من هو علي شمخاني مهندس الاتفاق الإيراني مع السعودية؟

من هو علي شمخاني مهندس الاتفاق الإيراني مع السعودية؟

22 مايو 2023
تأتي استقالة شمخاني من منصبه الحساس في ذروة نشاطه الدبلوماسي (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

في تغريدة احتوت على بيت شعري باللغة الفارسية، أكد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، الأدميرال علي شمخاني، ليل أمس الأحد، صحة الشائعات التي دارت خلال الفترة الأخيرة في الأوساط السياسية والإعلامية عن رحيله من منصبه قريباً، قبل أن يعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، اليوم الإثنين، رسمياً تعيين العميد علي أكبر أحمديان أميناً لمجلس الأمن القومي خلفاً له.

وذكرت مواقع إيرانية أن نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاقتصادية محسن رضائي حمل رسالة من رئيسي إلى علي شمخان، للحديث معه عن تركه منصبه.

وتأتي استقالة شمخاني من منصبه الحساس، في ذروة نشاطه الدبلوماسي لكسر الجليد بين إيران والدول العربية، وتحسين العلاقات الإيرانية العربية.

من هو علي شمخاني؟

شمخاني، مواطن عربي إيراني، ولد عام 1955 في مدينة الأهواز العربية في محافظة خوزستان جنوب شرقي إيران. بدأ شمخاني نشاطه السياسي في عنفوان شبابه في سبعينيات القرن الماضي، بمعارضة النظام الملكي السابق. وعلى خلفية تلك النشاطات، اعتقله جهاز "سافاك" الاستخباري، وتعرّف في السجن إلى شباب ثوريين، أمثال محسن رضائي الذي أصبح لاحقاً بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 قائداً عاماً للحرس الثوري الإيراني.

درس شمخاني الزراعة في جامعة "جندي شابور" بمحافظة خوزستان، ثم حصل على شهادة الماجستير في الإدارة، وقضى دورات قيادية في جامعة "دافوس" للجيش الإيراني.

بعد عام من انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، عيّنه المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي قائداً لبحرية الجيش بعد نقله من الحرس الثوري الإيراني إلى مؤسسة الجيش، ثم تولّى القيادة المشتركة لبحريتي الحرس والجيش الإيرانيتين، فضلاً عن قيادة مقر "خاتم الأنبياء" البحرية.

علي شمخاني الذي يُعدّ صاحب أول عقيدة استراتيجية بحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، اختاره الرئيس الإيراني الأسبق الإصلاحي محمد خاتمي وزيراً للدفاع عام 1997، وظل في المنصب قبل أن يغادره مع انتهاء ولاية خاتمي عام 2005، ومجيء الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد.

وفي عام 1999، نال شمخاني رتبة "أدميرال"، فضلاً عن عدة ميداليات شجاعة من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.

وفي عام 2001، نافس رئيسه محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية، لكنه خسر وحلّ في المركز الثالث، واختير مرة أخرى في ولاية خاتمي الثانية كوزير للدفاع.

عرّاب العلاقات الإيرانية العربية

خلال توليه وزارة الدفاع، ساهم شمخاني في تدشين فترة جديدة للعلاقات الإيرانية السعودية بعد نحو عقدين من التوتر، فأبرم أثناء زيارته إلى السعودية عام 2000، اتفاقية أمنية بين البلدين، وهي تلك الاتفاقية التي نُصّ على تفعيلها في البيان الثلاثي الصادر عن مباحثات بكين في العاشر من مارس/آذار الماضي، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية التي انقطعت منذ عام 2016، على خلفية مهاجمة محتجين إيرانيين السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، إثر إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر.

وتقديراً لدوره في إزالة التوتر بين طهران والرياض، وتعزيز العلاقات الثنائية، منحه الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عام 2000، أرفع وسام سعودي يُعرف بـ"وسام الملك عبدالعزيز".

وشغل شمخاني قبل انتقاله إلى الجيش وتوليه منصب وزارة الدفاع، عدة مناصب قيادية في الحرس الثوري، مثل قائد القوات البرية وثم البحرية في الحرس.

وأدرجت الخزانة الأميركية في 10 يناير/كانون الثاني 2020، علي شمخاني على قائمة العقوبات برفقة سبعة آخرين من كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

يُعرف شمخاني بقربه من الإصلاحيين في إيران، وعيّنه الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، المقرّب من التيار الإصلاحي، عام 2013، أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بعد موافقة المرشد. والمجلس منوط به دستورياً تحديد سياسات الدفاع والأمن القومي للبلاد، في إطار السياسات العامة التي يحدّدها القائد، فضلاً عن تنسيق الأنشطة السياسية، والمخابراتية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية المتعلقة بالسياسات العامة للدفاع والأمن القومي، وكذلك استغلال الموارد المادية والفكرية للبلاد لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.

قرأ حينها البعض اختيار شمخاني كشخصية عربية إيرانية لهذا المنصب، على أنه محاولة إيرانية للتقرب من العالم العربي، وتحسين العلاقات المتوترة مع محيطها العربي، وهو ما لم يحصل في ولايتي حسن روحاني الذي انصبت جهوده على حلّ مشاكل إيران مع الغرب، والتي تُوّجت بالاتفاق النووي عام 2015، قبل أن ينسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018.

وظل شمخاني في منصبه بعد مغادرة روحاني الرئاسة عام 2021، ومجيء الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، الذي أكد أنه سيولي الأولوية للعلاقات مع دول الجوار.

