منتدى شباب العالم في مصر: مناسبة سنوية لتبذير الملايين

منتدى شباب العالم في مصر: مناسبة سنوية لتبذير الملايين

11 يناير 2022
السيسي خلال النسخة الثانية من المنتدى عام 2018 (بيدرو كوستا غوميز/فرانس برس)
+ الخط -

شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، صباح أمس الإثنين، افتتاح فعاليات النسخة الرابعة من منتدى شباب العالم، في مدينة شرم الشيخ السياحية الساحلية، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وقرينته، وولي عهد الأردن الأمير الحسين بن عبد الله الثاني.

ويُعقد المنتدى خلال الفترة من 10 إلى 13 يناير/كانون الثاني الحالي تحت شعار "العودة معاً"، بمشاركة شباب من 196 دولة بالعالم. علماً أنه حدث سنوي عالمي يقام في مدينة شرم الشيخ، وانطلق عبر ثلاث نسخ في الأعوام 2017 و2018 و2019، توقف بعدها بسبب جائحة كورونا، لكنه عاد هذا العام.

وشدد السيسي، في كلمته الافتتاحية خلال المنتدى، على حتمية الحوار لحل الخلافات. ودعا "دول العالم إلى العمل معاً على تجاوز تحديات البقاء وإنهاء الأزمات الراهنة، من أجل الإنسانية وإحلال السلام". وأكد أن "إخلاص النوايا هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراعات وإدارة الاختلاف في العالم".

فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في كلمته عن بُعد، إن "الشباب يدعون إلى التغيير ويطالبون بالمساواة والعدالة والتصدي لأزمة المناخ"، داعيا للاستعانة بهم وإعطائهم احتياجاتهم في المناقشات المتعلقة بالسياسات والاستثمار.

تمويل ضخم لمنتدى شباب العالم

 

وكشفت الاستعدادات والتجهيزات في مدينة شرم الشيخ، لاستقبال النسخة الحالية، عن تمويل ضخم تم رصده لهذا الحدث السنوي الذي يتم تنظيمه برعاية السيسي، من دون الإفصاح عن ميزانية أو مصادر تمويله رسمياً.

وانتقد مراقبون وسياسيون الإصرار على عقد منتدى شباب العالم، وتسخير كل أجهزة الدولة في عملية الاستعداد للمناسبة، وإهدار طاقات هائلة من جهد المئات ووقتهم، وملايين الجنيهات التي تنفق، ووصف كثيرون المناسبة بأنها مفتعلة وفي غير أوانها.

وقال سياسي مصري ونائب سابق، فضّل عدم نشر اسمه، إنه "على الرغم من إنفاق الملايين على تنظيم وتجهيز المنتدى الذي يحرص السيسي على حضوره سنوياً، إلا أن العائد منه هو "صفر كبير"، في وقت تتحدث الدولة والرئيس شخصياً عن مدى فقر مصر والمصريين، تبريراً لرفع أسعار السلع والخدمات الأساسية".


نائب سابق: إدارة المنتدى تستغل موارد الدولة حتى لو لم تحصل على أموال سائلة من الموازنة

وتابع أنه "على الرغم من تأكيد إدارة المنتدى أن الرعاة يتكفلون بتغطية ميزانية جميع أحداث وفعاليات المنتدى بالكامل، حرصاً منها على عدم المساس بالموازنة العامة للدولة، وأن كل مصروفات المنتدى من خارج الموازنة العامة ولا تحمّلها أي أعباء، إلا أن الواقع غير ذلك".

وأوضح أن "إدارة المنتدى تقوم باستغلال موارد الدولة فعلياً، حتى لو لم تحصل على أموال سائلة من الموازنة، وعلى سبيل المثال فإن شركة مصر للطيران التابعة للحكومة تتحمل تكاليف نقل الآلاف من ضيوف المهرجان من خارج مصر ومن داخلها إلى مدينة شرم الشيخ، وهي بالطبع فاتورة كبيرة جداً، ذلك بالإضافة إلى الأموال التي ترصدها محافظة جنوب سيناء من أجل التأمين وما إلى ذلك من أمور لوجستية".

