من الثكنات للمستشفيات والسجون... "التصويت الخاص" مؤثر في انتخابات العراق
استمع إلى الملخص
- يُعتبر التصويت الخاص كتلة انتخابية مؤثرة، حيث تذهب غالبية أصوات الجيش إلى ائتلاف "دولة القانون"، بينما تتوزع أصوات الحشد الشعبي بين الفصائل المختلفة، مما يزيد من تأثيره على النتائج النهائية.
- تواجه عملية التصويت الخاص تحديات تتعلق بالضغط السياسي، وتستدعي إجراءات لضمان النزاهة، مثل تحديث سجلات الناخبين واعتماد آليات تحقق بايومترية لمنع التزوير.
يستعدّ أكثر من مليون و300 ألف عنصر من الجيش والشرطة وقوات "الحشد الشعبي" في العراق، إلى جانب النزلاء في السجون والمستشفيات، للتصويت في الانتخابات التشريعية العراقية بنسختها السادسة منذ الغزو الأميركي للبلاد. التصويت الخاص، الذي سيجرى قبل 48 ساعة من يوم الاقتراع العام المقرر الثلاثاء المقبل في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، تعوّل عليه القوى الرئيسية في البلاد على اعتبار أن تأسيس قوات الأمن والجيش، وأخيراً الحشد الشعبي، كان ضمن منظور سياسي وحزبي ومحاصصاتي، وتسعى من خلاله إلى تحصيل أعلى عدد من الأصوات في الانتخابات، خصوصاً مع توقعات بأن تكون نسبة الاقتراع ومشاركة الناخبين في انتخابات العراق منخفضة جداً هذا العام.
التصويت الخاص في انتخابات العراق
ويقصد بـ"التصويت الخاص" عملية الاقتراع للناخبين الذين يتعذّر عليهم الحضور إلى مراكز الاقتراع العامة يوم الانتخابات، وفي مقدمتهم منتسبو الأجهزة الأمنية والعسكرية، ونزلاء السجون، والمرضى الراقدون في المستشفيات، إضافة إلى بعض الكوادر الخدمية المكلّفة بالعمل أثناء العملية الانتخابية. ومن المفترض أن تُجرى انتخابات "التصويت الخاص" لقوات الأمن والجيش ونزلاء السجون والمستشفيات في 9 نوفمبر (يوم الأحد المقبل)، بمشاركة أكثر من مليون و300 ألف ناخب، وفقاً لأرقام رسمية أعلنتها مفوضية الانتخابات، فيما تشير التقديرات إلى أن نحو مليون ومائة ألف منهم هم من القوات الأمنية، موزعين بين 650 ألف للداخلية و450 ألف عنصر جيش، إلى جانب 215 ألف عنصر من الحشد.
يشارك أكثر من مليون و300 ألف ناخب في التصويت الخاص
ووقفاً لأرقام مفوضية الانتخابات، فإن عدد ناخبي التصويت العام بلغ 20 مليوناً و63 ألفاً و773 ناخباً، فيما بلغ عدد ناخبي التصويت الخاص، والذي يشمل القوات الأمنية والسجناء وغيرهم، مليوناً و313 ألفاً و980 ناخباً، في حين بلغ عدد ناخبي فئة النازحين 26 ألفاً و538 ناخباً.
وحدّدت الحكومة 11 نوفمبر الحالي موعداً رسمياً لإجراء الانتخابات التشريعية العامة في البلاد، بنسختها السادسة منذ الغزو الأميركي. ومنعت وزارتا الدفاع والداخلية دخول المرشحين وزعماء الأحزاب إلى القواعد والثكنات العسكرية بغرض الترويج، كما فُرض حظر على أي دعايات انتخابية داخلها.
وأوضح عضو الفريق الإعلامي لمفوضية انتخابات العراق حسن هادي، لـ"العربي الجديد"، أن التصويت الخاص "يشمل منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، وجهازي الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب، والحشد الشعبي، وكذلك النزلاء في السجون والمرضى الراقدين في المستشفيات بحسب السياقات القانونية والتعليمات الصادرة عن المفوضية"، مضيفاً أن هذا النوع من التصويت "يتيح لهذه الفئات ممارسة حقّها الدستوري دون الإخلال بواجباتها المهنية التي تضمن الأمن والنظام خلال يوم الانتخابات". وأكد أن "العمل جارٍ على تهيئة مراكز اقتراع خاصة ومؤمّنة بالكامل، مع اتخاذ أعلى درجات الدقة للتحقق من هوية الناخبين ومنع أي محاولة ازدواج أو تلاعب"، متحدّثاً عن "التزام المفوضية بمعايير الشفافية وتسهيل مهمة وكلاء الأحزاب والمراقبين المحليين والدوليين أثناء عملية التصويت والعدّ والفرز".
واعتبر هادي أن "نتائج التصويت الخاص في انتخابات العراق تُعد جزءاً لا يتجزأ من النتائج النهائية، وتخضع للإجراءات ذاتها في الاعتماد والمصادقة من قبل المفوضية والمحكمة الاتحادية العليا، ما يعزّز من نزاهة الانتخابات وشموليتها". وتسعى المفوضية من خلال هذا الإجراء، وفق شرحه، إلى "توسيع قاعدة المشاركة الشعبية وإتاحة المجال أمام القوات الأمنية وباقي الفئات المشمولة للتعبير عن اختيارها بحرية ومسؤولية".
وبالعودة إلى انتخابات العراق التشريعية في عام 2018 التي شهدت مشاركة قوات الأمن والجيش والحشد الشعبي، أوضح الخبير في الشأن العراقي أحمد الموسوي أن تلك الانتخابات، التي بلغت نسبة المشاركة فيها حدود 44%، منحت الفصائل والقوى القريبة منها ثمانية مقاعد جاهزة في البرلمان. ولفت إلى أنه كلّما انخفضت نسبة التصويت العام بالنسبة للجمهور العراقي، فإن أهمية التصويت الخاص تزداد، بسبب كونهم كتلة انتخابية ضخمة وثابتة. واعتبر أن غالبية أصوات الجيش تذهب إلى ائتلاف "دولة القانون" الذي يرأسه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لاعتبارات أن غالبية الجيش أُسّس أو قُبل أفراده في حكومة المالكي الأولى والثانية، بينما أصوات وزارة الداخلية ستكون بشكل واسع للبدريين، في إشارة إلى منظمة بدر بزعامة هادي العامري، التي قضت المحاصصة بين القوى السياسية أن تكون وزارة الداخلية من حصتها.
أحمد الموسوي: غالبية أصوات الجيش تذهب إلى ائتلاف المالكي، وأصوات الداخلية إلى البدريين
وأشار الموسوي إلى أن أصوات الحشد الشعبي ستتفرّق بين الفصائل: عصائب أهل الحق، كتائب حزب الله، بدر، سيد الشهداء، والإمام علي، على اعتبار أنها الأكثر عدداً، مستفيدة من غياب الصدريين الذين يشكّلون الكتلة البشرية الأهم في مؤسسة "الحشد الشعبي" عبر فصيل "سرايا السلام" بزعامة مقتدى الصدر، حيث لن يشاركوا في الانتخابات. مع العلم أن "الحشد" استُثني من التصويت الخاص في انتخابات 2021.
كتلة مؤثرة
ورأى الخبير في الشأن القانوني والانتخابي حبيب القريشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التصويت الخاص في انتخابات العراق سيرفع بقوة من نسب المشاركة الإجمالية". وأضاف: "هذه الكتلة التصويتية مؤثرة في النتيجة النهائية، إذ تمثل قوة منظمة في توجهاتها الانتخابية مقارنة بالمدنيين، ما يجعل أصواتها عاملاً مرجحاً لصالح بعض القوى والأحزاب التي تحظى بدعم ضمن هذه المؤسسات أو تنجح في كسب ثقتها عبر برامج داعمة لاستقرار الأمن وتحسين أوضاع المنتسبين".
