من صهيوني سابق إلى متضامن مع غزة.. رحلة اليهودي بوب على متن "حنظلة"
استمع إلى الملخص
- التناقض داخل الهوية: يعترف بوب بأن تحوله لا يعكس التيار العام بين يهود الشرق، لكنه يرى فلسطين كوطنه الحقيقي، متأثراً بثقافة والدته اليمنية، مما يعكس صراعه الداخلي بين هويته اليهودية وثقافته العربية.
- المشاركة في سفينة "حنظلة": أبحر بوب مع متطوعين لكسر الحصار عن غزة، مما يعكس التزامه بالعدالة ورفض الظلم، حيث احتجزه جيش الاحتلال، مؤكداً أن فلسطين موطنه الأخلاقي.
"لقد غيّرت حياتي تلك اللحظة التي أدركت فيها أن الإسرائيليين لا يرون الإنسان في الفلسطينيين"، يقول بوب سبيري، الأميركي ذو الأصول اليهودية، البالغ من العمر 77 عاما، وأحد المشاركين في سفينة "حنظلة"، ضمن الحملة الدولية لكسر الحصار عن غزة، والتي قرصنها جيش الاحتلال الإسرائيلي في المياه الدولية واختطف من كانوا على متنها.
حملت "حنظلة" على متنها 900 كيلوغرام من المساعدات الإنسانية الرمزية و21 متطوعا من مختلف أنحاء العالم، لكن ما تحمله أيضًا هو قصة بوب سبيري، التي تمثل رحلة فكرية وأخلاقية بالانتقال من معسكر الصهيونية إلى دروب التضامن مع الشعب الفلسطيني، كما سرد هو بنفسه لموقع "سوليدارتيت" الإعلامي اليساري في الدنمارك.
من اليمن إلى القدس ثم كاليفورنيا
ولد بوب في كاليفورنيا عام 1948، عام النكبة الفلسطينية، وبعد أسابيع فقط من إعلان قيام دولة إسرائيل
. والداه يهوديان من أصول يمنية عاشا في فلسطين قبل النكبة، وتحديدًا في أحياء امتزج فيها اليهود العرب بالفلسطينيين. يقول بوب: "من الناحية الفنية، كان والداي فلسطينيين، وهذا يجعلني فلسطينيا أيضا". ويضيف: "في شهادة ميلاد أمي، مكتوب أن مسقط رأسها هو فلسطين، ذلك المكان الذي يدّعي الصهاينة اليوم أنه لم يكن له وجود، لا أرضاً ولا شعباً".لحظة التحول
نشأ بوب في مجتمع يهودي أميركي موالٍ بشدة لإسرائيل في لوس أنجليس. كانت والدته تعمل في معسكرات صيفية صهيونية، ما أتاح له الالتحاق بها مجاناً. يقول: "لقد تربّيت على التلقين الصهيوني، وحلمت طويلاً بالهجرة إلى إسرائيل". لكن التحول لم يأت مبكرا، بل استغرق سنوات حتى بلغ سن الرابعة والخمسين، حين بدأ يسمع من صهاينة أميركيين شباب تصريحات عنصرية متطرفة ضد الفلسطينيين، وصلت إلى حد المطالبة بإبادتهم بالسلاح النووي. تلك اللحظة، كما يقول، كانت نقطة الانكسار: "حينها بدأت أتساءل: من هؤلاء؟ وما الذي يجمعني بهم؟".
من التلقين إلى المقاومة
بدأ بوب في قراءة كتب فلسطينية وإسرائيلية نقدية، وزار الضفة الغربية لأول مرة، رأى الجدار العازل، ونقاط التفتيش، والمستوطنات، وعايش معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال. ومنذ ذلك الحين، صار يزور الضفة الغربية بانتظام، ويقضي فيها أشهرا كل عام، يشارك في أعمال الحماية الشعبية من عنف المستوطنين، خصوصا في المناطق المهددة بالتهجير مثل مسافر يطّا، التي ألهمت الفيلم الوثائقي No Other Land الفائز بجائزة الأوسكار. يقول بوب: "في الضفة الغربية رأيت الغطرسة والعنصرية، ورأيت كيف تُسرق الأرض، وكيف يُعامل الفلسطينيون ككائنات غير بشرية. هناك، شعرت بأني أعود إلى جذوري الفلسطينية".
التناقض داخل الهوية اليهودية - العربية
يعرف بوب أن تحوّله من الفكر الصهيوني إلى دعم الحق الفلسطيني لا يعكس التيار العام بين يهود الشرق، أو ما يُعرف باليهود العرب، الذين شكّلوا منذ السبعينيات كتلة انتخابية داعمة لليمين الإسرائيلي، وصوّتوا بكثافة لحزب الليكود. ومن بين هذه الكتلة خرج الحاخام المتطرف عوفاديا يوسف، صاحب التصريحات العنصرية ضد العرب، وكذلك الوزير إيتمار بن غفير، الذي يعبّر عن أقصى تطرف المعسكر الاستيطاني القومي. غير أن بوب يرى جذوره بطريقة مختلفة، بالقول: "أشعر بأنني في فلسطين في بيتي أكثر من إسرائيل"، مضيفاً "ثقافتهم تشبه ثقافة أمي، طعامهم، دفؤهم، روحهم... لقد كانت والدتي تطهو الفلافل والحمص وتخبز الخبز الفلسطيني، وهذا ما عشت عليه طفولتي".
على متن "حنظلة"
أبحر بوب مع رفاقه من المتطوعين الدوليين على متن "حنظلة"، محمّلين بمساعدات رمزية وروح مقاومة رمزية أكبر، يقول: "أنا على متن حنظلة لأنني لا أستطيع أن أكون صامتا. نحن نلقي الضوء على أكبر مظلمة في عصرنا، وأنا فخور بأن أكون جزءاً من هذا الفعل النبيل". بوب سبيري ليس وحيدا. هناك آخرون من يهود أوروبا وأميركا وغير اليهود قطعوا رحلة مماثلة، انتقلوا من معسكر الصهيونية إلى معسكر العدالة، وكثيرون منهم احتاجوا إلى رؤية الواقع بأعينهم لاكتشاف أن الصهيونية ليست وعدا مقدسا، بل مشروع استعماري لا يمكن تبريره بالأساطير الدينية أو سرديات الفناء. في النهاية، كما يقول بوب: "لقد غيرت هذه الرحلة حياتي، وغيّرت هويتي. فلسطين اليوم هي موطني الأخلاقي، وهي التي أعادت إليّ إنسانيتي".
ومساء السبت، احتجز جيش الاحتلال الإسرائيلي سفينة حنظلة من المياه الدولية واختطف بوب مع 20 ناشطاً آخرين، كما يفعل عادة في كل محاولاته لطمس حقيقة جرائمه، التي باتت تفضح أكثر فأكثر هذه الأيام، حيث تمنح فلسطين لكثيرين من أمثال بوب فرصة التطهر من التلقين الفاشي الصهيوني لعقود طويلة.