شمخاني المعروف بمهندس العلاقات الإيرانية العربية، وبالذات مع السعودية، أدار ملف المباحثات مع السعودية التي انطلقت في بغداد في إبريل/نيسان 2021، وثم استمرت في العاصمتين بغداد ومسقط، وتُوجت في محطتها الأخيرة في بكين باتفاق لاستئناف العلاقات. ولعب شمخاني دوراً محورياً في اتفاق المصالحة، ووقّع عليه من طرف إيران في الصين.

انتقادات واتهامات

منذ مجيء الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي وبقاء شمخاني في منصبه، أصبحت أوساط محافظة متشددة توجه انتقادات للحكومة لعدم الإطاحة به.

وأخيراً، قيل في أوساط إعلامية وسياسية إن "جبهة الصمود" (جبهة بايداري) المحافظة المتنفذة تمارس ضغوطاً لإبعاد شمخاني عن مجلس الأمن القومي. وفي سياق هذه المناكفات، أصبحت تلاحق شمخاني انتقادات واتهامات بتورط أقرباء له في ملفات فساد، كما وجه ناشطون وإعلاميون انتقادات مماثلة له.

وفي هذا الإطار، يشير البعض إلى صهره ونجليه حسن وحسين شمخاني، ويقال إنهما يملكان شركة للنقل البحري وناقلات نفط، ويعملان في مجال الالتفاف على العقوبات الأميركية، ويحصلان على ملايين الدولارات شهرياً.

وظهور أحد نجليه في لقاءات شمخاني في الإمارات منتصف مارس/آذار الماضي، بعد أيام قليلة من الاتفاق الإيراني السعودي، أثار انتقادات في الداخل الإيراني، وكان ناشطون محافظون أمثال البرلماني السابق المتشدد حميد رسائي في مقدمة المنتقدين، متسائلين عن سرّ حضور نجله "التاجر" بين أعضاء الوفد الإيراني في لقاءات شمخاني في الإمارات.

وخلال الأشهر الأخيرة، فيما كان شمخاني غارقاً في إدارة المباحثات مع السعودية ودول عربية أخرى، ومتابعة ملفات ومشاريع اقتصادية مع روسيا، وغيرها للالتفاف على العقوبات الأميركية، جاء الكشف عن تورط نائبه إبان توليه وزارة الدفاع، علي رضا أكبري المعتقل عام 2019، بالتجسس لصالح بريطانيا، وثم تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقه.

وقال أكبري في تسجيل مسرب إلى قناة "بي بي سي" الفارسية، إن من التهم التي واجهها، إهداءه العطر والقميص إلى شمخاني، قائلاً إن الأجهزة الأمنية اتهمته بأنه سعى بهذه الطريقة للحصول على معلومات.

وقالت وسائل إعلام إيرانية رسمية إن أكبري متورط في اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة عام 2020، فضلاً عن الكشف عن أسرار أمنية أخرى. وفي التسجيل الذي بثته "بي بي سي"، نفى أكبري صحة التهم الموجهة إليه.

لكن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، قالت، مطلع الشهر الحالي، نقلاً عن مسؤولين مطلعين على الملف، إن أكبري له علاقة بمعلومات سربتها بريطانيا لإسرائيل عام 2008، تتعلق بالكشف عن منشأة فوردو النووية الإيرانية، مشيرة إلى أن المخابرات الروسية ساعدت إيران في الكشف عن علاقة أكبري بالمخابرات البريطانية.

مهمات اقتصادية

إلى جانب مهماته السياسية والأمنية، طغت خلال العام الأخير أجندة اقتصادية على زيارات شمخاني الخارجية ولقاءاته مع المسؤولين الأجانب، وذلك لمساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية المشددة المفروضة عليها منذ عام 2018، من جراء الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.

وفي السياق، كشفت مصادر مطلعة على حيثيات العلاقات الإيرانية الروسية لـ"العربي الجديد" في الخامس من إبريل/نيسان الماضي، عن أن زيارة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني إلى روسيا في التاسع من فبراير/شباط الماضي، شكلت "مرحلة جديدة" في العمل المشترك ضد العقوبات الأميركية والغربية، مشيرة إلى أن شمخاني أجرى، خلال هذه الزيارة، "لقاءً خاصاً" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استغرق "عدة ساعات".

وأضافت المصادر أن اللقاء الذي لم يكشف عنه في الإعلام حتى الآن، تناول "عدة مواضيع سياسية واقتصادية وأمنية"، مؤكدة أن "أحد أهم بنود أجندة اللقاء كان بحث سبل إفشال العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على طهران وموسكو، وأنه تم التوصل إلى "توافقات" بين شمخاني والرئيس الروسي، مثل إلغاء الدولار من التجارة الثنائية".

وخلال العام الأخير، استقبل شمخاني مسؤولين روساً في طهران، وتركزت مباحثاته معهم على بحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي في مواجهة العقوبات الأميركية، وتصدرت تلك المباحثات مسألة تفعيل ممر "الشمال - الجنوب" الدولي المنافس لقناة السويس المصرية.

إلى ذلك، بعد لقاءات شمخاني في الإمارات والعراق خلال مارس الماضي، ثم الاتفاق مع السعودية، أكد البنك المركزي الإيراني، في بيان، أن الاتفاقيات الأخيرة مع هذه البلدان والإمارات أفضت إلى "انفراجات جيدة" للنقد الأجنبي في البلاد. وجاءت تلك "الانفراجات" في وقت تواجه إيران أزمة السيولة بالنقد الأجنبي، بسبب الحظر الأميركي، الأمر الذي هوى بالريال الإيراني إلى مستويات قياسية، وارتفعت أسعار الدولار بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة.