اتّهمت أحزاب ومنظمات تونسية، اليوم الثلاثاء، سلطة الانقلاب بمواصلة تفكيك الدولة وضرب الحريات واستهداف مؤسسات المجتمع، معبرة عن قلقها في الوقت ذاته من تسارع وتيرة الاعتقالات في صفوف النقابيين، ومن خطاب التجييش والتخوين للنقابات والمنظمات الوطنية والقضاة والأحزاب السياسية.
وفي بيان، قال حزب التيار الديمقراطي إن "سلطة الانقلاب تواصل إصرارها على الهروب إلى الأمام في سياسة تهديم الدولة ما سيدفعها حتماً نحو القمع الممنهج لكل معارضة أو نفس نقدي ويستدعي بديلاً اجتماعياً ديمقراطياً يبني ديمقراطية حقيقية ويضمن الحرية والتشغيل والكرامة".
وأكد في بيان رفضه "تطويع النيابة العمومية لضرب الحق النقابي كما تم تطويعها سابقاً لترهيب معارضي سلطة الانقلاب".
كما جدد التيار الديمقراطي تمسكه بـ"مبادئ دستور الثورة، وعلى رأسها حرية التعبير والتنظيم والعمل السياسي والنقابي والمدني"، مشيراً في المقابل إلى "عجز سلطة الانقلاب عن الاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية".
تصفية الإعلام
في السياق، بيّن الأمين العام للتيار الديمقراطي نبيل حجي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "العملية كانت واضحة منذ بداية مسار الرئيس قيس سعيد، فهو يرى علاقة واحدة في المجتمع، أي رئيس وشعب، وليس الشعب من يقرر ما يحب، بل الرئيس هو الذي يعلم ويقرر".
وأوضح أن "هذا يعني أن بقية الأجسام الوسيطة لا بد أن تندثر، وقد انطلق بالأحزاب، ثم الهيئات، ثم القضاء"، مشيرا إلى أن "الآن العقبة التي يراها أمامه هي النقابات، وبمجرد أن بدأ الاتحاد إعداد مبادرة مع منظمات أخرى أصبح هذا الجسم الوسيط عدواً لقيس سعيد".
وأضاف حجي أن "فكر سعيد واضح والاستهداف ممنهج"، معتبراً أنه "بعد الاتحاد ستكون آخر حلقة الإعلام، وبعد تشويه الأحزاب والقضاء وشيطنة الاتحاد فإنه سيتم تصفية الإعلام".
وحول سبل الخروج من الأزمة، قال إن "الخروج يتطلب امتلاك أدوات الفعل، وبالتالي طالما أن أدوات الفعل بيد رئيس الجمهورية، فإن المنظمات والأحزاب لا تملك سوى الضغط عليه للكف عن هذا العبث".
وأكد أنهم "ليسوا دعاة عنف وتخريب، وبالتالي لا بد من ضغط جميع الأطراف، صحيح أن تقديم مقترحات مسألة جيدة، ولكن سعيد لا يستمع إلى أي طرف ولا يعترف بحوارات فلا حل سوى مواصلة الضغط".
خطابات التخوين والتهديد
بدورها، قالت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات إنها "تتابع بكل انشغال تطورات الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس، خصوصاً على أثر ما عرفه الدور الثاني من الانتخابات التشريعية من مقاطعة شعبية لم تكن أفضل من الدور الأول، سواء من ناحية نسبة المشاركة العامة التي لم تتجاوز 11 بالمائة، أو من ناحية نسبة مشاركة النساء التي لم تتجاوز الثلث، إضافة إلى ضعف حضور النساء في البرلمان القادم الناجم عن نسف مبدأ التناصف للترشح باعتماد نظام الانتخاب على الأفراد".
وأوضحت الجمعية، في بيان، أنه "بدل الاعتراف بالأزمة وإيجاد الحلول بالحوار والتشاركية، يُطالعنا رئيس الجمهورية بخطابات التخوين والتهديد، لكل من يخالفه الرأي، سواء من مجتمع مدني أو حركات احتجاجية أو سياسية، لعل آخرها الخطاب التحريضي ضد الاتحاد العام التونسي للشغل من ثكنة العوينة".
كذلك، نددت بـ"سياسة الهروب إلى الأمام ومواصلة تبرير سياسة الانفراد بالسلطة والإقصاء واتهام المجتمع المدني والأحزاب السياسة التقدمية باللجوء في كل مرة إلى نظرية المؤامرة، هذا التوجه لن يزيد إلا في تأزيم الأوضاع ولن يحل المشاكل المتراكمة".
تجمع نسائي في مارس
وقالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نائلة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن" الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي متأزم، وبالتالي هم معنيون كغيرهم من المنظمات بتحمل المسؤولية والمساهمة في إيجاد حل".
ولفتت إلى أن "الأزمة طاولت جميع الميادين، وهناك إيقافات شملت نشطاء في الحركة النقابية وهناك ضرب للعمل النقابي والحقوق والحريات"، مشيرة إلى أن "التراجع عن المكتسبات واضح، ما يدفع إلى دق ناقوس الخطر".
وأوضحت أن "جمعية النساء الديمقراطيات دأبت ومن حيث المبدأ في الدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية وعن المنظمات المدافعة عنها، وتذكّر بوقوفها إلى جانب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان أيام الجمر، كما سبق ووقفت في مختلف الحقبات التاريخية التي استُهدف فيها الاتحاد وغيره من المنظمات المستقلة ومكونات المجتمع المدني الديمقراطية".
وذكرت المتحدثة أنهن "يجددن دعمهن للاتحاد الذي يعمل من جهته على إيجاد مخرج للأزمة".
وأفادت بأنهن "يتوجهن برسالة أنهم كمجتمع مدني ومنظمات متحدون وصف واحد وهم ضد ضرب الحق النقابي والحريات، وضد المحاكمات العسكرية للمدنيين، ومحاولة وضع اليد على القضاء".
وشددت على أن "القضاء سلطة مستقلة، وأي توظيف له مرفوض، ولا بد من تحييد المؤسسات الأمنية والعسكرية عن الصراعات السياسية ضماناً للمسار الديمقراطي المهدد بانحرافات سلطوية تمثل خطراً على مدنية الدولة والمكاسب الديمقراطية، وانفراد رئيس الجمهورية بالحكم، واحتكاره المجال السياسي، وإصراره على المواصلة في سياسات الفشل الحكومي، وانعدام الكفاءة في مواجهة المشاكل".
وتابعت أنهن "سينظمن يوم 8 مارس/آذار تجمعاً نسوياً كبيراً لتقديم تصوراتهن والحلول الممكنة للخروج من هذا الوضع المتردي وللأزمة التي نعيشها في تونس".
انفجار اجتماعي وسياسي وشيك
من جهته، حذر المجلس الوطني للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، من "مغبة مزيد تردّي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يهدد بانفجار اجتماعي وسياسي وشيك"، مؤكداً أن "الحوار هو السبيل للخروج من الأزمة".
وأوضحت الرابطة في بيان ختامي لمجلسها الوطني، اليوم الثلاثاء، أنها "تسجّل خطورة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، وذلك من خلال العديد من المؤشرات، التي تنذر بمزيد تردّي الأوضاع ممّا يهدد بانفجار اجتماعي وسياسي وشيك".
وأضافت الرابطة أن "انسداد الأفق السياسي وتعمّق الأزمة واتساع الهوّة بين مكونات السلطة التنفيذية وباقي مكونات المجتمع المدني والسياسي، وعزوف الغالبية القصوى من التونسيين والتونسيات عن ممارسة حقهم الانتخابي، وضعف نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، نتيجة تواصل الإحساس بالخذلان وفقدان الأمل في تحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وفقدان السلطة الحاكمة حلولاً للخروج بالبلاد من الأزمات المتعاقبة".
وحذرت من "تواصل استهداف مقوّمات الدولة المدنية والديمقراطية، والإمعان في تركيز الحكم الفردي المطلق، والذي كان أحد أسباب انتفاضة الشعب التونسي إبّان ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول، ومن التضييق الممنهج على حرية الرأي والتعبير، من خلال العديد من القرارات والمراسيم، وفي مقدمتها المرسوم عدد 54 لسنة 2022، والذي توسعت بموجبه التتبعات القضائية والهرسلة الأمنية لنشطاء المجتمع المدني والصحافيين والصحافيات والمدونين والمدونات والمحامين، وكذلك المشاركين والمشاركات في الاحتجاجات السلمية".