مصاريف كبيرة على الدولة المصرية

 

وأعلنت الشركة الوطنية "مصر للطيران"، الناقل الرسمي لمنتدى شباب العالم، عن تنظيم 80 رحلة من مطار القاهرة إلى مطار شرم الشيخ، خلال الفترة من 7 إلى 15 يناير الحالي "بأحدث طائرات الشركة لنقل الضيوف المشاركين".

كما كثفت شركة ميناء القاهرة الجوي من استعداداتها، وشكلت فرق عمل من العلاقات العامة على مدار 24 ساعة لسرعة إنهاء إجراءات وصول الوفود المشاركة الآتية من مختلف دول العالم إلى مطار القاهرة ثم إنهاء إجراءات سفرها، وتم تخصيص "كاونترات" لإنهاء إجراءات وفود المنتدى وتجهيز صالونات للضيافة في صالات الوصول الدولي والسفر الداخلي.

وقال النائب السابق إنه "حتى لو أن مصاريف إقامة الضيوف في مدينة شرم الشيخ السياحية في الفنادق ذات الخمس نجوم، تتحمّلها تلك الفنادق أو تتحمّلها شركات خاصة أخرى، فإن ذلك يعتبر أيضاً إهداراً لموارد الدولة، لأن تلك الفنادق والشركات هي جزء من الدولة ومن المنظومة الاقتصادية للدولة".

وأكد أن "قائمة رعاة النسخة الرابعة لمنتدى شباب العالم، التي أعلنتها إدارة المنتدى رسمياً، تضم مؤسسات وجهات حكومية مثل بنوك الأهلي المصري، ومصر، والقاهرة، والبريد المصري، والمصرية للاتصالات".

بالإضافة إلى مؤسسات وجهات أخرى منها بنوك التجاري الدولي، والعربي الأفريقي الدولي، والأهلي القطري، والمصرف المتحد، ومجموعة طلعت مصطفى، ومجموعة سيراميكا كليوباترا، وحديد عز، وشركة بنية، وشركة بالم هيلز للتطوير العقاري، وموقع طلبات، وشركة بيبسيكو الدولية، وجامعة MSA، وجامعة المستقبل، وجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وشركة almentor للتعليم عن بعد، وشركة ايفا فارما، وأبو غالي موتورز، والمجموعة المالية "هيرميس"، وشركة هواوي.


كيف يكون لمنتدى الشباب، فائض ميزانية بـ50 مليون جنيه؟

واستغرب المصدر إعلان إدارة المنتدى، عن تبرعها بـ50 مليون جنيه (نحو 3 ملايين و200 ألف دولار) "من فائض ميزانيتها هذا العام"، ليتم توجيهها لدعم وتمويل مختلف المبادرات التنموية.

وتساءل: "كيف يكون لمنتدى الشباب، فائض ميزانية أصلاً، فما بالك أن يكون هذا الفائض 50 مليون جنيه؟"، مشيراً إلى أنه "إذا كان فائض الميزانية وحده 50 مليون جنيه، فهذا يعني أن المنتدى لديه ميزانية ضخمة جداً وطبيعي أن تكون تحت مظلة الدولة، لأن المنتدى أصلاً يقام تحت رعاية رئاسة الجمهورية".

وقال المصدر إن "المفارقة أن البلدان الغنية نفسها لا تنفق أموالها بهذا البذخ، فما بالك ببلد فقير مثل مصر، يجاهر فيه رئيسه بذلك، ويقبع فيه الآلاف من المعتقلين خلف أسوار السجن منذ سنوات، لمجرد انتقادهم للنظام".

في السياق، كشفت مصادر من داخل إدارة المنتدى، عن أن الإدارة "قامت بحجز 6 فنادق كبيرة في مدينة شرم الشيخ من ذات الخمس نجوم، من أجل ضيوف المهرجان بالإضافة إلى المنظمين والمتطوعين الشباب، وهو عدد يتجاوز 5 آلاف فرد". وأوضحت أن الضيوف الأجانب "وصلوا منذ السابع من يناير الحالي وموعد مغادرتهم في الخامس عشر من الشهر ذاته".

ويتراوح سعر الغرفة الفندقية ذات الخمس نجوم في مدينة شرم الشيخ، من 2000 جنيه (نحو 130 دولاراً) إلى 7000 جنيه (نحو 450 دولاراً)، في الليلة الواحدة، كما يصل سعر تذكرة الطائرة من القاهرة للمدينة نفسها، إلى 3 آلاف جنيه. وأكدت إدارة منتدى شباب العالم، أنه تمت استضافة أكثر من 15 ألف شاب وشابة من 160 دولة على مدار الدورات الثلاث الماضية.

وكان مصدر مطلع في اللجنة المنظمة للنسخة السابقة من منتدى شباب العالم في أواخر عام 2019، قد كشف أن تكلفة النسخة الثالثة من المنتدى تجاوزت 600 مليون جنيه مصري (نحو 38 مليون دولار)، تحمّلت الجانب الأكبر منها عدة مصارف حكومية، بالإضافة إلى شركة "وي" للاتصالات، التي تستحوذ الاستخبارات على حصة حاكمة فيها؛ وسط توقعات بارتفاع تكلفة النسخة الحالية من المنتدى بسبب الإجراءات المصاحبة لأزمة تفشي جائحة كورونا.

لا تغييرات في إدارة منتدى شباب العالم

 

وكشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" عن أن الفريق المشرف على إدارة المهرجان، لا يزال كما هو منذ انطلاقه في العام 2017، على الرغم من حذف الأسماء عن الموقع الرسمي للمهرجان، والتي كان يتصدرها اللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة الحالي والمدير السابق لمكتب السيسي.

وقالت المصادر: "فريق كامل لإدارة المنتدى كما هو برئاسة العقيد أحمد شعبان، المسؤول الأول عن ملف الإعلام والدراما في جهاز المخابرات العامة، وتساعده في ذلك نهى النحاس، المديرة السابقة للنادي الإعلامي الدنماركي في مصر، والتابع للسفارة الدنماركية"، مشيرة إلى أن الخارجية الدنماركية كانت قد فصلتها من منصبها قبل سنوات، بعد الانتقادات التي وجهت إليها بسبب تضارب عملها في الحكومة الدنماركية، وعملها في الوقت ذاته في منتدى يخدم توجهات النظام الحاكم في مصر.

الفريق المشرف على إدارة المهرجان لا يزال كما هو، وعلى رأسه عباس كامل

والجدير بالذكر أنه بعد إقالة النحاس من إدارة النادي الإعلامي الدنماركي، قامت بتأسيس شركة 30 N degree للاستشارات الاستراتيجية، بمساعدة المخابرات العامة وتحديداً العقيد أحمد شعبان، وهي الشركة التي فازت بالمشاركة في تنظيم ما يسمى بـ"الاستراتيجية الوطنية لشباب مصر الدارسين بالخارج"، التي أطلقتها نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، منتصف العام 2019، والتي وصفها دارسون بالخارج بأنها مبادرة "لمراقبة الدارسين بالخارج".

استمرت النحاس أيضاً في عملها بمنتدى شباب العالم كمستشارة إعلامية للمنتدى خصوصاً للعقيد شعبان، بعد إقالتها من النادي الإعلامي، عن طريق الشركة التي أسستها، وكانت مهامها تتمثل في دعوة صحافيين من داخل مصر وخارجها، ممن يبدو أن لهم توجهات معارضة للنظام، لحضور منتدى شباب العالم، وذلك في إطار تحسين صورة النظام خارجياً وإظهاره وكأنه يستمع لوجهات النظر المختلفة معه.

وقالت المصادر إن النحاس لعبت أدواراً أخرى تتمثل في الوساطة ما بين النظام وبعض المحسوبين على المعارضة، والإفراج عن بعضهم من السجن، بعد عقد صفقات معهم، يتلخص معظمها في "عدم التعرض بالنقد اللاذع للنظام".

وأكدت المصادر أنه "بالنسبة لمنتدى شباب العالم، فإن نظام السيسي، يعول عليه كثيراً في قضايا مختلفة، ولإيصال رسائل إلى الداخل والخارج".

وأشارت إلى أن "فكرة المنتدى التي جاء بها العقيد أحمد شعبان، ليست بالجديدة إطلاقاً فأي باحث مبتدئ في التاريخ الحديث والمعاصر سيجدها في أدبيات السياسة للرئيسين العسكريين السابقين، جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات، لكنها أعجبت السيسي كثيراً، إذ إنه يمرر من خلالها العديد من الرسائل، وأوكل مهمة تنظيمها للعقيد شعبان".