استمع إلى الملخص
- أظهر استطلاع أن أكثر من 80% من اليهود في إسرائيل يؤيدون خطة ترامب لتهجير سكان غزة، مما يعكس دعماً تاريخياً لمشاريع التهجير في السياسة الإسرائيلية، بما في ذلك دعم من حزب الليكود وأعضاء المعارضة.
- تصريحات ترامب دعمت استقرار حكومة نتنياهو، لكن إطلاق سراح الأسرى أثار تساؤلات حول مصير الأسرى الآخرين، مما قد يؤدي إلى احتجاجات تهدد استقرار التحالف الحكومي.
انتقل المجتمع الإسرائيلي خلال أقل من أسبوع من حالة الاحتفاء والنشوة بتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 4 فبراير/شباط الحالي، حيث أعلن عن مشروعه لتهجير سكان غزة، إلى حالة من الإحباط الجماعي بعد مشاهدة إطلاق سراح ثلاثة أسرى إسرائيليين يوم السبت 8 فبراير. وبدت آثار سوء التغذية والإرهاق واضحة على المحتجزين، كما هو حال سكان قطاع غزة كافة، نتيجة لحرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، والغذاء، والدواء. وعلى الرغم من التوقعات المسبقة بسوء أوضاع المحتجزين، إلا أن رؤية الواقع شكّلت صدمة.
في الوقت نفسه، يتجاهل المجتمع الإسرائيلي عموماً الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، ويؤيد بغالبيته الحصار المفروض، بما في ذلك منع إدخال المساعدات الإنسانية، والغذاء، والدواء. كذلك تدعم غالبية المجتمع الإسرائيلي الأفكار التي طرحها ترامب لتهجير سكان غزة.
مشروع التهجير واحتفاء القبيلة في إسرائيل
طلب استطلاع "معهد سياسة الشعب اليهودي"، الذي نُشر بداية شهر فبراير الحالي، من المشاركين فيه تحديد موقفهم من مقترح ترامب نقل سكان قطاع غزة إلى دولة أخرى. وجد الاستطلاع أن 52% من المجتمع اليهودي في إسرائيل يعتقد أن خطة ترامب "عملية" ويجب على إسرائيل أن تحاول الترويج لها. بينما أجاب 30% آخرون بأن الخطة "غير عملية"، لكنهم يتمنون لو كانت كذلك، ما يعني دعمهم المبدئي لها على الرغم من الشكوك في إمكانية تنفيذها. في المجمل، أكثر من 80% من المستطلعين اليهود في إسرائيل يؤيدون الخطة بالمبدأ.
أظهر استطلاع أن أكثر من 80% من اليهود يؤيدون بالمبدأ خطة تهجير الغزيين
لم تكن مشاريع تهجير الفلسطينيين، داخل حدود الـ48 أو من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، أمراً جديداً في السياسة الإسرائيلية، إذ تبنّتها أحزاب مختلفة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومن بينها: حزب "كاخ" بقيادة الحاخام مائير كاهانا؛ حزب "تسومت" بقيادة رفائيل إيتان (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي 1978-1982)؛ حزب "موليدت" بقيادة رحبعام زئيفي (الذي شغل أيضاً مناصب عسكرية عليا)؛ وحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان، الذي طرح عام 2009 مشروع تبادل سكاني بين السكان الفلسطينيين في منطقة المثلث (داخل حدود الـ48) وضمهم إلى السلطة الفلسطينية، مقابل ضم المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية إلى إسرائيل. وفي العقد الأخير، يطرح حزبا "الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش و"العظمة اليهودية" بقيادة إيتمار بن غفير، مشاريع تهجير الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1967 رسمياً في برامجهما الانتخابية.
لم يكن دعم فكرة التهجير محصوراً في أحزاب اليمين المتطرف، بل إن نواباً ووزراء من حزب الليكود، وحتى بعض أعضاء المعارضة، أيّدوا هذه المشاريع علناً، كما جاء في المقال المشترك الذي نشره عضوا الكنيست رام بن براك (حزب المعسكر الرسمي) وداني دانون (الليكود) في صحيفة وول ستريت جورنال بداية عام 2024، والذي طرحا فيه مشروع تهجير سكان غزة.
اقتراح ترامب، حتى ولو أوضح عدد كبير من المحللين الإسرائيليين أنه غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع، ساهم في إنتاج أجواءً سياسية مريحة لنتنياهو أمام شركائه من اليمين المتطرف. فقد أدى إلى تراجع الوزير سموتريتش عن التهديد بالانسحاب من التحالف الحكومي، وألمح إيتمار بن غفير إلى إمكانية عودته إلى التحالف الحكومي. بذلك حقق نتنياهو واحداً من أهم أهداف الزيارة، وهو ضمان استقرار التحالف الحكومي وعدم إظهار خلافات بينه وبين الرئيس الأميركي حول استمرار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس. إذ اعتقد البعض أن هذا المحور سيؤدي إلى خلافات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأميركي.
نشر نتنياهو مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد يومين من لقائه ترامب، استعرض فيه إنجازات زيارته لواشنطن واللقاء "التاريخي" مع الرئيس الأميركي، وشدد على "الفكرة الإبداعية" لترامب بشأن نقل سكان غزة إلى دول الجوار. وأضاف نتنياهو أن "جميع من التقاهم في واشنطن اتفقوا معي على أمرين: ضرورة منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، وضرورة القضاء على حماس وعدم بقائها في غزة". نتنياهو لم يتطرق في كلمته المصورة بتاتاً إلى موضوع الأسرى والمخطوفين.
بغضّ النظر عن أهداف ترامب الحقيقية، وغير المعلنة، لا يمكن التخفيف من خطورة تصريحاته، خصوصاً أن المؤسسة الإسرائيلية تتعامل معها بجدية كما تبيّن من قرار وزير الأمن يسرائيل كاتس إصدار تعليمات للجيش الإسرائيلي لبدء التحضير لترجمة الاقتراح (تهجير أهالي غزة) على أرض الواقع. وحتى لو اقتصرت نتائج اقتراح ترامب في الحفاظ على تماسك حكومة نتنياهو وعدم انسحاب سموتريتش من الحكومة، فهذا بحد ذاته مؤشر على نيات ترامب بالحفاظ على تحالف اليمين المتطرف ودعم حكومة نتنياهو. نتائج لقاء نتنياهو مع ترامب خففت من الضغوط على نتنياهو لاستمرار التقدم في تنفيذ المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى والمخطوفين ووقف إطلاق النار، وأدت إلى احتفال المجتمع الإسرائيلي بشرعنة مشاريع التهجير وتبنيها من قبل الرئيس الأميركي، وتحويلها بذلك إلى مشاريع علانية، ترفع صفة التطرف عن الأحزاب الإسرائيلية التي تطرحها.
اقتراح ترامب تهجير الفلسطينيين ساهم في إنتاج أجواء سياسية مريحة لنتنياهو أمام شركائه من اليمين المتطرف
كان هذا صحيحاً لغاية يوم السبت 8 فبراير، حين أطلقت "حماس" سراح ثلاثة أسرى إسرائيليين جدد، والكشف عن حالتهم الصحية. أعاد إطلاق سراح الإسرائيليين المجتمع الاسرائيلي إلى أرض الواقع، وعزز، على ما يبدو، مطلب الاستمرار بتنفيذ اتفاق التبادل. أي إن إطلاق سراح الأسرى والمخطوفين عرقل وحذف المسار الناتج من لقاء نتنياهو مع ترامب.
هل يحفز إطلاق الأسرى تصعيد الاحتجاج؟
اكتشف المجتمع الإسرائيلي في 8 فبراير أن ما يعانيه الشعب الفلسطيني في غزة، ويرفض المجتمع الإسرائيلي مشاهدته والاعتراف بوجوده، يؤثر أيضاً بأجساد الأسرى الإسرائيليين. كان هذا سبباً لشبه انهيار أعصاب ومعنويات جماعي في المجتمع الإسرائيلي. وطرح السؤال إذا هذا هو حال من يطلق سراحه اليوم، فكيف سيكون حال بقية الأسرى والمخطوفين المفروض تحريرهم في الجولات المقبلة؟ وماذا سيحل بمن سيبقى في غزة إن فشل التقدم نحو المرحلة الثانية من الصفقة؟ وكيف يمكن أن نقبل بذلك؟ باختصار، أخرجت صور الأجساد النحيلة للأسرى الإسرائيليين الأسئلة الصعبة التي تهرّب منها المجتمع لغاية الآن.
يرى البعض أنه فقط عبر تصعيد الضغط على حكومة نتنياهو والاحتجاج الجدي يمكن الدفع نحو استمرار تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تشمل، من ضمن أمور عديدة، انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) في الحدود بين القطاع ومصر، واستكمال الانسحاب من قطاع غزة، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين ذوي محكومات مرتفعة، أي قيادات سياسية وعسكرية فلسطينية. وهي بنود يمكن أن تؤدي إلى انسحاب سموتريتش من التحالف الحكومي، وبقاء نتنياهو دون دعم أحزاب اليمين المتطرف. ما يعني إلغاء جزء من الإنجازات السياسية الناتجة من لقاء نتنياهو مع ترامب، ويعيد إمكانية تفكك التحالف الحكومي إلى أمر واقع وإلى واجهة الأزمات التي يتوجب على نتنياهو التعامل معها.
رغبة ترامب في الحفاظ على حكومة اليمين والحفاظ على مصالح نتنياهو اصطدمت بالواقع. وبات قرار ترامب الدفع نحو التوصل إلى اتفاق تبادل ووقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، يشكل تهديداً على حكومة نتنياهو، وإن لم يرد ذلك. فهل تسعف مشاريع التهجير المتخيّلة، ومخططات بناء الريفييرا في غزة، وبالونات الاتفاق مع السعودية، حكومة نتنياهو والتحالف الحكومي من التفكك؟ أم أن نتنياهو سيعمل مرة أخرى على إفشال التقدم نحو تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق أو افتعال أزمات أمنية عسكرية للتنصّل من استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار والتبادل، لكي يمنع انهيار التحالف؟ وكيف سيكون رد فعل الشارع الإسرائيلي؟
المرجح أن يكون رد فعل المجتمع الإسرائيلي، خصوصاً أهالي الأسرى والمخطوفين، أكثر حدة هذه المرة، إذ أصبحت الحقائق التي حاول تجاهلها واضحة أمامه، ولن يرضخ لتلاعب نتنياهو وتحايله ومناوراته. وقد يدفع المجتمع الإسرائيلي إلى إعادة التفكير في تداعيات استمرار الحرب وعدم تنفيذ المراحل المقبلة من صفقة التبادل، وتصعيد الاحتجاج، خصوصاً في ضوء الصدمة الجماعية من حالة الأسرى والمخطوفين وآثار سوء التغذية والإرهاق الشديد، والقناعة بأن تعطيل الاتفاق سيكون من دوافع سياسية فقط، أبرزها الحفاظ على التحالف الحكومي، واستجابة لتهديد سموتريتش بالانسحاب من الحكومة.