منطقة آمنة في سورية: مشروع تركي يصطدم بمعوقات أمنية وسياسية

منطقة آمنة في سورية: مشروع تركي يصطدم بمعوقات أمنية وسياسية

08 مايو 2022
فتاة سورية في إسطنبول تبكي لمغادرة أقاربها إلى سورية عام 2019 (أوزان كوز/فرانس برس)
+ الخط -

في خضم الجدل حول اللاجئين السوريين في تركيا، وهو الملف الذي تستخدمه المعارضة التركية في وجه الحكومة قبيل الانتخابات التي ستشهدها البلاد العام المقبل، أخرجت السلطات التركية إلى العلن مشروع إنشاء منطقة آمنة لإعادة نحو مليون سوري إلى بلادهم، في عودة إلى هذا المخطط الذي تطرحه منذ عام 2012، ولكن بدوافع ومعطيات مختلفة هذه المرة.

غير أن هذا المخطط، الذي لم تتضح تفاصيله الكاملة إلى اليوم، يصطدم بالعديد من المعوقات، لعل أبرزها الوضع الأمني غير المستقر في الشمال السوري، الواقع تحت تهديد دائم من نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا. هذا بالإضافة إلى انتشار مجموعات متطرفة في المنطقة كـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي قد تهدد العائدين، وتشكّل مبرراً لقصف هذه المنطقة. كذلك، يغيب التوافق الدولي من قِبل كل الدول الفاعلة في الملف السوري على هذه الخطوة وتأمين تغطية لها.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء الماضي، عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح "العودة الطوعية" لمليون سوري إلى بلادهم. وقال، في رسالة مصورة خلال مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب السورية، إن المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، في 13 منطقة، على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

الوضع الأمني غير المستقر شمالي سورية من أبرز المعوقات

من جهته، أوضح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، خلال تدشين القرية السكنية قرب تجمع مخيمات الكمونة القريبة من بلدة سرمدا شمال إدلب، أن عدد اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا تحت الحماية المؤقتة، بلغ نحو ثلاثة ملايين و762 ألفا، حصل 200 ألف و950 منهم على الجنسية التركية.

كما أكد صويلو، في مقابلة تلفزيونية الخميس الماضي، أن بلاده بصدد بناء نحو 100 ألف منزل في محافظة إدلب، وتسليمها مع حلول نهاية العام الحالي. وأوضح أن تمويل مشاريع المنازل، والتي تبلغ مساحاتها 40 و60 و80 متراً مربعاً، هو من المنظمات الخيرية الدولية بالكامل.

وأشار إلى أن خطة المشروع التي تستهدف مليون لاجئ سوري، تهدف إلى بناء 250 ألف منزل، على امتداد الشمال السوري في مناطق النفوذ التركي، في مدن جرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، إضافة إلى إدلب.

سحب ورقة اللاجئين السوريين من يد المعارضة التركية

ومن الواضح أن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، يحاول سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة التركية التي صعّدت من خطابها التحريضي ضد اللاجئين السوريين.

وبدأت الحكومة طريقة تعاطٍ جديدة مع اللاجئين السوريين منذ أيام، وألغت ما يُعرف بـ"إجازة العيد" التي كانت تُمنح للاجئين لزيارة ذويهم في الداخل السوري خلال الأعياد.

واعترض حزب "الحركة القومية التركية"، المتحالف مع "العدالة والتنمية"، على السماح للسوريين بقضاء العيد في بلادهم، وهو ما دفع الحكومة إلى إلغاء الإجازة على الفور، في خطوة أربكت اللاجئين السوريين الذين باتوا ورقة انتخابية مهمة في تركيا، في ظل اتهامات تلاحقهم بإرهاق الاقتصاد والتسبب في زيادة الأسعار.

معوقات أمام مشروع المنطقة الآمنة في سورية

ولكن الخطة التركية لإعادة مليون سوري إلى بلادهم تصطدم بالعديد من المعوقات، لعل أبرزها الوضع الأمني غير المستقر، إذ ما يزال الشمال السوري يتعرض لقصف جوي ومدفعي من الطيران الروسي وقوات النظام، على الرغم من التفاهمات بين موسكو وأنقرة والتي تحكم الشمال الغربي من سورية منذ مارس/آذار 2020، وفق اتفاق وُقّع في موسكو.
وتخضع إدلب وبعض محيطها لسيطرة فصيل "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وهو فصيل متطرف يفرض قوانينه المتشددة على سكان المنطقة، لذا من الصعوبة بمكان عودة لاجئين سوريين إلى الشمال الغربي من سورية من دون أن تكون حياتهم مهددة.

كما عجزت فصائل المعارضة في مناطق سيطرتها في ريف حلب الشمالي وفي شرقي نهر الفرات، عن ضبط الأوضاع الأمنية في هذه المناطق التي يتعرض سكانها لتجاوزات متعددة من مجموعات خارجة عن القانون.

ويعدّ غياب الخدمات وفرص العمل من المعوقات الكبيرة أمام عودة اللاجئين، إذ يعاني نحو خمسة ملايين سوري يقطنون مناطق الشمال الآن، من ظروف معيشية خانقة، فالوضع الأمني المضطرب يحول دون إقامة مشروعات اقتصادية توفر فرص عمل لعشرات آلاف العاطلين.

عدم وجود قرار دولي يهدد خطة إنشاء المنطقة الآمنة

ومن أبرز المخاطر التي تهدد إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية، عدم وجود قرار دولي باعتمادها كمنطقة آمنة محظورة على الطيران، الأمر الذي يجعلها عرضة للقصف من النظام وإيران وروسيا.

فالنظام وموسكو يعتمدان أساساً في مواجهة المعارضة على قصف المناطق المدنية والبنى التحتية، وقد قام النظام خلال السنوات السابقة بتدمير مدن بأكملها، من خلال الصواريخ وإلقاء البراميل المتفجرة عليها.

كما استخدمت روسيا مرات عديدة قصف المدنيين كوسيلة للضغط على المعارضة من أجل القبول بقرارات معينة، الأمر الذي يجعل من هذه المنطقة هدفاً مهماً للنظام وحلفائه.

ولا يمكن إغفال تجربة تركيا مع حلفاء النظام، عبر اتفاقات خفض التصعيد التي بدأت بعنوان وقف إطلاق النار، وانتهت بقضم النظام وروسيا معظم المناطق التي سميت مناطق خفض تصعيد.

وفي حال كان تعويل تركيا على انشغال روسي بالحرب في أوكرانيا، فهو تعويل على ظرف مؤقت لا يتناسب مع إنشاء منطقة مستدامة لإعادة اللاجئين، التي تتطلب إعادتهم أن تكون جزءاً من حل سياسي لسورية بإشراف أممي.

وفي هذا الصدد، أوضح الباحث في مركز "الحوار السوري" أحمد قربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك "معوقات قانونية" أمام تنفيذ الخطة التركية؛ "سواء في تركيا أو في شمال سورية"، مضيفاً: "إعادة مليون لاجئ ليس سهلاً ويجر إشكاليات على تركيا".

وتابع: "بعد تسريب فيديو مجزرة التضامن قبل أيام، تأكد أن إعادة السوريين ليست آمنة حتى إلى المناطق التي تشرف عليها تركيا، فلا توجد صيغة لوقف إطلاق النار أو حظر طيران".

ورأى قربي أن الخطوة التركية "يمكن أن تدفع الدول الأوروبية إلى إعادة لاجئين لديها"، مضيفاً: "المناطق في الشمال السوري ليست آمنة، فهي مهددة من النظام والروس". وأشار إلى أن "التضييق على اللاجئين ربما يجبرهم على العودة، ولكن لن تكون عودة آمنة"، مضيفاً أن "العودة يجب أن تكون طوعية وآمنة".

ولفت إلى إشكالية أخرى وهي "ملكية الأراضي التي تقام عليها البيوت، فهذه قضية ليست سهلة، ويمكن أن تؤدي إلى تغيير ديمغرافي، أو توطين". وتساءل عن الجهة السورية التي "تعطي الشرعية لهذا الأمر"، مشيراً إلى أن "المجالس المحلية لا تملك هذا الحق. وتأمين التمويل لهذا المشروع أيضاً ليس بالأمر السهل".

