مهلة أوروبية لحل الملف النووي الإيراني دبلوماسياً قبل إعادة فرض العقوبات
استمع إلى الملخص
- فعّلت فرنسا وبريطانيا وألمانيا عملية إعادة فرض العقوبات، داعية إيران إلى دبلوماسية بناءة، بينما اعتبرت إيران الخطوة غير قانونية وهددت بتقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- دعت روسيا والصين إلى استئناف المفاوضات، معتبرتين العقوبات غير بنّاءة، وحثت روسيا الترويكا الأوروبية على مراجعة قراراتها لتجنب عواقب لا يمكن إصلاحها.
أكدت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، اليوم الجمعة، أن الأسابيع المقبلة تشكّل "فرصة" للتوصل إلى حل دبلوماسي لملف إيران النووي، بعدما حددت القوى الأوروبية مهلة لطهران مدتها 30 يوماً قبل إعادة فرض العقوبات الأممية. وقالت كالاس للصحافيين، بحسب ما نقلت وكالة فرانس برس: "ندخل مرحلة جديدة مع فترة الثلاثين يوماً هذه التي تقدّم لنا فرصة حالياً لإيجاد سبل دبلوماسية للتوصل إلى حل".
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد أعلن، أمس الخميس، عن استعداد إيران لاستئناف مفاوضات "عادلة" بشأن برنامجها النووي إذا أبدى الغرب حسن النية، وأكد عراقجي في رسالة بعث بها إلى كالاس "استعداد إيران لاستئناف مفاوضات دبلوماسية عادلة ومتوازنة، شريطة أن تظهر الأطراف الأخرى الجدية وحسن النية، وأن تتجنب الإجراءات التي تقوض فرص النجاح".
وفعّلت فرنسا وبريطانيا وألمانيا عملية إعادة فرض العقوبات على إيران، أمس الخميس، وستسعى الدول الثلاث لاستغلال الأيام الثلاثين المقبلة (وهي المدة التي من المفترض أن ينظر مجلس الأمن خلالها في تفعيل آلية فضّ النزاع) لحل القضايا العالقة مع طهران، حاثة إياها على الانخراط في دبلوماسية بناءة لتبديد المخاوف المرتبطة ببرنامجها النووي، وقالت إن فرنسا وألمانيا وبريطانيا ستواصل مناقشة إيران في عرض تمديد القرار الذي يرسّخ الاتفاق النووي لعام 2015.
في السياق، نقلت "رويترز" عن مسؤول إيراني كبير قوله إن خطوة الدول الأوروبية الثلاث لتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات غير قانونية ومؤسفة، مضيفاً أن الخطوة هي ضد الدبلوماسية وليست فرصة لها، وقال إن إيران تدرس بعض الخيارات، مثل تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار اتفاق الضمانات، أو حتى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، مشدداً على أنها لن تتنازل تحت الضغط.
وفي السياق، قال سفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرفاني، اليوم الجمعة، إن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا عرضت خطة لتأجيل تفعيل إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران، لكنه وصف هذه الخطة بأنها "مليئة بشروط مسبقة غير واقعية". وأضاف أن على الدول الثلاث المعروفة باسم الترويكا الأوروبية دعم "تمديد فني قصير وغير مشروط للقرار 2231"، الذي وضع الأساس للاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وكان دبلوماسيان أوروبيان قد قالا إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا ستبدأ عملية إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران في مجلس الأمن أمس الخميس. واجتمعت الدول الثلاث، المعروفة باسم الترويكا الأوروبية، مع إيران يوم الثلاثاء في محاولة لإحياء الجهود الدبلوماسية بشأن البرنامج النووي قبل أن تفقد قدرتها في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول على إعادة فرض العقوبات على طهران التي رُفعت بموجب الاتفاق النووي الموقع في 2015 مع قوى عالمية.
لكن تلك المحادثات لم تسفر عن التزامات ملموسة كافية من إيران. وقال الدبلوماسيان إن الترويكا الأوروبية قررت الآن تفعيل ما يسمى آلية العودة السريعة للعقوبات على إيران (سناب باك) بسبب اتهامات لها بانتهاك اتفاق 2015. وأبلغ وزراء الترويكا الأوروبية، الأربعاء، وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بقرارهم. ويأمل الوزراء بأن تدفع هذه الخطوة طهران إلى تقديم التزامات بشأن برنامجها النووي خلال 30 يوماً تقنعهم بتأجيل اتخاذ إجراء ملموس.
إيران ترد على أوروبا برسالة رسمية إلى الأمم المتحدة
إلى ذلك، وجّه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس مجلس الأمن الدوري، وأعضاء المجلس، ردّ فيها على ما وصفه بـ"الادعاءات الكاذبة" الواردة في رسالة وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أمس الخميس، بشأن وضع الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن 2231. وأكد عراقجي أن رسالة الترويكا الأوروبية "مصحوبة بتحريف للوقائع"، واعتبرها "محاولة جديدة لتهيئة الأرضية لمسارين غير مشروعين"، محذراً من أن هذا النهج قد يؤدي إلى "إضعاف مصداقية ووحدة مجلس الأمن وقراراته".
واتهم عراقجي الترويكا بالسعي لـ"قلب تسلسل الأحداث لتجريد الإجراءات التعويضية التي اتخذتها إيران من شرعيتها"، مشيرا إلى أن الأوروبيين أقرّوا ضمنا بأهمية الترتيب الزمني لتفعيل الآلية من قبل الأطراف، "وبالتالي لا يمكن طرح إجراءات تعويضية ضد إجراءات تعويضية سابقة اتخذها طرف آخر". وأضاف عراقجي أن إيران، ردا على الانسحاب الأحادي الأميركي من الاتفاق وعودة العقوبات غير القانونية، خفضت التزاماتها تدريجيا في إطار الحقوق المدرجة في الاتفاق النووي، وبهدف حماية الاتفاق لا تقويضه.
وفي سياق آخر من الرسالة، حذّر عراقجي من مقترح الترويكا بتمديد محدود لبعض أحكام القرار 2231، مؤكدا أن "هذا القرار يجب أن ينتهي في يوم الانقضاء (18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل) وفق الجدول الزمني المقرر"، مشددا على أن "أي محاولة لتمديد أحكامه تعد خطوة مناقضة لغايات القرار، وتشكل سابقة غير سليمة في عمل مجلس الأمن، وتعمّق الانقسامات بداخله"، وهدد بأن إيران، في مثل هذه الظروف، ستتخذ "ردا حازما ومتناسبا وفق مصالحها العليا".
وفي ختام الرسالة، جدد وزير الخارجية الإيراني استعداد طهران للانخراط في "تفاعلات دبلوماسية فعالة وهادفة"، مشدداً على تمسك الجمهورية الإسلامية بـ"مفاوضات ذات مغزى للتوصل إلى اتفاق جديد يحترم حقوق إيران في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ويتعامل مع جميع الهواجس المتبادلة، بما فيها العقوبات الجائرة التي تستهدف معيشة الشعب الإيراني ورفاهه".
من جهته، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، اليوم الجمعة، تحرك الدول الأوروبية الثلاث لإعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن الملغاة ضد إيران بأنه "انصياع لأوامر الطرف المنتهك للاتفاق النووي"، أي الولايات المتحدة. وفي منشور على منصة "إكس"، تساءل بقائي عن "استقلالية ومصداقية" الدول الأوروبية الثلاث بصفتها "أطرافاً تفاوضية"، مؤكداً أن قرارها "لا يستند إلى إلزام قانوني ولا إلى تقييم منطقي"، مضيفا أن هذه الخطوة الأوروبية "كما أقرّ ماركو روبيو (وزير خارجية أميركا) في بيانه الصحافي المؤرخ في 28 أغسطس/آب، جاءت بناء على تعليمات رئيس الولايات المتحدة بموجب المذكرة الرئاسية رقم 2 الصادرة في الرابع من فبراير/شباط 2025، الطرف الذي لم يعد عضواً في الاتفاق النووي، والذي كان أكبر منتهك ومدمّر له، وانسحب منه بشكل أحادي في 2018، متسبباً بسلسلة من التداعيات السلبية إلى يومنا هذا".
روسيا والصين تحثان على استئناف المفاوضات
في السياق ذاته، دعت وزارة الخارجية الصينية إلى استئناف المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، واعتبرت إعادة فرض العقوبات على إيران "إجراءً غير بنّاء"، وأكدت أن الملف النووي الإيراني يمر بمرحلة حساسة، وأن الحوار والتفاوض يجب أن يستأنفا، مشددة على دعم بكين لـ"السلام والحوار من أجل إعادة هذا الملف إلى المسار الصحيح". بينما قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان: "نحثّهم (الترويكا الأوروبية) بشدّة على إعادة النظر ومراجعة قراراتهم الخاطئة قبل أن تؤدي إلى عواقب لا يمكن إصلاحها ومأساة أخرى"، متهمة الدول الأوروبية الثلاث بتقويض الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل سلمي للمواجهة بشأن البرنامج النووي الإيراني.