يتمسّك قادة الانقلاب العسكري في ميانمار بخيار قمع الاحتجاجات، غير آبهين على ما يبدو بأي عقوبات دولية تتوالى عليهم، وكان آخرها أمس الإثنين. ودافع جيش ميانمار، اليوم الثلاثاء، عن حملته الأمنية التي تتواصل منذ أسابيع وأودت بحياة نحو 260 متظاهراً مؤيداً للديمقراطية ورافضاً للانقلاب، مشدداً على أنه لن يتسامح مع "الفوضى".
وأطلقت المجموعة العسكرية حملة دامية في إطار مسعاها لإخماد الاحتجاجات التي تجتاح البلاد منذ إطاحة الزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي مطلع فبراير/ شباط الماضي، ما أثار تنديدات وعقوبات دولية. وفي مؤتمر صحافي في العاصمة نايبيداو، قال الناطق باسم المجموعة العسكرية الجنرال زاو مين تون إنّ 164 شخصاً قتلوا في الاحتجاجات، بينما يفيد مرصد محلي (جمعية مساعدة السجناء السياسيين) بمقتل 261. وأضاف "أشعر بالحزن لأن الإرهابيين العنيفين الذين قتلوا هم من مواطنينا".
الناطق باسم العسكر: قوات الأمن تتعامل مع متمرّدين يحملون الأسلحة
واجتاحت الفوضى شوارع مدن وبلدات ميانمار على مدى أسابيع، فيما وقعت صدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين المطالبين بإعادة الديمقراطية وإطلاق سراح سو تشي. واستخدمت السلطات الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاط والحي لتفريق المحتجين. ودافع زاو مين تون عن الرد القاسي، قائلاً إن قوات الأمن تتعامل مع "متمرّدين يحملون الأسلحة"، وإن خمسة عناصر شرطة وأربعة جنود قتلوا. واتهم زاو مين تون المحتجين بالعنف وإشعال الحرائق عن عمد. وقال بينما كان يعرض مقطعاً مصوراً يظهر مصانع تحترق "هل يمكن أن نطلق على هؤلاء محتجين سلميين؟ علينا تنفيذ حملة أمنية ضد الفوضى. أي بلد في العالم يقبل الفوضى؟".
وعلى الرغم من العنف، خرج المتظاهرون إلى الشوارع مجدداً اليوم الثلاثاء، فشاركوا في تظاهرات خلال الفجر في أجزاء من مدينة رانغون. وإلى جانب تفريق الاحتجاجات، سعى الجيش لوقف تدفق الأنباء بشأن الحملة الأمنية، فحظر وسائل إعلام محلية عدة، واعتقل عشرات الصحافيين. كذلك تمّ فرض قيود على الإنترنت وتعليق خدمات الإنترنت عبر الهواتف المحمولة.
ولم تظهر سو تشي علناً منذ اعتقالها في الأول من شباط/ فبراير، وتواجه اتهامات جنائية عديدة، كما أنها متهمة بقبول دفعات غير قانونية كذهب وأموال نقدية.
وأعلن الناطق باسم المجموعة العسكرية اليوم أنّ مستشار الزعيمة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، الأسترالي شون تورنيل، يخضع لتحقيق بموجب قوانين الهجرة وأسرار دولة ميانمار. وكان تورنيل، خبير الاقتصاد والأستاذ الجامعي، أول مواطن أجنبي يتم توقيفه بعد الانقلاب.
ويتفاقم الضغط الدولي على النظام مع فرض الاتحاد الأوروبي أمس الإثنين، عقوبات على زعيم المجموعة العسكرية الحاكمة الجنرال مين أونغ هلاينغ وعشرة مسؤولين كبار آخرين. وأفاد التكتل بأن قائد الجيش "مسؤول مباشرة" عن "الانتهاكات الجدية لحقوق الإنسان" التي نُفّذت خلال الحملة الأمنية. أما واشنطن التي أدرجت قادة المجموعة العسكرية البارزين على قائمتها السوداء، ففرضت عقوبات على قائد شرطة ميانمار وقائد العمليات الخاصة للجيش، مشيرة إلى أنهما مسؤولان عن استخدام القوة القاتلة ضد المتظاهرين. وأفادت وزارة الخزانة الأميركية بأنه منذ تعيين ثان هلاينغ قائداً للشرطة ونائباً لوزير الشؤون الداخلية في الثاني من فبراير، انخرطت الشرطة في "أعمال عنف قاسية" ضد المتظاهرين. وأما القائد في الجيش أونغ سو، فكان مسؤولاً عن إرسال الجنود لمواجهة المحتجين باستخدام أسلحة وتكتيكات حربية "ما يكشف أن القوة القاتلة تستخدم بطريقة مخطط لها ومنسقة ومع سبق الإصرار ضد المتظاهرين المناهضين للانقلاب".
مخاوف من ارتفاع منسوب العنف السبت المقبل، الذي يصادف عيد الجيش
لكن لا يبدو أن للعقوبات وموجة التنديدات الدولية تأثيراً واسعاً على الجنرالات الذين تجاهلوا دعوات ضبط النفس. وتسري مخاوف من ارتفاع منسوب العنف السبت المقبل، الذي يصادف عيد الجيش، ويشهد عادة عرضاً عسكرياً في نايبيداو. وفرضت المجموعة العسكرية الأسبوع الماضي القوانين العرفية في ست بلديات ضمن رانغون، ما وضع عملياً نحو مليوني شخص تحت سلطة قادة الجيش المباشرة. وشهدت المدينة، التي كانت العاصمة في الماضي، نزوحاً جماعياً لسكانها، بينما أصدرت السفارات تحذيرات للمواطنين الأجانب.
ودعت السفارة الأسترالية اليوم مواطنيها للاستعداد "للاحتماء في مكان ما" مع الموارد الأساسية التي يحتاجونها، بينما نصحت بريطانيا، القوة المستعمرة سابقاً لميانمار، رعاياها بالمغادرة. أما تايلاند المجاورة، فتستعد لاحتمال تدفق عشرات آلاف اللاجئين إليها في حال ازداد الوضع سوءاً في ميانمار.
(فرانس برس، رويترز)