مواقف دول ترهن السياسة الخارجية الأوروبية تجاه تركيا وبيلاروسيا

مواقف دول ترهن السياسة الخارجية الأوروبية: مهادنة تركيا وعجز عن استهداف لوكاشينكو

03 أكتوبر 2020
يعاني الاتحاد من غياب الإجماع على سياسة خارجية موحدة وواضحة (Getty)
+ الخط -

يبدو أن الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من غياب الإجماع على سياسة خارجية موحدة وواضحة في عدد من القضايا وصل إلى وضع أشبه بـ"رهينة" مواقف الدول التي على خلاف مع أنقرة ، حيث اتضح ذلك جلياً خلال قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل التي جرت في اليومين الماضيين.

وبعد فترة طويلة من المباحثات، لفرض عقوبات على رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، توصل الأوروبيون إلى تسوية يتم على إثرها استهداف كيانات وشخصيات قريبة من لوكاشينكو، دون الإشارة إليه، بعد تليين موقف قبرص وغيرها، فيما حملت مواقف الاتحاد ليونة دبلوماسية تجاه أنقرة، رغم التلويح بالعقوبات.

وبعد مرور نحو 7 أسابيع على اندلاع الاحتجاجات في بيلاروسيا، التي ووجهت بقمع مستمر من قوات ومؤيدي الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، الذي أعلن فوزه بانتخابات 9 أغسطس/آب الماضي، توصل الأوروبيين أخيرا إلى "تسوية" تتعلق بعقوبات بحق مينسك، لكنها تستثني رجلها المتشبث بالسلطة منذ 1994.

التوافق الأوروبي على استهداف 40 شخصية بيلاروسية جاء بعد أن وقفت قبرص حجر عثرة خلال الأسبوع الماضي، وإثر تليين موقف نيقوسيا فجر أمس الجمعة، بعد مفاوضات قادة الاتحاد الأوروبي. وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل في مؤتمر صحافي عقده في ختام اليوم الأول لقمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل: "قررنا تطبيق عقوبات ضد سلطات بيلاروسيا تم تنسيقها في أغسطس".

وأضاف أن عقوبات الاتحاد الأوروبي تدخل حيز التنفيذ يوم الجمعة وستستهدف 40 مسؤولا في أجهزة السلطة في البلاد يتهمهم التكتل بالتورط في تزوير الانتخابات وانتهاك حقوق الإنسان في البلاد. وذكر رئيس المجلس الأوروبي أن هذه القائمة لا تشمل اسم الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، لكن ذلك قد يتغير.

وشملت لائحة العقوبات الأوروبية شخصيات في مناصب مهمة في حكومة بيلاروسيا وقادة شرطة وأمن وأعضاء اللجنة الانتخابية، المتهمين بـ"تزوير الانتخابات". ووفقا للمجلس الأوروبي فإن وزير داخلية بيلاروسيا، يوري كاراييف، أصبح على قائمة الممنوعين من دخول الاتحاد الأوروبي. واعتبره الاتحاد "مسؤولا عن مليشيا شرطية، وعن القمع والترهيب الذي أعقب الانتخابات الرئاسية، وبشكل خاص في حملته لاعتقال المتظاهرين بشكل تعسفي وعنفي، وممارسة التعذيب بحق متظاهرين سلميين، فضلا عن العنف ضد الصحافيين".

وجدير بالذكر أن دولا أوروبية عدة، كانت تطالب بفرض عقوبات بحق لوكاشينكو شخصيا، وذلك على طريقة بريطانيا وكندا اللتين فرضتا عقوبات طاولت الرجل بشكل شخصي. ورأت الأغلبية الأوروبية أن العقوبات الأخيرة "استمرار للضغط على سلطات بيلاروسيا، وستتبعها إجراءات أخرى إذا لم تقدم السلطات على مفاوضات مع المعارضة".

