منير أكرم لـ"العربي الجديد": الانسحاب الأميركي الفوضوي ذروة الأخطاء

السفير الباكستاني لدى الأمم المتحدة منير أكرم لـ"العربي الجديد": الانسحاب الأميركي الفوضوي ذروة الأخطاء

10 سبتمبر 2021
أكرم: تقديراتنا كانت أن الجيش الأفغاني لن يصمد (تيموثي كلاري/فرانس برس)
+ الخط -

تتجه الأنظار نحو باكستان كواحدة من الدول التي لها تأثير على حركة طالبان في أفغانستان، ناهيك عن أن البلدين تربطهما شراكة إقليمية وجغرافية. إذ إن حدودهما المشتركة يفوق طولها الـ2500 كيلومتر، كما تربطهما علاقات تجارية وثقافية ودينية، وحتى صلات قرابة. والتقت "العربي الجديد" في نيويورك السفير الباكستاني لدى الأمم المتحدة منير أكرم، للحديث عن آخر التطورات في أفغانستان وقراءته لها.
* يناقش مجلس الأمن الدولي في نيويورك التجديد لعمل بعثة الأمم المتحدة لأفغانستان (يوناما)، وسيصوت الأسبوع القادم عليها. كجيران وإحدى دول المنطقة، هل ترون أن التجديد يجب أن يرافقه تغيير في مهام البعثة؟
ــ هناك الكثير من الحديث حالياً عن التجديد الآلي للبعثة. ولكن ما زلنا ندرس بعض التفاصيل القانونية، حيث صيغت مهام البعثة في السنوات الماضية في إطار يفترض تعاوناً مع الحكومة في كابول. وكل خطوة في مهام البعثة كانت تتعلق بمساعدة الأمم المتحدة لحكومة أفغانستان آنذاك. والآن هناك حكومة جديدة لم يُعترف بها دولياً. والسؤال المطروح هو ما هي العلاقة القانونية بين السلطات الحاكمة (طالبان) وبعثة الأمم المتحدة لأفغانستان؟ إن الدول الأعضاء في المجلس تتباحث حالياً حول ما إذا كان التجديد الآلي لعمل البعثة كافياً، أو ما إذا كانت هناك إجراءات قانونية جديدة ستطرأ على مهام البعثة. أتوقع أن تتضح الأمور والنقاط التي نناقشها خلال الأيام القادمة.

