاد الأفريقي عن توقيع الميثاق، إلا أن مراسم التوقيع لم تشارك فيها إلا بضع شخصيات قَبَلية، مثّلت سيف الإسلام نجل العقيد الراحل معمر القذافي، وممثل عن المجلس الرئاسي، وآخر عن المجلس الأعلى للدولة، دون مشاركة أي تمثيل للأطراف الليبية الأخرى. وفيما نشر مفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن بانكولي أديوي، عبر صفحته الشخصية على منصة إكس، مشاهد من مراسم توقيع الميثاق، لم يظهر أي ممثلين عن مجلس النواب وقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر أو حكومتي البلاد؛ الوحدة الوطنية في طرابلس والمكلفة من مجلس النواب في بنغازي، فضلاً عن غياب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي عن مراسم التوقيع، على الرغم من وجوده في العاصمة الإثيوبية للمشاركة في أعمال الدورة العادية الثامنة والثلاثين لمؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي.

واعتبر أديوي أن توقيع الميثاق يمثل "حدثاً تاريخياً"، وأنه جزء من جهود الاتحاد الأفريقي لدعم السلام والمصالحة في ليبيا، وشاركه في ذلك رئيس جمهورية الكونغو ورئيس اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، دينيس ساسو نغيسو، الذي أعرب عن أمله في أن يساعد هذا الاتفاق الليبيين على تشكيل حكومة موحدة، وجيش وطني موحد، ومؤسسات وطنية ذات سيادة. وتضمّن نص الميثاق عشرة فصول حول المبادئ الأساسية للسِّلم والمصالحة، وآليات تطبيقها، والعدالة الانتقالية، والأبعاد الأمنية والعسكرية والاقتصادية للمصالحة.

وشدد نص الميثاق على القيم الأساسية للمصالحة، وهي نبذ العنف والكراهية، وأحقية جميع الليبيين في ثرواتهم، وربط المصالحة بالوفاق السياسي، بالإضافة إلى عدد من الأهداف مثل جبر الضرر وإعادة الحقوق، وتحقيق التنمية في كل مناطق البلاد، وإعادة كتابة تاريخ ليبيا السياسي. وأكد نص الميثاق "ضرورة الإسراع في الإعداد للانتخابات العامة على الصعيد السياسي، والقانوني، والأمني، واللوجستي، مع وقف أي إجراءات تشكل إقصاءً أو استبعاداً سياسياً من المشاركة في الانتخابات"، وكذلك "رفض الإقصاء بكل أشكاله سواء كان سياسياً، أو اجتماعياً، أو اقتصادياً، أو ثقافياً، ورفض أي ممارسات أو تصريحات تتبنّى خطاب الكراهية".

كما أكد الميثاق على "وقف المحاكمات، والملاحقات، والاعتقالات ذات الطابع السياسي، وإفساح المجال المشاركة للجميع". وتُعدّ المصالحة الوطنية من أهم الاستحقاقات التي نصت عليها التشريعات التي نص عليها الإعلان الدستوري (الدستور المؤقت الصادر عام 2012)، والاتفاقان السياسيان في الصخيرات عام 2015 وفي جنيف عام 2021، إذ أوكل الأخير ملف المصالحة إلى المجلس الرئاسي الحالي، وشدّد على أولويته مهمةً أساسيةً له، إلا أن الأخير لم ينجز فيه أي خطوات منذ تسلّمه للسلطة في فبراير/ شباط 2021.

ولم يلقَ توقيع الميثاق أي ترحيب محلي، وفيما التزم مجلس النواب وقيادة حفتر وحكومتا البلاد الصمت حياله، أبدى محمد تكالة تحفظه على نص الميثاق، منتقداً ما اعتبره خلطاً في نصه بين المصالحة الوطنية والتسوية السياسية. وشدد تكالة، في بيان حمل توقيعه بصفته رئيس المجلس الأعلى للدولة، أمس الجمعة، على ضرورة أن يتضمن أي ميثاق للمصالحة آليات تطبيق العدالة الانتقالية من حيث المساءلة، وجبر الضرر، ورد الاعتبار، وكشف الحقيقة، والإصلاح القانوني والمؤسّسي، مشيراً إلى أن نص ميثاق المصالحة الذي أعلنه الاتحاد الأفريقي تجاوز تشريعات ليبية صدرت بشأن المصالحة.

ومن جانبه، انتقد عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني، ضعف تمثيل الأطراف الليبية في حفل توقيع الميثاق، محمّلاً القيادات السياسية في الشرق والغرب المسؤولية لعدم توقيعهم ميثاق المصالحة (اليوم) في أديس أبابا، وفق تدوينة كتبها عبر حسابه في منصة إكس. وينسحب موقف الكوني، الذي حضر ممثل عنه في مراسم توقيع الميثاق، على المنفي الذي لم يشارك في التوقيع، على الرغم من تأكيد الميثاق استناده إلى اختصاص المجلس الرئاسي بملف المصالحة، ما يظهر خلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي حيال الميثاق، كما يعكس تحفظ تكالة انقساماً آخر في مجلس الدولة، على الرغم من حضور عضوين من أعضاء المجلس لمراسم توقيع الاتفاق.