ولفت إلى أن هناك "معوقات أمنية كبيرة، فحتى الجنود الأتراك يتعرضون لهجمات، وقد قُتل وأصيب عدد منهم في الشمال السوري".

لا خطط تركية عاجلة للتنفيذ بشمال سورية

وفي السياق ذاته، أكدت مصادر دبلوماسية تركية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أنه "لا توجد خطط جديدة عاجلة للتنفيذ الفوري حول أمن المنطقة، لجهة التواصل مع الأطراف والقوى المعنية".

وأوضحت أن "تركيا وروسيا متفقتان حالياً على استمرار التهدئة في المنطقة، في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا"، معتبرةً أنه في ظل وجود التوافقات التركية الروسية "فإن النظام غير قادر على تهديد هذه المناطق".

وأشارت المصادر إلى أنه "لم تجر في الفترة القريبة أي اجتماعات تركية روسية جديدة تخص المنطقة، وهو دليل على استمرار التوافقات السابقة من دون وجود جديد فيها".

وأوضحت أن "العمل جارٍ من قبل تركيا لتعزيز القيادة الموحدة لفصائل المعارضة السورية في شمال البلاد"، مشيرةً إلى أن "وجود القوات التركية في المنطقة هو عامل ضمان لوحدة هذه الفصائل".

وأضافت المصادر أن "التحديات الأمنية المرتبطة بالتنظيمات المسلحة وعملياتها تقلق المنطقة، والقوات التركية تبذل جهوداً من أجل منع هذه الخروقات".

وحول خطط الحكومة التركية حيال العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري، أوضحت المصادر أنه "لا توجد كذلك خطط عاجلة للتنفيذ في هذه المرحلة، سواء في المنطقة الآمنة أو لجهة العودة الطوعية".

وقالت إنه "لم تصدر تعليمات للمجالس المحلية، ولا للولاة في الولايات التركية المجاورة للمناطق الآمنة عن خطط للتنفيذ الفوري". وأوضحت أن خطط إعادة نحو مليون سوري "ستكون عبر المؤسسات بشكل متدرج من الأدنى للأعلى"، مشيرةً إلى أنه "من هذه الخطط بناء مزيد من المناطق السكنية وتجهيز بنيتها التحتية".

وتابعت "ستكون هناك زيارة رفيعة للمنطقة قريباً من أحد الوزراء لتحديد أماكن البناء الجديدة، لبدء المشاريع والخطط المستقبلية للعودة الطوعية".

تنفيذ الخطة في القريب العاجل صعب جداً

وفي الإطار ذاته، أشار الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن إعلان أردوغان منذ أيام خطة لإعادة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي يؤكد بأنها باتت آمنة "ليس جديداً".

وأضاف "إلا أن طرح الأمر بجدية أكبر في التوقيت الحالي أثار الكثير من التساؤلات لأسباب عدة، أولها أن الطرح جاء بعد أيام من زيارته السعودية، وبعد سلسلة القرارات التدريجية التي اتخذتها الحكومة ضد الوجود السوري في البلاد، وكان آخرها منع الراغبين منهم في قضاء إجازة عيد الفطر في مناطق الشمال السوري".

وتابع: "إلى حد الآن، لا يُعرف بالتحديد المدة الزمنية التي سيتم فيها تنفيذ مشروع العودة الطوعية، كما لم يكشف أردوغان عما إذا كانت الخطة تحظى بتوافق إقليمي ودولي، لاسيما أن سورية لا تزال غير آمنة بحسب تأكيدات الأمم المتحدة".

ورأى عودة أوغلو أن "تنفيذ الخطة في القريب العاجل صعب جداً بسبب الأوضاع الداخلية في تركيا، وفي مقدمتها استعداد حزب العدالة والتنمية الحاكم للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة التي تعد بمثابة انتخابات مصيرية للحزب ولمستقبل الرئيس أردوغان".

المساهمون