وتشير مصادر دبلوماسية أوروبية، تابعت مجريات القمة وما خرج عن بروكسل أمس الجمعة، أنه "ستتم عمليا إضافة كيانات وأسماء إلى القائمة إذا لم يجر التفاوض بين المعارضة والسلطات وإذا استمرت الأخيرة بقمعها للشارع السلمي"، وهو أيضا ما أكده شارل ميشال في قوله "بالطبع نحن نتابع الأوضاع عن كثب".

وتعرضت جهود دول الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على بيلاروسيا، منذ أغسطس/آب الماضي، إلى نكسات وتأخير بعد أن أعلنت بروكسل عن "عقوبات وشيكة"، بسبب الاختلاف الأوروبي الداخلي وتهديد البعض باستخدام حق الاعتراض (الفيتو) إلى أن نجم عن مفاوضات الأسبوع الفائت تسويات تتعلق باللائحة الحالية.

وتنسحب الاختلافات الأوروبية أيضا على الموقف من تركيا. ففي حين تضغط اليونان، مدعومة من دول أخرى أبرزها فرنسا، لفرض عقوبات على أنقرة، أو مواقف متشددة منها، كانت دول وقيادات أوروبية أخرى تتريث في اللغة المستخدمة على خلفية ما تصفه أثينا بـ"ممارسات تركية غير مشروعة في شرق المتوسط"، في إشارة إلى عمليات التنقيب التركية عن النفط والغاز التي اعتبرتها كل من نيقوسيا وأثينا "تنتهك سيادة البلدين"، وحدودهما البحرية الاقتصادية.

وطالبت قبرص، خلال مفاوضات فرض عقوبات على بيلاروسيا، بفرض عقوبات مشددة أكثر من السابق على أنقرة، فيما في المقابل كانت أغلبية في دول الاتحاد الأوروبي ترى أنه يجب تجنب المزيد من التوتير مع تركيا وعدم فرض عقوبات عليها بحجة "عدم تصعيد الموقف أكثر".

ورأت دول أوروبية في الموقف القبرصي، ومن بينها الدنمارك، على لسان رئيسة وزرائها من يسار الوسط ميت فريدريكسن، وكأنه "يأخذ الموقف الأوروبي رهينة" لعدم التصرف بحق الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، إلا إذا اُتخذ موقف مشابه من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وبعد مباحثات شاقة، استمرت من بعد ظهر الخميس إلى وقت متأخر من فجر أمس الجمعة، جرى انتزاع موقف قبرصي مؤيد للعقوبات على بيلاروسيا بصيغتها التي تتجنب لوكاشينكو، بعد وعود أن تجري عملية تفعيل عقوبات بحق أنقرة بناء على بنود في المعاهدة الأوروبية والتي تنص على التضامن "إذا ما استمرت تركيا في استفزازها في شرق المتوسط"، وفقا لما خرج عن دبلوماسيين أوروبيين تابعوا مفاوضات الاتحاد حول القضيتين.

وكانت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، قالت أمس، بعد تلك النتيجة: "فتحنا (في الاتحاد الأوروبي) نافذة للفرص في العلاقة مع تركيا، وهي نافذة نقوم باستخدامها الآن"، وذلك في إشارة إلى إعلان القادة ورؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي عن "الاستعداد للتعاون الوثيق مع تركيا في ما خص قضايا الهجرة والتجارة وتعزيز الاتحاد الجمركي معها".

ورغم الضغوط اليونانية والقبرصية للخروج بمواقف شديدة اللهجة وتلويح بتنفيذ عقوبات ضد أنقرة ذهبت رئيسة وزراء الدنمارك، فريدركسن، للقول مساء أمس الجمعة إنه "رغم التضامن الأوروبي مع البلدين العضوين في الاتحاد إلا أنه من المهم التأكيد في الوقت نفسه على أن الدبلوماسية تنتصر في العلاقة بين أوروبا وتركيا، وهذا هو الاتجاه الذي نأمل أن نسلكه".