من حبس على الورق لمرحلة "الأونلاين": توسع المخالفات في مصر

من حبس على الورق لمرحلة "الأونلاين": توسع المخالفات في مصر

31 ديسمبر 2021
يحرم القرار الأهالي من رؤية ذويهم أيام تجديد الحبس (محمدالشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

أصدر وزير العدل المصري، عمر مروان، قراراً نشر أول من أمس الأربعاء، بالبدء في تحويل الكلام الشفوي إلى محضر مكتوب خلال الجلسات، واستخدام تقنية تجديد الحبس عن بُعد. وهو قرار واجه اعتراضات قانونية وحقوقية عدة، بسبب تعارضه مع نصوص القانون التي تستوجب سماع أقوال النيابة العامة وسماع أقوال المتهم في حضور محاميه، الذي يجب أن يتمكن من تقديم كافة دفوعه كما نص القانون.

كما أن القرار يحرم المتهم من المثول القانوني أمام قاضيه الطبيعي في مواعيده القانونية التي قد  تكون فرصة لإخلاء سبيله. وأحدث القرار موجة غضب خصوصاً بين أهالي السجناء المحبوسين احتياطياً.

مواد قرار عمر مروان

وجاء في المادة الأولى من نص القرار رقم 1901 لسنة 2021 أنه "بعد الاطلاع على قانون العقوبات وعلى قانون الإجراءات الجنائية وعلى قانون السلطة القضائية رقم 4 لسنة 1972، ومع مراعاة كافة الضمانات القانونية، يجوز للسادة القضاة عقد جلسات نظر تجديد الحبس الاحتياطي واستئنافه عن بُعد باستخدام التقنيات الحديثة".

ونصت المادة الثانية من القرار على أنه "يجوز تسجيل محاضر الجلسات المبينة في المادة السابقة وغيرها عن طريق تقنية تحويل الكلام الشفوي إلى محضر مكتوب يوقّع عليه كل من رئيس المحكمة وسكرتير الجلسة". ويُعمل بهذا القرار، وفق المادة الثالثة منه، "اعتباراً من يوم السبت الموافق الأول من يناير/كانون الثاني 2022، وعلى الجهات المختصة تنفيذه".

يبدأ العمل بالقرار الجديد اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني 2022

وكانت وزارة العدل قد بدأت المرحلة التجريبية من مشروع مكننة محاضر الجلسات، وتحويل الصوت إلى نص مكتوب، بالتعاون مع مجمّع الإصدارات المؤمنة والذكية، وذلك في جلسات نظر تجديد الحبس عن بُعد بمحكمة القاهرة الجديدة، تمهيداً لتعميمه على سائر المحاكم.

وأخيراً استعرض مروان، في اجتماع مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي، جهود تطوير منظومة التقاضي على مستوى الجمهورية، من حيث رفع كفاءة مقار وأبنية المحاكم الحالية في جميع المحافظات، وتطوير الجانب التقني بالتوسع في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحويل الكلام إلى نص مكتوب خلال الجلسات القضائية.

تعميق إهدار العدالة في مصر

وعلى الرغم من الإعلان عن هذا القرار قبل أشهر عدة من بدء تنفيذه رسمياً، إلا أنه أثار غضب أهالي السجناء السياسيين في مصر، خصوصاً الممنوعين من الزيارات، لأنه سيتسبب في حرمانهم من رؤية ذويهم أيام تجديد الحبس.

كما أن هذا القرار يحرم السجين السياسي نفسه من رؤية الشمس في اليوم الوحيد الذي يخرج فيه من زنزانته الفردية، بالإضافة إلى أنه يعمق إهدار العدالة نتيجة حرمان السجين من حضور جلسة تجديد حبسه وتحدثه للقاضي مباشرة.

يشار إلى أن العشرات، وربما المئات من السجناء السياسيين، ممنوعون تماماً من الزيارة منذ سنوات عدة، وكانت جلسات تجديد حبسهم وجلسات محاكماتهم هي السبيل الوحيد لاطمئنان أهلهم عليهم، من خلال انتظارهم ورؤيتهم في عربة الترحيلات.

ومن بين السجناء السياسيين الممنوعين من الزيارة، المدون محمد إبراهيم صاحب مدونة "أكسجين مصر"، الذي حرمته إدارة سجن طره 2 شديد الحراسة، منذ فبراير/شباط 2020 من الزيارات.

كما أن إدارة السجن رفضت إيداع أسرة المدوّن المذكور لمبالغ مالية لحسابه فيما يعرف بـ"الكانتين". ومن ناحية أخرى، لا يعلم أهله أو محاموه ما إذا كانت اﻷطعمة والمستلزمات الشخصية تصل له فعلاً عند تسليمها للحرس الموجود على بوابة السجن.

وكانت المرات الوحيدة التي اطمأن فيها أهل إبراهيم عليه، في جلسات محاكمته والتي انتهت أخيراً بالحكم عليه بالسجن أربع سنوات.

انتقادات من قبل محامين

انتقادات القرار جاءت من قبل محامين أيضاً، والذين ندد بعضهم في تعليقات لهم بـ"تحوّل منظومة العدالة في مصر لتصبح روبوتات تعمل آلياً، لا مجال للإبداع فيها من خلال وكيل النيابة أثناء التحقيق، والذي أصبح أمامه السؤال على الشاشة معدّا سلفاً من برنامج إلكتروني، ولا مجال له لاستيضاح ملابسات وظروف الدعوى ولا الباعث على الجريمة".

وكانت السلطات القضائية المصرية، قد بدأت بتجديد حبس المتهمين على ذمة القضايا، على الورق ومن دون حضورهم أو الاستماع لهم، منذ إبريل/نيسان 2020، بسبب "التعذرات الأمنية"، في خطوة غير قانونية تشكل انتهاكاً لحقوق المحبوسين.

وتحججت السلطات المصرية حينها، بعدم نقل المتهمين للجلسات، بانتشار وباء كورونا، على الرغم من عدم وجود نصوص قانونية أو أي ذكر لإجراء "التعذرات الأمنية" في القوانين المصرية.

القرار يحرم السجين السياسي من رؤية الشمس في اليوم الوحيد الذي يخرج فيه من زنزانته الفردية

تجديدات الحبس على الورق، صاحبتها أيضاً انتقادات حقوقية وقانونية حادة، ودفعت المحامي الحقوقي البارز، خالد علي، للتقدّم في 3 مايو/أيار الماضي بطلب للأمانة العامة لمجلس القضاء الأعلى والمكتب الفني للنائب العام، بشأن إصدار أوامر بتجديد حبس متهمين 45 يوماً بدون إحضارهم من محبسهم، أو سماع دفاع محاميهم" ولا سيما في مايو 2020.

وأشار علي إلى أن قانون الإجراءات الجنائية والمواد "136، 142، 143، 202، 203" منه، وهي المواد التي تخاطب جميع النيابات والمحاكم التي لها سلطة إصدار أمر الحبس الاحتياطي، جميعها تشترط أمرين لصحة إجراءات جلسة التجديد.

الشرط الأول هو ألا تُصدر النيابة أو القاضي، حسب الأحوال، أمر تجديد الحبس إلا بعد سماع النيابة والمتهم، إذا كان ينظر بالتجديد قاضٍ، وسماع دفاع المتهم إذا كانت النيابة هي التي تصدر أمر التجديد. والشرط الثاني، أن يتم التجديد قبل انتهاء مدة الحبس التي صدر بها أمر سابق.

وأضاف علي، في مذكرته القانونية أنه "لذلك، فكل ما تم من تجديد حبس المتهمين بالجلسات التي انعقدت أيام 4 و5 و6 مايو 2020، تم بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية على النحو السالف بيانه، وأضحى التجديد باطلاً، وسقط أمر الحبس عن المسجونين، ووجب الإفراج عنهم". وطالب علي بسرعة النظر في الشكوى والتحقيق في هذه الوقائع واتخاذ اللازم قانوناً.

كما أن هذه القرارات تتعارض مع نصوص قانونية خاصة بحق المتهم ومحاميه، وتنظيم أوامر الحبس ومددها، وآليات تطبيقها في قانون الإجراءات الجنائية المصري، والذي نص في المادة 136 منه على أنه "يجب على قاضي التحقيق قبل أن يصدر أمراً بالحبس، أن يسمع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم، ويجب أن يشتمل أمر الحبس على بيان الجريمة المسندة إلى المتهم والعقوبة المقررة لها، والأسباب التي بني عليها الأمر". ويسري حكم هذه المادة على الأوامر التي تصدر بمد الحبس الاحتياطي وفقاً لأحكام هذا القانون.

المساهمون