باكستان تضغط على طالبان لكي تتوافق مع الأطراف الأفغانية الأخرى

* هناك اتهامات بأنكم ساعدتم طالبان في القتال في إقليم وادي بانشير. ما تعليقكم؟
ــ هذه اتهامات وردت في مقال في "طهران تايمز"، ولديهم أحياناً مواقف راديكالية، لا تعكس ما يحدث بين الدول. نحن على اتصال وثيق مع إيران، وقد حضرت إيران اجتماعات دول الجوار حول أفغانستان، الإثنين (الماضي)، كما حضرت لقاءً وزارياً حول الموضوع نفسه، الأربعاء (الماضي)، دعت إليه باكستان. إيران وباكستان تتفقان على ضرورة أن تكون هناك حكومة تشمل الجميع، وعلى ضرورة أن تتواصل طالبان مع بقية الأطراف المهمة في أفغانستان. وحتى في ما يخص بانشير، فإننا حاولنا المساعدة، وحاولنا ترتيب مفاوضات بين "طالبان" وعم أحمد مسعود الذي يعيش في إسلام أباد.
* كيف تقرأون طريقة الانسحاب الأميركي والغربي عموماً من أفغانستان؟ ما هي الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان برأيكم؟
ـ الأخطاء كثيرة، ويصعب الخوض فيها جميعاً هنا. ولكن تقديراتنا في ما يخص التطورات الأخيرة كانت أنه يجب تأمين اتفاق سياسي (بين الأطراف الأفغانية) قبل العسكري (الانسحاب الأميركي). تقديراتنا كانت أن الجيش لن يصمد، ونصحناهم بإبرام اتفاق سياسي قبل ذلك. إن الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان نص على أنه يجب أن تكون هناك تسوية سياسية. وبدأت المحادثات الأفغانية - الأفغانية وماطل (الرئيس السابق أشرف) غني في البداية، حيث لم يطلق سراح السجناء، وطالت العملية، ولم يسمّ حتى فريق مفاوضاته في البداية وغيرها. وكان يأمل أنه عند تولي الرئيس الأميركي جو بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، فإن الأخير سيغير سياسات (الرئيس السابق) دونالد ترامب، ويلغي الاتفاقية التي أبرمها ترامب مع "طالبان" وتعود الأمور إلى ما كانت عليه. لكن بايدن لم يقم بهذا أو ذاك، ولم يلغ الاتفاقية الأميركية، بل قام بتمديد فترة الانسحاب لستة أشهر إضافية. وفي الوقت ذاته فصل الانسحاب كلياً عن المسار السياسي. ووعد غني باستمرار دعم حكومته سياسياً وعسكرياً. ولكن، خلال فترة حكم ترامب، كان الافتراض أنه ستكون هناك حكومة مؤقتة أو حيادية نوعاً وما وأن غني سيرحل. وعند تولي بايدن الحكم بدأ حكم غني حياة جديدة. واعتَقَد أن الدعم الأميركي الجوي سيساعده على الاستمرار والبقاء.

من جهة أخرى، بعد الانسحاب الأميركي أدركت "طالبان" أن الوقت قد حان. باختصار أصبح الحافز للمساومة، والتوصل لحل وسط، أقل بكثير لدى الطرفين وهذا خطأ كبير، برأيي. أن تظن أنه بإمكانك أن تنسحب وأن تظل الحكومة، لتقول انسحبنا لكنها لم تسقط وتحفظ ماء الوجه. لكن كل من يعرف ما يحدث داخل الجيش الأفغاني كان يعرف أنه ضعيف وسيتهاوى. ومن ثم الهلع الذي أدى إلى هذا الانسحاب الضخم والفوضوي. كان من الممكن تنفيذ انسحاب أفضل. كان لدى حركة طالبان حتى اللحظة الأخيرة اتفاق مع زلماي خليل زاد (مبعوث إدارتي ترامب وبايدن للملف الأفغاني)، بأنهم لن يدخلوا كابول. الاتفاق كان أن تقدم القوات الأفغانية والأميركية الحماية للانسحاب، وبعدها ستدخل "طالبان" إلى كابول. ولكن انهارت حكومة غني، وانهارت معها كل الأجهزة العسكرية حول المطار، وبدأ النهب داخل كابول وغيرها. فدخلت "طالبان" إلى العاصمة لفرض النظام، وتفاوضت مع الأميركيين من أجل السماح لستة آلاف جندي أميركي بالنزول إلى مطار كابول وإكمال عمليات الانسحاب. ولكن من نشر الهلع؟ ليس حركة طالبان حيث لم تقتل أحداً. هم (الأميركيون) بأنفسهم بثوا الهلع واشتكوا. كل هذا كان ذروة الأخطاء المتراكمة.
* كيف، برأيكم، يجب أن يتعامل المجتمع الدولي مع "طالبان"؟
ـ الشعب الأفغاني في وضع صعب، ليس فقط بسبب الصراع، ولكن بسبب الجفاف وكورونا والمشاكل المتراكمة. الأمم المتحدة تقدر أن هناك قرابة 14 مليون أفغاني يحتاجون لمساعدات إنسانية. لذلك علينا أن نوصل المساعدات الإنسانية، كي لا تتفاقم الأوضاع ولا ينتشر الجوع والمجاعة وتزداد أعداد اللاجئين، وهذا جزء من المخاوف الدولية، وبصراحة مخاوفنا نحن كذلك. ولذلك من الضروري أن يعمل المجتمع الدولي على تسهيل ذلك. ومن جهتنا سنقدم كل ما بوسعنا لتسهيل ذلك، وتوفير ممر (عبر باكستان إلى أفغانستان).

تشكيل طالبان حكومة شاملة يجعل الاعتراف بها أسهل

ثانياً، نأمل جميعاً أن يكون هناك سلام وأمن في أفغانستان، ونحن نضغط على "طالبان"، لكي تتوافق مع الأطراف الأفغانية الأخرى، إثنية أو دينية وغيرها، ليست جزءاً من الحركة ولديها مصالح مختلفة. ونناشد "طالبان" ضمها للبنيان. هذا ليس سهلاً، لأنهم انتصروا. وكان هذا ربما أسهل بكثير قبل انتصارهم. ونعمل بمساعدة دول المنطقة والمجتمع الدولي، الصينيين والروس، لدفعهم لتوفير شعور بالأمان للمجموعات الأخرى على الأقل. وهذا في مصلحتهم.
الأمر الثالث يتعلق بقضية الإرهاب، وهذا تهديد متعدد الوجوه ومُعقد. هناك الكثير من المجموعات الإرهابية في أفغانستان، مثل "داعش" بفروعه المختلفة، و"القاعدة"، وغيرهما الكثير. بالنسبة لنا هناك قضية "طالبان" الباكستانية، والذين يوجدون كذلك على الحدود الباكستانية الأفغانية. وقد نفذوا هجوماً ضدنا قبل أيام عبر الحدود. نتوقع أن تساعدنا "طالبان" (أفغانستان) في القضاء على هذه المخاطر. ولدى الروس والصينيين مخاوف. إذن القضية هنا هي هل سيتمكن المجتمع الدولي (وطالبان) من العمل معاً للقضاء على الإرهاب القادم من أفغانستان، أم أن البعض سيحاول اللعب؟
* ما تعليقكم على تجميد الولايات المتحدة لاحتياطات الحكومة الأفغانية في المصارف الأميركية؟ هناك تقارير عن استعداد الصين للاستثمار والتعامل مع "طالبان". هل ستكون الصين بوابة الحركة للمجتمع الدولي؟
ــ تقديري في ما يخص تجميد الأموال، أنه لعله كان رد فعل متسرّع من واشنطن. وربما يشعرون بأنه يمكنهم من خلاله الضغط على "طالبان". ويبدو أن أولوياتهم هي إخلاء من كانوا يساندونهم، ولا أعتقد أن هذا سيكون عائقاً كبيراً، وستترك "طالبان" هؤلاء يخرجون. وقد يرغب الأميركيون باستخدام ذلك للتأثير على الوضع، ووضع شروط معينة للاعتراف بطالبان، أو تشكيل حكومة معينة. وأعتقد أنه يمكن التفاوض على ذلك أيضاً. ولكن إذا كان الهدف أبعد من ذلك، في محاولة من الأميركيين للضغط ودفع الأمور باتجاه معين، داخلياً أو خارجياً، فإن ذلك قد يصبح مشكلة. ولكن على المدى القصير، إذا استمر تجميد الأموال فإن الاقتصاد الأفغاني سينهار بشكل كامل، أو يقترب من الانهيار. وهنا يجب الحذر، لأن انهيار الاقتصاد سيعني المزيد من اللاجئين، وربما الملايين، ومن سيستضيفهم؟ في ما يخص الصين أعتقد أن قلقها الرئيسي هو الحزب الإسلامي التركستاني (منظمة مسلحة انفصالية أيغورية تدعو لإنشاء دولة إسلامية في إقليم شينجيانغ الصيني)، لكنها تريد أن تستقر الأوضاع في أفغانستان. وقد يأخذ الصينيون دوراً أكثر فعالية إذا شعروا أن الولايات المتحدة تريد زعزعة استقرار أفغانستان. ولكن ما زال الكثير من الأمور غير واضح، وأعتقد أننا جميعاً نحاول العمل معاً، وآمل أن يستمر ذلك.

