شارفت مهلة الأسبوعَيْن التي طلبها المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار من أهالي الضحايا بهدف دراسة الملف بعد تعيينه في 19 فبراير/ شباط الماضي، على الانتهاء، والأنظار تتجه إلى الخطوات الأولى التي سيقوم بها، والقرارات التي سيتخذها، ولا سيما بحق، المدعى عليهم، وطلبات إخلاء السبيل، والأسماء الجديدة التي يُنتظر أن تنضمَّ إلى اللائحة.
ويقول مصدر قضائي متابع للملف، لـ"العربي الجديد"، إنّ القاضي بيطار يدرس ملفاً طويلاً، في غاية التعقيدات، وقد يحتاج إلى وقتٍ يزيد عن الأسبوعين، قبل أن تبدأ تحركاته بالظهور إلى العلن تدريجياً، من بينها موقفه من طلبات إخلاء السبيل التي وافقت عليها النيابة العامة التمييزية، وأبرزها، المتعلقة برئيس اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم (المُعفى من مهامه بمرسوم صادر عن رئيس الحكومة)، ورئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ محمد زياد العوف، كما يدرس بيطار أيضاً وضع جميع الموقوفين وعددهم 25؛ ملفاتهم، إفادتهم، أدوارهم، والأسباب التي استند إليها القاضي فادي صوان قبل كف يده، للإبقاء على توقيفهم.
ويشير المصدر إلى أنّ القاضي بيطار غير ملزم بموقف النيابة العامة التمييزية، وله أن يرفض طلبات إخلاء السبيل، كما سبق أن فعل القاضي صوان يوم ردّ مثل هذه الطلبات.
في المقابل، فإنّ المحقق العدلي في وضعٍ حرجٍ من هذه الناحية، باعتبار أنّ أي اسم سيُخلى سبيله، ستكثر ردود الفعل حوله، وتدور بين المؤامرة والاستنسابية، والتمييز، كما تجري العادة في القضايا اللبنانية، وقد بدأت التعليقات تدور ضمن هذا السيناريو بالتزامن مع انتشار أخبار تفيد بتخلية سبيل عددٍ من الموقوفين، على الرغم من أن هناك مظلومين كثراً بين الموقوفين وقد طالت فترة توقيفهم احتياطياً.
الجدير ذكره أن هناك تنديداً من منظمات دولية، بظروف الاحتجاز، التي ترى أنها تنتهك حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة، خصوصاً أنّها لا تقترن بتهم واضحة موجهة ضدهم.
في السياق، يقول المحامي طارق حجّار، وهو جزء من فريق الادعاء المكوَّن بالإضافة اليه من المحامين، مازن حطيط وحسام الحاج وفاروق المغربي بالتعاون مع جمعية "روّاد الحقوق"، لـ"العربي الجديد"، إنّ القاضي بيطار طلب أسبوعين لدراسة الملف، ونحن نترقب خطواته، وسنلتقيه الأسبوع المقبل، لنضع أمامه مطالبنا، ونراجع ملفنا، والمسار الذي سيعمل عليه في المرحلة المقبلة، لكن حتى الساعة لا جديد في القضية، عدا التسريبات التي قد تحمل معها نوايا عدّة منها التشويش أو الضغط على المحقق العدلي.
ويضيف حجّار، في هذا الإطار: "يجب على مجلس القضاء الأعلى أن يضع شخصاً بتصرّف المحقق العدلي، لإصدار بيانات دورية تكون بمثابة مصدر أساسي رسمي وعلني لوقائع التحقيقات، منعاً للتشويش على عمله، وقد قدمنا هذا الاقتراح على المجلس لأهميته، وهو ما يريح أيضاً أهالي الضحايا، الذين كانوا دائماً يطالبون بكشف مسار التحقيقات أو معلومات أساسية فيه لا تؤثر على حسن سير القضية".
ويلفت إلى أنهم يعولون على القاضي بيطار بعدم المماطلة وإهدار المزيد من الوقت، والالتزام بالأصول، ومقاربة الملف برؤية واضحة وأكثر شمولية وألا نبقى مكاننا، إذ يجب أن تدور ضمن فلك الفاعل الرئيسي، فالمتواطئون، لأنّ هناك شخصاً أتى بشحنة نيترات الأمونيوم التي تعدّ بمثابة قنبلة نووية، أبقى عليها في مرفأ بيروت، كلّ هذه السنين، لأسباب ما تزال مجهولة، تماماً كمصير المواد التي لم تنفجر، بعدما أشارت تقارير إلى أنّ المواد التي انفجرت كانت أقل بكثير من 2700 طن.
ويشير، حجّار، إلى أنّ الأسئلة الأهم في القضية يجب أن تُطرح ضمن هذه الزاوية، والتقاط طرف الخيط، لنعرف الهدف من هذه الشحنة، والغاية منها، هل هي تجارية، أم أننا أمام جريمة دولية منظمة، وهل المعلومات بنية إدخالها الى سورية، صحيحة، وغيرها من علامات الاستفهام التي يجب أن تتضح بأسرع وقتٍ.
ويمرّ اليوم شهرٌ جديدٌ، هو السّابع، على اللبنانيين، وهم ينتظرون جلاء الحقيقة بانفجار مرفأ بيروت ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار الذي هزّ العاصمة بتاريخ 4 أغسطس/ آب 2020 وأدى إلى مقتل 200 شخص ودمار واسع، ورؤية الرؤوس الكبيرة خلف القضبان، بيد أنّ المماطلة تبقى سيّدة المشهد، والتدخلات السياسية ما تزال الطرف الأقوى في الملف والضاغط الأبرز على الساحة القضائية.
ويستمرّ تمرّد السياسيين على القضاء، والالتفاف على القرارات من بوابة المؤامرات والابتزازات والمناكفات، حيث إن المدعى عليهم من القوى السياسية، يرفضون حتى الساعة المثول أمام المحقق العدلي، وهو ما شدد عليه وزير الأشغال السابق النائب غازي زعيتر، الذي كان تقدّم مع زميله علي حسن خليل بطلب نقل الدعوى من صوان للارتياب المشروع.
واعتبر زعيتر الذي ينتمي إلى "حركة أمل" كتلة رئيس البرلمان نبيه بري النيابية، أن موقفه من المثول، "ملك مجلس النواب"، وأنه يوافق على الاستماع إليه بصفة "شاهد" لا مدعى عليه.
وينفذ أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، اليوم، الخميس، وقفتهم الشهرية، أمام مرفأ بيروت، حيث سيضيئون الشموع على روح شهدائهم، ويتلون بياناً، يوجهون فيه جملة رسائل أبرزها للمحقق العدلي الجديد، الذي أعطوه ثلاثة أسابيع بدل اثنَيْن، شرط إحداث تطوّر في القضية، والكشف عن الحقائق التي تم التوصل إليها في التحقيقات، والتحلّي بجرأة وشجاعة لقطع الطريق أمام الضغوط السياسية.