ولم تَصدر عن المجالس الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني أي مواقف رافضة أو مرحبة بإعلان التوقيع على الميثاق في أديس أبابا. ووفقاً للناشط في مجال المصالحة الوطنية وعضو المجلس الأعلى للمصالحة أبو بكر النعيري، فإن حكومة الوحدة الوطنية رفضت منذ البداية إرسال ممثل عنها لتوقيع الاتفاق، وعللت موقفها برفضها لأي توافق أو حوارات ليبية خارج البلاد، بل وأطلقت مساراً آخر للمصالحة عبر مخاتير المحلات بالبلديات، أما حفتر الذي كان عازماً على إرسال نجله الصّديق للمشاركة في اللقاء، فقد تراجع بسبب وجود ممثلين عن سيف الإسلام القذافي.

وبحسب ما يقوله النعيري لـ"العربي الجديد"، فإن الخلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي حيال مبادرة الاتحاد الأفريقي حَدَت بالمنفي إلى عدم المشاركة في توقيع الاتفاق، موضحاً أن المنفي طلب من مسؤولي الاتحاد الأفريقي أمس إرجاء الإعلان عن الميثاق، إلى حين إعادة عرضه على الأطراف الليبية، وإجراء تعديلات عليها.

وحول موقف مجلس النواب، كشف مصدر برلماني لـ"لعربي الجديد"، عن إبلاغ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، دينيس نغيسو، أثناء لقائه به في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في بنغازي، ضرورة إدخال تعديلات على الميثاق، وأولها استناده على القانون الذي أصدره مجلس النواب بشأن المصالحة مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، والتقيد بقرارات مجلس النواب التي قررت سحب صلاحية الإشراف على ملف المصالحة الوطنية من المجلس الرئاسي.

ووفقاً للمصدر البرلماني نفسه، فإن عقيلة صالح رفض أن يتضمن الميثاق نصوصاً تطالب بوقف محاكمة المطلوبين، لمخالفتها مبدأ جبر الضرر وتحقيق مبدأ العدالة الانتقالية، مشيراً أن هذا المطلب، الذي يتفق فيه حفتر أيضاً، المقصود به إقصاء سيف الإسلام القذافي. وبحسب النعيري، فإن المبادرة الأفريقية "فشلت" للعديد من الأسباب، منها أن استحقاق المصالحة دخل حيز المساومات السياسية وخلافات أقطاب الصراع القائم في البلاد في وقت مبكر، ما تسبب في تعثر كل الجهود الرامية لإنجازه، معتبراً أن تأثير مواقف أطراف الصراع على استحقاق المصالحة "فوّت العمل على الأسس التي كانت ستضمن النجاح، وأولها أن تجري على مستويات، أهمها المستوى الاجتماعي والقبلي، لتنطلق منها لكتابة ميثاق نابع من هذا الاستحقاق".

وفيما يعبّر النعيري عن أسفه حيال ما وصفه بـ"التدخل الخارجي في ملف المصالحة، مثل غيره من الاستحقاقات التي جرى تدويلها كالانتخابات"، يرى أن خلافات مصالح المواقف الدولية عصفت باستحقاق المصالحة، فـ"الاتحاد الأفريقي لا يملك التأثير والثقل لإقناع الأطراف الليبية بتوقيع الاتفاق، وهو بعيد جداً عن الوسط الاجتماعي كذلك، ومن الضروري النظر إلى غياب البعثة الأممية التي تقود كل شيء في ليبيا عن توقيع الميثاق".

وعلى الرغم من إعلان الاتحاد الأفريقي عن مبادرة المصالحة الوطنية طريقاً لحل الأزمة الليبية منذ العام 2021، وتكليف الرئيس الكنغولي دينيس نغيسو برئاسة لجنة عليا بالاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، والذي أجرى وزير خارجيته جان كلود جاكوسو زيارات عدّة للقاء قادة الأطراف الليبية بشأن المبادرة، إلا أن اقتراب الاتحاد الأفريقي من الخطوات الأخيرة لإنجازها، دفع بملف المصالحة إلى ساحة الخلافات الليبية وصراعها على قيادتها في الأشهر الأخيرة.

واشتد الخلاف بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب، عندما أعلن الأخير انتهاء ولاية المجلس الرئاسي ونقل صلاحياته إليه بما في ذلك ملف المصالحة الوطنية، وإصداره قانون المصالحة مطلع يناير الماضي، لكن المجلس الرئاسي مضى في أعماله الخاصة بالمصالحة، معلناً نهاية يناير انتهاء الترتيبات النهائية لعقد المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية، دون أن يحدد موعده.

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، أعلن خلال لقاء أجراه مع مخاتير المحلات في البلديات في يناير الماضي، عن عزمه رعاية مسار للمصالحة الوطنية عبر مخاتير المحلات، مؤكداً رفضه المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي، قائلاً: "لا يمكن أن نذهب إلى دول أخرى، أو أن يأتي إلينا وزراء من دول أخرى، للإشراف على المصالحة بيننا، فالمصالحة يجب أن تكون من خلال المخاتير لتنجح، وكل مؤتمرات المصالحة السابقة التي انعقدت في الخارج دخان في الهواء".

وفي سياق التسابق المحموم على قيادة ملف المصالحة، كلّف حفتر نجله الأكبر الصّديق برئاسة عدد من الجهات المعنية بالمصالحة، إذ أصدر الاثنين الماضي قراراً بتكيف الصديق برئاسة "مكتب الشؤون الاجتماعية" ورئاسة "الهيئة الوطنية لمشايخ وأعيان ليبيا ولجان المصالحة الوطنية"، وكذلك رئاسة "اللجنة التنسيقية لحراك لَمّ الشمل وتوحيد الصف الوطني".