مياه الانتخابات الراكدة بدأت تتحرك في إسرائيل

07 يناير 2025
نتنياهو وبن غفير في الكنيست، 23 مايو 2023 (جيل كوهين-ماغين/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في انتخابات الكنيست 2021، دخل إيتمار بن غفير البرلمان بتحالفه مع أحزاب يمينية متطرفة، مما ساعد نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية، لكن توترت العلاقات بسبب مواقف بن غفير المتطرفة.
- خلال حرب غزة 2023، تصاعدت الخلافات بين بن غفير ونتنياهو حول إدارة الحرب وصفقة الأسرى، حيث عارض بن غفير وقف إطلاق النار وهدد بتفكيك التحالف، مما زاد تعقيد الوضع السياسي.
- تزايدت احتمالات تبكير الانتخابات البرلمانية، حيث يسعى نتنياهو لتعزيز مكانته والهروب من المحاكمة، بينما يطمح بن غفير لتعزيز نفوذه، مما يجعل الوضع السياسي في إسرائيل معقدًا.

بعد عدة محاولات فاشلة منذ انتخابات الكنيست الإسرائيلي التاسع عشر، عام 2013، نجح إيتمار بن غفير، رئيس حزب عوتسما يهوديت (القوة اليهودية) اليميني المتطرف، بالدخول إلى الكنيست في الانتخابات البرلمانية عام 2021، بعد أن تحالف مع أحزاب يمينية متطرفة أبرزها حزب الصهيونية الدينية برئاسة وزير المالية الحالي بتسلئيل سموتريتش. كان ترتيب بن غفير حينها في المكان الثالث على القائمة التي حصلت على ستة مقاعد في الكنيست الثالث والعشرين، والمكوّن من 120 مقعداً. إلا أن التطوّرات الداخلية في إسرائيل إلى جانب الحرب على عدة جبهات، ومستجدات صفقة التبادل مع حركة حماس، تفرض خيارات على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن ائتلافه، ما قد يسرّع ببدء الترتيبات الانتخابية في إسرائيل.

بعد نحو عام على انتخابات 2021 حلّ الكنيست نفسه، وأُعلنت انتخابات جديدة في إسرائيل خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2022. على أثر هذا الإعلان تفكك التحالف بين "القوة اليهودية" و"الصهيونية الدينية"، فيما شكل احتمال مشاركة أحزاب اليمين في الانتخابات بقوائم منفصلة، تهديداً على إمكانية تشكيل زعيم حزب الليكود اليميني، بنيامين نتنياهو، تحالف حكومي بعد الانتخابات. إلا أن نتنياهو تدخل وضغط بشدة على بن غفير وسموتريتش للتوصل إلى اتفاق تحالف نهاية شهر أغسطس/آب 2022، سمي في الإعلام الإسرائيلي بـ"اتفاق قيساريا"، إذ جرى الاتفاق بين الاثنين في منزل نتنياهو بمدينة قيساريا.

نجحت قائمة التحالف بالحصول على 14 مقعداً في انتخابات الكنيست الخامس والعشرين، منها ستة مقاعد لحزب بن غفير. وتمكن نتنياهو من تشكيل تحالف حكومي يميني خالص، ارتكز على 62 مقعداً في الكنيست، فيما حصل حزب بن غفير على عدة مناصب وزارية، أبرزها تعيينه شخصياً وزيراً للأمن القومي في إسرائيل. ولا نبالغ إذا قلنا إن بن غفير يدين بدخوله للكنيست الخامس والعشرين في 2022، إلى حد بعيد، إلى نتنياهو، وإن تشكيل حكومة الأخير جاء بفضل إنجاز تحالف بن غفير وسموتريتش. 

مسيرة من الصدام

أصبح بن غفير، منذ دخوله إلى الحكومة، شخصية مركزية في إسرائيل وأحياناً عديدة إشكالية بالنسبة لرئيس الوزراء، إذ تزايدت تصريحات زعيم "القوة اليهودية" الاستفزازية والمتطرفة، خصوصاً ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية المحتلة والداخل المحتل عام 1948، ودعواته لتشديد السياسات الإسرائيلية في الضفة وقطاع غزة، وتسهيل قواعد إطلاق النار للجانب الإسرائيلي، بالإضافة إلى اتباع خطوات عدوانية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، أدت إلى تصعيد أمني وارتفاع التوترات، ناهيك عن اقتحامات المسجد الأقصى.

أدرك نتنياهو منذ تشكيل التحالف الحكومي، أن بن غفير الذي يمسك بمصير التحالف يمثل تحدياً دائماً، سواء على الساحة السياسية الداخلية في إسرائيل أو أمام المجتمع الدولي، وأن كبحه لن يكون سهلاً. وقد هدد بن غفير عدة مرات بالانسحاب من الحكومة أو إسقاط قوانين إذا لم تتم تلبية مطالبه، ما صعّب إدارة الائتلاف الحكومي بشكل مستقر. فمن ناحية، يوفر بن غفير دعماً سياسياً لنتنياهو ممثلاً اليمين المتطرف، ومن ناحية أخرى، يخلق أزمات تصعب على نتنياهو الحفاظ على استقرار ائتلافه والمناورة بين المصالح الداخلية والخارجية.

الحرب على غزة وصفقة التبادل

منذ بداية الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ظهرت توترات عديدة بين وزير الأمن القومي ورئيس الوزراء خصوصاً مع وزير الأمن السابق يوآف غالانت، حول إدارة الحرب وصفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية. واتهم بن غفير نتنياهو عدة مرات بإقصائه عن عملية صنع القرار أو إخفاء معلومات عنه. طالب بن غفير في المراحل الأولى للحرب، بعملية برية واسعة في قطاع غزة، دون قيود أو اعتبار للقوانين الدولية، كما اقترح تهجير سكان القطاع وإبادتهم، وإعادة الاستيطان فيه. عارض بن غفير بشدة أي وقف لإطلاق النار، حتى عندما كان ذلك ضرورياً للتوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى، كما عارض اتفاق التبادل الجزئي الذي جرى في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. وهدد بتفكيك التحالف الحكومي في حال التوصل إلى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار، كذلك اعتبر أن التوصل إلى صفقة مع حركة حماس هو بمثابة "استسلام لحماس".

وقد نشر بن غفير فيديو، نهاية إبريل/نيسان الماضي، من مدخل مكتب رئيس الوزراء في القدس المحتلة، هدّد فيه نتنياهو بشكل مباشر بأنه في حال تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى فإنه سيخرج من التحالف الحكومي، ما اعتُبر حينها إهانة شخصية لنتنياهو في عقر مكتبه. لم تقتصر مناورات وتهديدات بن غفير على قضايا الأمن والحرب والسياسيات تجاه الاحتلال والفلسطينيين، إنما استغل ارتباط مصير التحالف الحكومي بأعضاء حزبه لابتزاز التحالف في عملية سن القوانين، ومعارضة قوانين تطالب بها الأحزاب الحريدية (اليهودية المتشددة)، حتى بعد توسيع التحالف الحكومي وانضمام حزب اليمين الرسمي برئاسة جدعون ساعر (الذي أصبح وزيراً للخارجية) في سبتمبر/ أيلول الماضي، وإضافة أربعة أعضاء للتحالف. من بين تلك القوانين التي عرقلها بن غفير، قانون التجنيد والميزانيات المخصصة للمعاهد الدينية، وقانون "الحاخامات الرئيسيين في المدن" الذي اقترحه رئيس حزب شاس أرييه درعي، ما أثار امتعاض الأحزاب الحريدية وخلق أزمات في الائتلاف الحكومي.

كانت ذروة الصدام بين بن غفير ونتنياهو خلال تصويت الكنيست على بنود من ميزانية الحكومة الجديدة للعام 2025

كانت ذروة الصدام والأزمة بين بن غفير ونتنياهو، يوم الثلاثاء 31 كانون الأول الماضي، خلال تصويت الكنيست على بنود من ميزانية الحكومة الجديدة للعام 2025، إذ صوّت وزير الأمن القومي وأعضاء الكنيست من حزبه ضد قانون "الأرباح المحتجزة"، وهو قانون من شأنه أن يدخل 10 مليارات شيكل (2075 مليار دولار أميركي) إلى خزينة دولة الاحتلال في عام 2025، بحجة عدم الاستجابة لمطالبه بزيادة ميزانية جهاز الشرطة. أجبر ذلك رئيس الوزراء على القدوم من المستشفى حيث كان أجرى عملية جراحية، للتصويت على اقتراح القانون منعاً لسقوطه، وإلحاق ضرر اقتصادي جدي، وفقاً لوزارة المالية، للحالة الاقتصادية في إسرائيل، وفي نفس الوقت ضرر سياسي لمكانة التحالف الحكومي.

تخطى بن غفير الخطوط الحمراء في هذا التصرف لدى نتنياهو وشركائه في التحالف، إذ اعتبر إهانة شخصية وعدم احترام لرئيس الحكومة ولحالته الصحية، وذلك خلال بث مباشر على شاشات التلفاز. على الرغم من الاعتذار العلني المصور الذي نشره بن غفير مساء يوم السبت في الرابع من يناير/كانون الثاني الحالي، عن هذا التصرف، قرر التحالف الحكومي فرض عقوبات على حزب القوة اليهودية، كان أولها منع إدراج مشروعات قوانين يقترحها الحزب على جدول أعمال الكنيست.

بدء الترتيبات الانتخابية في إسرائيل

تزايُد الصدام بين نتنياهو وبن غفير يمكن أن يشير إلى أن الأخير لا يستبعد احتمال تبكير الانتخابات البرلمانية، ويعمل على تعزيز مكانته الانتخابية ربما على حساب حزب الليكود، إذ إن بن غفير ثمل من نتائج استطلاعات الرأي العام التي تتوقع بشكل ثابت حصول حزبه على ثمانية مقاعد (بدل ستة مقاعد حالياً)، ومن إمكانية عدم عبور حزب الصهيونية الدينية نسبة الحسم (حالياً 3.25%) أو تراجعه إلى أربعة مقاعد فقط في الكنيست المكوّن من 120 مقعداً، بحيث يتحول بن غفير إلى زعيم تيار اليمين المتطرف بلا منازع.

قد يستنتج نتنياهو أن حجم وتكلفة ابتزاز بن غفير يمكن أن يفضيا إلى دفع ثمن جدي في الانتخابات المقبلة 

في المقابل، يمكن أن يؤدي الصدام مع بن غفير إلى استنتاج لدى نتنياهو مفاده أن حجم وتكلفة ابتزاز بن غفير يمكن أن يفضيا إلى دفع ثمن جدي في الانتخابات المقبلة (2026، إذ تجرى كل أربع سنوات)، وربما خسارة بعض المقاعد لصالح حزب القوة اليهودية. ومن المفضل، أن يبادر نتنياهو بنفسه إلى توسيع الصدام مع بن غفير ومهاجمته، وربما إلى تبكير الانتخابات البرلمانية مستغلاً التحسن في مكانته السياسية في الأشهر الأخيرة، وارتفاع حصة حزب الليكود في استطلاعات الرأي العام.

كما يمكن أن توفر الانتخابات المبكرة لنتنياهو مسار تهرب جديد من المحكمة ومن الإدلاء بشهادته، إذ يحاكم حالياً أمام المحكمة المركزية في تل أبيب بتهم (وجهت إليه عام 2019) بالرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة. ولا يُستبعد الاحتمال بأن يفضل نتنياهو إجراء الانتخابات قبل انتهاء المحكمة، واستباق إصدار الحكم الذي قد يقلل من احتمالات فوزه في انتخابات مقبلة، أو أن يمنعه من الترشح أصلاً لهذه الانتخابات.  نتنياهو وبن غفير ليسا الوحيدين اللذين يراقبان ويتحضران للانتخابات المقبلة. فقد قدم غالانت استقالته من الكنيست بداية الشهر الحالي، تمهيداً للانتخابات المقبلة، كي لا يمنح التحالف الحكومي فرصة إعلانه منشقاً عن حزب الليكود في حال رفض التصويت لصالح اقتراحات القوانين الحكومية. بالإضافة إلى تجنّب منعه من الترشح من خلال حزب آخر في الانتخابات المقبلة.

كذلك تظهر إلى الواجهة خلافات داخل حزب المعسكر الرسمي بين رئيس الحزب بيني غانتس وقائد الأركان هرتسي هليفي والوزير السابق غادي أيزنكوت، الذي بدأ التعبير، مع عدد من قيادات الحزب، عن عدم رضاهم عن قيادة وأداء غانتس، والهمس بالحاجة إلى استبداله بأيزنكوت. ويُعد الأخير الأكثر شعبية في أوساط المركز واليسار بسبب مواقفه الحادة المعارضة لنتنياهو، وتعبيره بشكل أوضح عن مواقف سياسية تجاه الاحتلال وصفقة التبادل مع "حماس". تبيّن استطلاعات الرأي الحالية أن عدد المقاعد المتوقعة منذ فترة طويلة لحزب المعسكر الرسمي يصل إلى حوالي الـ18 مقعداً، وأنه في حال خوض رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينت (من حزب اليمين الجديد) الانتخابات، سيتراجع عدد المقاعد لحزب المعسكر الرسمي كثيراً. جبن غانتس وضعفه أمام نتنياهو قد يكلفانه هذه المرة رئاسة حزب المعسكر الرسمي، وليس منعه من تشكيل حكومة فحسب.

يشي كل هذا بأن مياه الانتخابات الراكدة بدأت التحرك. تاريخياً، تفكك التحالفات الحكومية في إسرائيل كان نتيجة مشاكل وخلافات داخلية، ما يدفع لاحقاً إلى انتخابات مبكرة. حالياً، الحالة السياسية في إسرائيل سائلة ومتغيرة، وتتشابك فيها المصالح الشخصية والسياسية معاً، ويصبح من الصعوبة بمكان الجزم بأي اتجاه تتطور الأمور. إلا أن التعقيدات الحالية، وتداخل الخلافات داخل التحالف الحكومي مع مصالح بن غفير ونتنياهو، وقضايا الحرب وصفقة التبادل، وصعوبة سن قانون تجنيد جديد يرضي الأحزاب الحريدية ويكون مقبولاً لدى السلطة القضائية، يمكن أن توفر معاً فسحة لإعادة التفكير لدى نتنياهو، وربما خلط الأوراق من جديد كما فعل منذ العام 2019، في حال شعر أن ذلك يعمل لمصلحته السياسية والانتخابية.