وأوضح قريشي أن "إدارة التصويت الخاص بطريقة نزيهة وشفّافة ستساعد على تعزيز ثقة الرأي العام بالعملية الانتخابية، إلى جانب توفير فرصة متكافئة لجميع القوى السياسية للتواصل مع هذه الشريحة وفق القانون، والمفوضية ملزمة بتأمين مراكز الاقتراع الخاصة بشكل كامل، ومنح الفرصة للمراقبين لمتابعة مجريات العملية عن قرب". وأكد القريشي أن "مشاركة القوات الأمنية في الانتخابات ترمز إلى قوة الدولة وحيادية مؤسساتها، وتدل على أن حماية الديمقراطية وحق المواطن في الاختيار الحرّ هي مسؤولية مشتركة بين الجميع". وختم بأن "ارتفاع المشاركة في التصويت الخاص سينعكس إيجاباً على الصورة العامة للانتخابات"، وحثّ "المنتسبين المشمولين، على الاستمرار في المشاركة الواعية والالتزام بالتعليمات لضمان عملية انتخابية ناجحة وممثلة لإرادة جميع العراقيين".
في المقابل، حذّر الناشط السياسي مجاشع التميمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، من محاولات بعض الأطراف السياسية والشخصيات المتنفذة التحكم في أصوات التصويت الخاص في انتخابات مجلس النواب العراقي، فبرأيه قد يصبح هذا النوع من التصويت، الذي يشمل القوات الأمنية والعسكرية وموظفي الوزارات والمستشفيات والسجون، "هدفاً للضغط والتهديد والتأثير على إرادة الناخبين إذا لم يتم تأمينه بطريقة نزيهة وشفافة".
مجاشع التميمي: السيطرة على هذه الفئة من الناخبين قد تغيّر نتائج بعض الدوائر الانتخابية
وبيّن التميمي أن "التصويت الخاص يمثل حقاً دستورياً لجميع المواطنين المشمولين، ويجب أن يكون بعيداً عن أي ممارسات ضغط أو ابتزاز سياسي"، مضيفاً أن "أي محاولة للتأثير على الناخبين داخل مراكز الاقتراع الخاصة تشكل تهديداً مباشراً لمصداقية الانتخابات ونزاهتها". وأوضح أن "السيطرة على هذه الفئة من الناخبين قد تغيّر نتائج بعض الدوائر الانتخابية وتؤثر على المشهد السياسي العام، وهو ما يضع مسؤولية كبيرة على السلطات المعنية لضمان عملية انتخابية حرّة وعادلة، كما على جميع المشمولين بالتصويت الخاص الإدلاء بأصواتهم بحرية وبعيداً عن أي ضغوط".
وأكد الناشط السياسي أن "مشاركة هذه الفئة بشكل مستقل تعزّز من مصداقية العملية الانتخابية وتزيد ثقة المجتمع بنتائجها، والتصويت الخاص ليس مجرد إجراء شكلي، بل ركيزة أساسية لتعزيز الديمقراطية وتمكين جميع الفئات من ممارسة حقها الانتخابي دون خوف أو تأثير خارجي".
وتشدد التشريعات العراقية في هذا الشأن على اعتماد سجلات ناخبين مخصصة للتصويت الخاص، تُحدّث بالتنسيق بين المفوضية والجهات الأمنية والصحية لضمان دقة البيانات والحدّ من تكرار التصويت أو التزوير. كما تخضع عملية التصويت الخاص في انتخابات العراق لإجراءات رقابية صارمة تشمل حضور المراقبين المحليين والدوليين ووكلاء الكيانات السياسية، مع اعتماد الآليات البايومترية في التحقق من هوية الناخبين لضمان نزاهة العملية وسلامتها.
ويُعد التصويت الخاص جزءاً لا يتجزأ من منظومة الانتخابات العامة، إذ تُدمج نتائجه مع نتائج التصويت العام ضمن الدائرة الانتخابية نفسها، بما يضمن عدم تمييز أي فئة من الناخبين، ويعزز مبادئ المشاركة الشاملة وتكافؤ الفرص التي ينص عليها الدستور العراقي.
وشهد العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003 خمس عمليات انتخاب تشريعية، الأولى في عام 2005 (قبلها أُجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقلّ من عام)، فيما كانت الأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021. وجرى اعتماد قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة في النسخ الأربع الأولى، أما الانتخابات الأخيرة في عام 2021 فأُجريت وفق الدوائر المتعددة بعد ضغط قوي من الشارع والتيار الصدري لإجراء هذا التعديل الذي كان يعارضه "الإطار التنسيقي". وفي مارس/ آذار 2023، صوّت البرلمان العراقي على التعديل الثالث لقانون الانتخابات الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة.