استمع إلى الملخص
- المستشار محمد ناجي دربالة أشار إلى أن القرار يعكس ضعف القضاء المصري وتراجع الثقة العامة، ويتنافى مع حقوق الإنسان واستقلال القضاء.
- المحامي أسعد هيكل أوضح أن القرار يقيد الإعلاميين والمحامين، مما يعيق متابعة العدالة ويشكل انتكاسة للحريات العامة، متجاوزاً صلاحيات المحكمة.
أثار القرار الصادر قبل يومين عن رئيس محكمة استئناف القاهرة، القاضي محمد نصر عبد المجيد، الذي يحظر على القضاة المصريين التحدث أو الكتابة أو الظهور في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، أو الإذن بالتصوير داخل جلسات المحاكمات أثناء انعقادها، جدلاً واسعاً في الأوساط القضائية والقانونية، حيث اعتبره البعض تجاوزاً خطيراً للدستور وانتهاكاً صريحاً لحقوق القضاة المصريين في التعبير عن الرأي.
ووصف مصدر قضائي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، القرار بأنه "نموذج من نماذج الاستبداد والقمع باستخدام القانون"، مشيراً إلى أن "هذا القرار يمنع القضاة المصريين من التعبير عن آرائهم بأي صورة كانت وفي أي موضوع، وهو أمر غير دستوري دون أدنى شك". وأضاف المصدر: "ما يحدث هو قمع من نوع جديد، يعكس رغبة في إسكات أي صوت معارض، ويدفع الاستبداد إلى مستويات غير مسبوقة، سواء داخل السلطة القضائية أو خارجها".
مصدر قضائي: قرار منع القضاة من التعبير عن آرائهم غير دستوري
المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض السابق، صرح لـ"العربي الجديد"، معلقاً على القرار المثير للجدل: "هذا القرار يعكس مظاهر ضعف متفاقمة في جسد القضاء المصري، الذي بات مرهقاً بسبب تراجع الثقة العامة وهيمنة السلطات الأخرى عليه. هذه القرارات هي بمثابة بثور تظهر كطفح على جسد مؤسسة يفترض أن تكون مستقلة وقوية. مصير هذه الإجراءات إلى الزوال، ولن تؤدي إلا إلى الحط من قدر من تبناها، فهي لا تتوافق مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ولا مع الأصول العالمية لاستقلال القضاء، ولا مع قواعد الدستور المصري، بل إنها تتنافى حتى مع المنطق السليم وأبجديات العقل الرشيد".
منع القضاة المصريين مسألة داخلية
من جانبه، صرح المحامي والحقوقي أسعد هيكل، لـ"العربي الجديد"، معلقاً على قرار رئيس محكمة استئناف القاهرة، إن منع القضاة المصريين من التحدث في وسائل الإعلام، مسألة قضائية داخلية، "لكن ما يخصنا كوننا محامين، هي الفقرة من القرار التي تحظر التصوير داخل جلسات المحاكمات". وقال إن "الدستور المصري رسّخ مبدأ علانية الجلسات لضمان المحاكمات العادلة، حيث ينص على أن جلسات المحاكمات تكون علنية إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام أو الآداب. حتى في هذه الحالات، يبقى النطق بالحكم علنياً. هذه الصلاحيات منحها الدستور حصراً للمحكمة التي تنظر الدعوى، ما يعني أن هذا القرار يخالف الدستور والقانون بوضوح، لأنه ينتزع هذه السلطة من المحكمة لصالح إدارة إدارية".
وأضاف هيكل: "القانون رقم 71 لسنة 2021 عدّل بعض أحكام قانون العقوبات ليضيف عقوبة الغرامة على كل من يقوم بالتصوير أو التسجيل أو البث دون إذن المحكمة. هذا يعني أن المحكمة هي الوحيدة المخولة قانوناً تنظيم عملية التصوير والبث أو منعها. قرار رئيس محكمة استئناف القاهرة تجاوز هذه الحدود بمنعه الإذن بالتصوير داخل قاعات الجلسات أثناء انعقادها، مما يشكل خرقاً للدستور والقانون".
القرار يقيد المحامين والإعلاميين
أسعد هيكل: القرار لا يقيد القضاة فقط، بل يمتد أيضاً إلى الإعلاميين والمحامين
وأوضح هيكل أن هذا القرار لا يقيد القضاة فقط، بل يمتد أيضاً إلى الإعلاميين والصحافيين والمحامين، ويحد من قدرتهم على أداء عملهم بحرية. وأضاف: "منع الصحافة والإعلام من متابعة وتغطية القضايا العامة يعوق المجتمع عن متابعة سير العدالة، خاصة في ظل التقدم التكنولوجي الذي أتاح وسائل حديثة للبث والتصوير. هذه القيود تشكل انتكاسة على مستوى الحريات العامة والحريات القضائية، وتنتزع السلطة التقديرية من القضاة أنفسهم". واختتم هيكل تصريحاته بالقول: "هذا القرار يمثل ردة على مستوى الحريات وضمانات المحاكمة العادلة، ويضع العراقيل أمام الشفافية التي هي أساس العدالة".
ويأتي القرار الأخير في سياق سلسلة من الإجراءات التي اعتبرها مراقبون محاولات لإحكام السيطرة على المؤسسة القضائية. فقد شهدت السنوات الأخيرة تحقيقات مع عدد من القضاة الذين أعربوا عن آرائهم في قضايا عامة أو أبدوا مواقف تجاه سياسات معينة. ففي العام 2022، تم طلب التحقيق مع 48 قاضياً بتهم مختلفة تتعلق بمشاركتهم في أعمال تُوصف بأنها مخالفة لقواعد الحياد القضائي، إلا أن مراقبين اعتبروا ذلك استهدافاً ممنهجاً للقضاة الذين يعبرون عن آرائهم بحرية، لكن تم التراجع عن القرار أخيراً بعد تدخل رئيس نادي القضاة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء.