منظمات حقوقية: تحقيق الحكومة السورية حول أحداث الساحل يفتقر للشفافية

23 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 14:42 (توقيت القدس)
سيارات مدمرة بفعل الاشتباكات في جبلة، اللاذقية 11 مارس 2025 (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التقرير المشترك من ثلاث منظمات حقوقية ينتقد الحكومة السورية لعدم الشفافية في تحقيقات العنف في مارس، مسلطاً الضوء على الانتهاكات مثل الإعدامات التعسفية وتدمير الممتلكات.
- يشير التقرير إلى عدم تناول التحقيقات لدور القادة العسكريين والمدنيين في الانتهاكات، مؤكداً على دور وزارة الدفاع السورية في العمليات العسكرية وضرورة محاسبة القادة.
- دعت المنظمات إلى نشر تقرير التحقيقات كاملاً، حماية الشهود، توسيع المحاسبة، والسماح بآليات المساءلة الدولية لتحقيق العدالة والإصلاحات المؤسسية.

اعتبرت ثلاث منظمات حقوقية أن الحكومة السورية لم تقدم سوى "قدر ضئيل من الشفافية" بشأن ما إذا كان تحقيقها في أعمال العنف التي وقعت في ثلاث محافظات سورية، في مارس/آذار الماضي، قد تناول دور كبار القادة العسكريين أو المدنيين، أو ما هي الخطوات التي ستتخذها لمحاسبة الذين يتمتعون بسلطة القيادة.

وأصدرت منظمات "هيومن رايتس ووتش" و"سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" و"الأرشيف السوري"، اليوم الثلاثاء، تقريراً بعنوان "'أنت علوي؟.. الاستهداف القائم على الهوية خلال المرحلة الانتقالية في سوريا"، يتناول "الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها القوات الحكومية، والجماعات المسلحة الموالية للحكومة، والمتطوعون المسلحون، بما يشمل الإعدامات التعسفية، والتدمير المتعمد للممتلكات، وإساءة معاملة المحتجزين"، بحسب "رايتس ووتش"، التي أضافت أن نتائج التقرير تُظهر أن "هذه الجرائم وقعت في إطار عملية عسكرية منسقة مركزياً بإشراف وزارة الدفاع، التي واصل مسؤولوها تنسيق نشر القوات حتى بعد أن أصبحت عمليات القتل الجماعية معروفة للجمهور".

وقالت هبة زيادين، وهي باحثة أولى في شؤون سورية في هيومن رايتس ووتش: "اعتراف الحكومة بالفظائع هو خطوة إلى الأمام، لكنه لا يرقى إلى تحقيق العدالة حيال المسؤولين رفيعي المستوى الذين مكّنوا هذه الجرائم أو لم يوقفوها. عدم محاسبة القادة والمسؤولين الذين نشروا القوات المنتهِكة أو وجّهوها يفتح الباب أمام المزيد من الأعمال الانتقامية والفظائع في سورية".

وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن التقرير استند إلى أكثر من 100 مقابلة مع ضحايا وشهود ومقاتلين وصحافيين، بالإضافة إلى مواد سمعية بصرية وصور أقمار صناعية تم التحقق منها، ووثّق انتهاكات واسعة النطاق في أكثر من 24 بلدة وقرية وحي، بين السادس من مارس/آذار وحتى العاشر منه على الأقل. وشملت هذه الانتهاكات "الإعدامات التعسفية، ومداهمة المنازل، والنهب، والحرق، والانتهاكات على أساس الهوية".

وبالرغم من أن المنظمات الثلاث لم تجد أوامر مباشرة بارتكاب الفظائع من قبل المسؤولين السوريين، إلا أن التقرير اعتبر أن "وزارة الدفاع في الحكومة الجديدة لعبت دوراً مركزياً في حشد الوحدات وتنسيق انتشارها". وأضاف التقرير أن السلطات حشدت عشرات آلاف المقاتلين من مختلف أنحاء البلاد، وخصصت لهم مناطق عمليات مشتركة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن مقاتلين سوريين أخبروها بأن "القيادة العسكرية واصلت تنسيق القوات ونشرها حتى بعدما علمت السلطات، أو كان ينبغي أن تعلم، بوقوع القتل والفظائع".

بدوره، قال بسّام الأحمد، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لـ"سوريون من أجل الحقيقة والعدالة": "ليس من الضروري وجود أمر يحمل توقيعاً لمحاسبة كبار المسؤولين وقادة الفصائل. كانت لدى مسؤولي وزارة الدفاع القدرة على حشد عشرات آلاف المقاتلين، وتحديد مناطق الانتشار الجغرافي وتوزيعها، وإبقاء العمليات مستمرة في عشرات البلدات لأيام. السؤال لا يتمحور فقط حول من أصدر الأوامر، أو ما إذا كان قد أصدرها، بل لماذا لم يتمكن أي شخص مسؤول من وقف القتل والنهب الواسع النطاق. هذا تقصير في القيادة وضعف في الإرادة".

وكانت "اللجنة الوطنية السورية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل" التي شكلتها الحكومة السورية قد قدمت تقريرها عن أحداث مارس في 22 يوليو/تموز الماضي، قالت فيه إن ما لا يقل عن 1.426 شخصا قُتلوا، وأن السلطات أحالت 298 مشتبها بهم إلى القضاء. وأكدت نتائج التحقيق وقوع فظائع جماعية ضد المدنيين، ما مثل تحولاً، بحسب هيومن رايتس ووتش، عن أجواء الإنكار والإفلات من العقاب الذي سادت في ظل حكومة الأسد، لكن التحقيق لم يتطرق إلى أوجه التقاعس المؤسسية الأعمق، بما في ذلك دور كبار المسؤولين في تمكين الانتهاكات الواسعة أو عدم منعها.

وأشارت "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" و"الأرشيف السوري" إلى اعتراف اللجنة نفسها بأن قوات الأمن ارتكبت انتهاكات قبل مارس. ووجد التحقيق المشترك للمنظمات الثلاث أن أنماط الاحتجاز التعسفي، ومداهمات المنازل، والاستهداف على أساس الهوية في المجتمعات العلوية كانت قد بدأت قبل أسابيع في حمص وريف حماة. استمرت الانتهاكات منذ ذلك الحين، وشملت تلك التي وقعت في محافظة السويداء الجنوبية في يوليو/تموز، حيث أفاد السكان المحليون الدروز بوقوع إعدامات تعسفية، ونهب، وتدمير للممتلكات خلال العمليات الأمنية الأخيرة التي نفذتها وحدات من وزارتَيْ الدفاع والداخلية.

واعتبرت المنظمات أن تواصل اللجنة الوطنية مع المجتمع المدني والجهات الدولية، بالإضافة إلى التزامها المعلن بتحقيق العدالة، يشكّل تطوراً إيجابياً، وأشارت إلى أن توصياتها بشأن الإصلاحات المؤسسية وتدابير العدالة الانتقالية والتعويضات ودمج الجماعات المسلحة في هياكل شفافة وخاضعة للمساءلة هي مقترحات بنّاءة تتطلب متابعة عاجلة.  وطالبت المنظمات الثلاث السلطات السورية بنشر تقريرها الكامل عن التحقيق، وحماية هويات الشهود، وضمان الإجراءات القانونية الواجبة للمتهمين. عليها أيضا ضمان أن الإجراءات القضائية لا تقتصر على الجرائم الفردية، بل تشمل أيضا المسؤولية المؤسسية.

كما طالبت السلطات بالسماح بوصول آليات المساءلة الدولية، بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة، وتنفيذ إصلاحات أمنية تشمل التحقق من خلفيات المقاتلين، وطرد المقاتلين المتورطين في الانتهاكات، وتطبيق هياكل قيادة ومدونات سلوك واضحة. وقالت جلنار أحمد، مديرة برنامج الأرشيف السوري: "الأمر لا يتعلق بما حصل في أسبوع واحد في مارس/آذار، بل هو مؤشر إلى نمط أوسع يحتاج إلى معالجة هيكلية وشفافة".

وكان الساحل السوري قد شهد أحداثاً دامية في مارس/آذار الماضي، استمرت عدة أيام، بعد هجمات شنها مسلحون موالون للنظام السابق على القوات الأمنية هناك، وانتهت باستعادة قوات الحكومة السورية السيطرة على المنطقة، بعد عملية واسعة شاركت فيها "فصائل غير منضبطة" وتخللتها انتهاكات واسعة وعمليات قتل بحق مدنيين، فضلاً عن سلب وحرق الممتلكات.