موت بطيء في غزة... الاحتلال يدمر مقومات محاولات النجاة
استمع إلى الملخص
- تتفاقم الأزمات الإنسانية مع تدمير مصادر المياه وقطع الإمدادات الغذائية، مما يرفع الأسعار ويزيد من القلق والخوف من المستقبل، مع تهديدات التهجير والنزوح المتكرر.
- تتضاءل آمال الغزيين في تحسين أوضاعهم في ظل السياسات الإسرائيلية القمعية، رغم المبادرات الدولية مثل الوساطة المصرية لإحياء المفاوضات ووقف إطلاق النار.
تضاعف الأجواء الضبابية وغير المستقرة من أزمات المدنيين بقطاع غزة
موت بطيء في غزة يترافق مع زيادة شعور القلق والخوف من المستقبل
سمية حجازي: الحياة أصبحت غير ممكنة بسبب نقص مختلف مقومات الحياة
تسود حالة الإحباط غير المسبوقة عند معظم الفلسطينيين في قطاع غزة، بفعل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من عام ونصف العام، وسط الأوضاع الميدانية الخطيرة وما يرافقها من واقع سياسي متأزم تلفّه التهديدات المتعلقة بالتهجير. موت بطيء في غزة يحيط بالفلسطينيين، مع زيادة حدة الأزمات المعيشية المرافقة للعدوان وسياسات الاحتلال، وسط تجاهل جوعهم ومعاناتهم، في حرب حصدت حتى الآن أكثر من 50810 شهيداً، وأكثر من 115 ألف جريح.
أوجه مختلفة من موت بطيء في غزة
تضاعف الأجواء الضبابية وغير المستقرة من أزمات المدنيين في قطاع غزة، وتزيد من معاناتهم اليومية، وسط الدمار غير المسبوق وغياب أي شكل من أشكال الإعمار، سواء في المنازل التي دُمّر أكثر من 80% منها، بحسب الأمم المتحدة، أو في إصلاح البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي المدمرة. وبحسب الإعلامي الحكومي في القطاع في تقرير، يناير/ كانون الثاني الماضي، تجاوزت الخسائر الأولية 38 مليار دولار في القطاع، ما أدى إلى تدمير نحو 90% من بنيته التحتية. إلى جانب ذلك يزيد الانقطاع التام في التيار الكهربائي وإغلاق الاحتلال كافة المعابر منذ رفضه الدخول في المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار، في الأول من مارس/ آذار الماضي، مانعاً دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات والمواد والبضائع الأساسية، من بينها الغذائية، من معاناة الفلسطينيين وتعمق شعورهم باليأس، خصوصاً في ظل منع الاحتلال إدخال بدائل من شأنها تخفيف حدة الأزمات.
موت بطيء في غزة يترافق مع زيادة شعور القلق والخوف من المستقبل، مع تعميق الاحتلال للأزمات المتعلقة بأهم الاحتياجات المعيشية اليومية، خصوصاً بعد إمعانه في سياسة التجويع والتعطيش، عبر قطع ما تبقى من إمدادات مياه الاستخدام اليومي ومعدات تحلية المياه. بحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن إسرائيل دمرت 719 بئراً للمياه وأخرجتها عن الخدمة في مختلف مناطق القطاع، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. أصبحت المعاناة اليومية أكثر إيلاماً في ظل توقف حركة الأسواق بفعل اختفاء غالبية المواد الأساسية وفي مقدمتها الدقيق والسكر والزيت، إلى جانب الارتفاع الجنوني في الأسعار. يتزامن ذلك مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر فيها الأهالي بفعل فقدان مصادر عملهم ورزقهم.