قد يأخذ الصينيون دوراً أكثر فعالية إذا شعروا بأن أميركا تريد زعزعة استقرار أفغانستان

* متى ستعترفون بحكومة طالبان؟
ـ أعتقد أننا سنحاول فعل ذلك بالتنسيق مع دول المنطقة. نريد أن تكون دول المنطقة على المركب نفسه معنا في هذا الشأن.
* هل هذا جزء من المباحثات في اجتماعاتكم هذا الأسبوع مع دول المنطقة على المستوى الوزاري؟
ـ هذا جزء من النقاشات... ما سنقترحه على حركة طالبان هو أن تشكل حكومة تشمل جميع الأطراف. هذا سيجعل الاعتراف بها أسهل. ومن الواضح أنه لدينا علاقات جيدة معها، وأعتقد أن بعض دول المنطقة تريد أن ترى استقراراً في أفغانستان، وأميركا كذلك. نريد تطبيع الأمور، ولكن إذا كان هناك أفراد أو جيوب غير مستقرة ودعم لهذا الطرف أو ذاك، وإذا كان الإيرانيون غير راضين عن معاملة الشيعة في أفغانستان، وغيرها الكثير، فإن تلك الأمور ستؤدي إلى مشاكل. لذلك علينا إقناع "طالبان" بمواجهة هذه الأمور. الكثير من الأمور ما زال غير واضح، ولا أدري مدى استجابتها الفعلية. في لحظة ما علينا أن نقوم بحساباتنا الخاصة، وسنرى ما هي الضمانات التي سنحصل عليها. ولكننا نحاول جميعاً الدفع بالاتجاه الصحيح، وهو حكومة تشمل الجميع.
* وهل يتضمن هذا النساء بالنسبة لكم؟
ـ لقد قالت الحركة إنها ستمنح النساء حقوق العمل والحركة بما يتناسب مع الشريعة. ولكن ندرك أن الشريعة مرنة... من يدري هل هي الشريعة التركية، أو السعودية مثلاً؟ من دون شك لن تكون بحسب ما تريده المنظمات غير الحكومية الغربية. أعتقد عموماً أنه إذا احترمت "طالبان" حقوق النساء المتعلقة بالتعليم والعمل، ولم يكن هناك إجبار، فإن ذلك قد يؤدي بطء إلى تطور (في فكر الحركة). آخر مرة (عندما حكموا من 1989 إلى 2001) لم تكن أمامهم فرصة للتطور لأنهم أوقفوا (أطيح بهم من الحكم)... نأمل أن لا يقفوا بطريق أنفسهم، وألا يتم فصلهم عن المجتمع الدولي.
نبذة عن منير أكرم
تولى السفير منير أكرم منصبه ممثلاً دائماً لباكستان لدى الأمم المتحدة في نيويورك، برتبة سفير فوق العادة ومفوض، في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. وانتخب في يوليو/ تموز 2020 رئيساً للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة في نيويورك. وشغل سابقاً عدداً من المناصب، بينها سفير باكستان وممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك لمدة ست سنوات، بين 2002 و2008، تولى خلالها رئاسة مجلس الأمن مرتين خلال عضوية بلاده في المجلس في 2003 و2004، وعمل كذلك سفيراً ومندوباً دائماً لبلاده لدى الأمم المتحدة في جنيف لمدة سبع سنوات، من 1995 إلى 2002، وكان سفير باكستان لدى المجلس الأوروبي وبلجيكا ولوكسمبورغ بين 1988 و1992. وأكرم حاصل على رسالة ماجستير في العلوم السياسية، ودرس القانون في جامعة كراتشي، قبل الانضمام إلى السلك الدبلوماسي الباكستاني في 1967.

المساهمون