يلقي التلويح الإسرائيلي المتواصل بتهجير الغزيين عن أرضهم، وتأسيس هيئة خاصة بالتهجير الطوعي (وافق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، الشهر الماضي، على مقترح إنشاء إدارة خاصة لتنفيذ برامج تهجير الفلسطينيين من غزة)، بظلاله القاتمة على المشهد. يأتي ذلك إلى جانب السياسة المتعلقة بالنزوح المتكرر، من خلال نشر الخرائط المتعلقة بإخلاء مناطق سكنهم، ما يزيد من شعور الغزيين بالتوتر وعدم الاستقرار. يشعر الأهالي طوال الوقت بأن مضاعفة الاحتلال للأزمات المعيشية والتي باتت تؤثر على حالتهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والصحية، من شأنه إعدام الأمل داخلهم ودفعهم نحو التفكير الفعلي بالهجرة في أي فرصة تتاح لهم. تعتبر الحالة التي يعيشها سكان القطاع اليوم من أصعب الحالات الإنسانية التي يمكن تصورها، وهي نتاج طبيعي لتراكم الأزمات الإنسانية التي لا يبدو أن لها أفق حل قريب. ويصف عدد من الأهالي ما يعيشونه من موت بطيء في غزة يومياً، وسط الموت الفعلي الذي يحيط بهم من كل جانب.
صالح أبو الرب: نشعر وكأنه صدر بحقنا حكم بالإعدام الجماعي
يقول الرجل الخمسيني صالح أبو الرب، والمتعطل عن عمله في التجارة، إنه يعيش برفقة أسرته الممتدة ظروف معيشية غاية في السوء بفعل انعدام كافة أشكال الحياة ومقومات العيش الكريم أو حتى الآدمي جراء التداعيات الكارثية للعدوان المتواصل. ويبين أبو الرب في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تفاقم الأزمات يوماً تلو الآخر يشعره وكأنه يعيش داخل "غرفة مظلمة ومقفلة"، قائلاً: "لا يوجد كهرباء أو دواء أو مياه أو طعام أو حتى خبز، نشعر وكأنه صدر بحقنا حكم بالإعدام الجماعي". ويلفت أبو الرب إلى أنه اضطر للنزوح المتكرر برفقة أبنائه وأحفاده، إلا أن التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بالتهجير، والمترافقة مع قطع مختلف الإمدادات يزيد من شعور الخوف من المستقبل مجهول الملامح.
الشاب أدهم ضاهر (21 عاماً) وهو طالب جامعي متعطل عن الدراسة بفعل تدمير جامعته، يوضح أن الاحتلال يسعى إلى جانب التدمير والخراب إلى "قتل الأمل" في قلوب الفلسطينيين، "بهدف دفعهم إلى المغادرة وعدم التفكير في البقاء داخل بلد محكوم عليها بالدمار". ويبين ضاهر في حديث لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال يترجم أهدافهم هذه "من خلال شل الحياة اليومية، وتعطيل الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الصحة والتعليم والحق في الغذاء والأمن، علاوة على التهديد المتواصل بالتهجير". ويقول: "كنا نمتلك بعض الأمل في الإعمار، ولكن الآن كل شيء متوقف حتى التعليم، والمحلات والمطاعم والمخابز مغلقة، والعمل شبه معدوم، نحن محاصرين بين القلق من المستقبل والمعاناة اليومية". من جهة أخرى يرى أن "صمت العالم الخارجي عن كل تلك الأزمات يزيد من الشعور باليأس".
أما في ما يتعلق بتفاصيل الحياة اليومية لربة البيت الفلسطينية سمية حجازي (42 عاماً)، فتقول إن الحياة "أصبحت غير ممكنة"، بسبب نقص مختلف مقومات الحياة، وفي مقدمتها الطعام والدواء والرعاية الصحية. وتبين في حديث لـ"العربي الجديد" أنها لا تتوقف عن الشعور بالخوف بسبب تأثير الحصار الإسرائيلي على أدق تفاصيل الحياة اليومية، فإلى جانب الموت المباشر من القصف، هناك موت بطيء في غزة بفعل منع دخول المواد الأساسية، ووقف إعمار ما دمرته آلة الحرب. وتقول حجازي إنها تعيش حالة من الإحباط الشديد والقلق من المستقبل، إذ "لا نعرف متى سيتحسن الوضع أو إن كان سيتحسن أصلاً. كل يوم يمر يصبح المستقبل فيه أكثر غموضاً، لا نعلم إذا كانت الحرب ستستمر أو إذا كانت هناك فرص لتحسين حياتنا". يزيد الشعور بالإحباط العام بفعل الاعتقاد السائد لدى الكثيرين وسك نا يجري من موت بطيء في غزة بأن أي اتفاق لوقف إطلاق النار قد يكون مجرد تهدئة مؤقتة، إذ يدرك المواطنون بأن القادم أسوأ، إذ كل هدنة أو اتفاق، لا يتبعه تغيير جذري في الظروف المعيشية وإنما تعميق حالة الخوف والتشرد التي يعانون منها.
لا حلول في الأفق
يعيش الغزيون أيامهم المليئة بطوابير الانتظار، مترقبين الوضع الذي يبدو أن لا حلول له في الأفق، فيما يتضاءل أملهم مع كل يوم يمر، إذ يتعمق الإحساس بالضياع والفقد، ويزداد العبء النفسي والشعور بالعجز أمام تحديات الحياة التي باتت لا تطاق.في الإطار، يوضح المحلل السياسي رائد نجم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ممارسات الاحتلال ساهمت في تضرر مختلف نواحي الحياة، بالتزامن مع إغلاق المعابر ومنع الإمدادات الأساسية من الدخول، وهو ما تسبب بتداعيات كبيرة على حياة السكان الفلسطينيين غير القادرين على توفير مستلزماتهم". ويضيف أن "هذه السياسات الإسرائيلية فاقمت من الأزمة الإنسانية ومن تضاعف الأسعار، وتسببت بحالة من الإحباط وفقدان الأمل". كل ذلك "في ظل ترقب ما ستؤول إليه المبادرة الجديدة التي يدور الحديث عنها والتي تلعب فيها مصر دور الوساطة لتقريب وجهات النظر".
وقدمت مصر، في الأيام القليلة الماضية، مقترحاً جديداً لوقف إطلاق للنار في غزة، تضمّن إطلاق سراح تسعة محتجزين إسرائيليين أحياء بينهم الجندي الذي يحمل الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر وثلاثة جثامين لأسرى يحملون الجنسية الأميركية، مع إطلاق سراح 300 أسير فلسطيني من بينهم 150 بالمؤبد، و2200 من أسرى غزة، وزيادة عدد أيام الهدنة إلى 70 يوماً يجرى خلالها إحياء المفاوضات بشأن الانتقال للمرحلة الثانية وإفساح المجال لإدخال المساعدات والوقود وفتح المعابر، وتقديم معلومات كاملة بشأن مصير المحتجزين المتبقين.
رائد نجم: هدف الاحتلال دفع الغزيين نحو التهجير سواء القسري أو الطوعي
في ظل ما يحصل من موت بطيء في غزة يراقب الفلسطينيون، وفق نجم، "محاولات إعادة الحياة إلى المفاوضات بحالة من الحذر، على أمل أن يساهم نجاح الوساطة في إنقاذ ما تبقى من السكان والممتلكات، وإيقاف عمليات النزوح المتكرر والسيطرة المنهجية على الأراضي وآخرها محور موراغ الفاصل بين مدينتي رفح وخانيونس جنوباً". أما عن الآثار السلبية لتدمير الاحتلال البنية التحتية ومقومات العيش، والتي تفقد الفلسطينيين القدرة على البقاء والاستمرار في مدنهم وقراهم ومناطقهم، فيقول نجم إنه "تسبب في حالة من عدم الاستقرار".
وحول هدف الاحتلال من وراء ذلك، فبرأي نجم، هو "دفع السكان نحو التهجير سواء القسري أو الطوعي، بداية بتجميعهم في مناطق نزوح ضيقة، وقطع الإمدادات الأساسية بغرض دفعهم للحدود المصرية وهو أمر مرفوض من مصر والوسطاء والفلسطينيين أنفسهم". وينبه في هذا الإطار إلى أن "توظيف الاحتلال لمختلف الأدوات القمعية في ظل حالة الانسداد السياسي جعل من السكان ديمغرافية هشة، خصوصاً بعد أن باتت تمس أمنهم واحتياجاتهم الضرورية". ويضيف أن ذلك "أصبح يزيد من حالة الإحباط"، مشدداً على "ضرورة تدخل الوسطاء والمجتمع الدولي لإنقاذ السكان الذين يتعرضون لمختلف أشكال الإبادة".