منتحلو الصفات الأمنية في العراق: فوضى تخلّف ضحايا

منتحلو الصفات الأمنية في العراق: فوضى تخلّف ضحايا

10 أكتوبر 2020
ساهم استقطاب المنتسبين في ارتفاع عدد المنتحلين (فرانس برس)
+ الخط -

برزت خلال الأسابيع الماضية ظاهرة انتحال صفة ضابط الجيش والشرطة أو المستشار الوزاري في العراق، وكأن المشهد المدني لا ينقصه مشاكل، مع استهداف المنتحلين عادة التجار وميسوري الحال والباحثين عن التوظيف، أو ممن لديهم مشاكل أمنية كمعتقلين وأوامر قبض وغيرها. وكشف تقرير استخباراتي صادر من بغداد الأسبوع الماضي، وفقاً لمصادر أمنية لـ"العربي الجديد"، أن عشرات المواطنين وقعوا ضحايا تحايل منتحلي الصفات الأمنية، الذين يعتمدون في عملهم على العلاقات العامة والمظاهر المزيّفة للإيقاع بضحاياهم. مع العلم أنه في سبتمبر/أيلول الماضي فرّ إلى سورية شخص مارس صلاحيات واسعة بصفة عميد في مفتشية وزارة الدفاع، وتوسط في نقل جنود وضباط، فضلاً عن إلغاء قرارات مجالس تحقيقية صادرة بحق آخرين، في زمن الوزير السابق نجاح الشمري بحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة.


هناك جماعات كاملة تنتحل الصفة الأمنية للقوات الأمنية والحشد الشعبي

في السياق، أفاد ضابط رفيع في وزارة الداخلية بأن "ظاهرة انتحال الشخصية الأمنية ازدهرت خلال السنوات الأخيرة في العراق، وذلك مع كثرة استقطاب وزارتي الداخلية والدفاع للمنتسبين الجدد، وولادة التشكيلات العسكرية الجديدة. ولكن لا يمكن اعتبار الحالات الموجودة في البلاد بأنها ظاهرة غير مسيطر عليها أو كبيرة، بل إنها ظاهرة طبيعية، ونسبتها تتشابه مع ما يحدث في بلدان عربية أخرى". وأشار إلى أن "التحقيقات مع أغلبية المعتقلين بهذه الجريمة، تبيّن أن معظمهم ينتحلون صفة ضابط الأمن الوطني، كونه جهازا يعتمد على الضباط المدنيين، وغايتهم هي ابتزاز المواطنين والتجّار".

وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القوات العراقية وبالتنسيق مع جهاز الأمن الوطني بالاعتماد على بلاغات المواطنين تمكنت منذ بداية العام ولغاية الآن، من اعتقال نحو 27 شخصاً انتحلوا صفات أمنية"، مؤكداً أن "بعضهم كان في حوزته أكثر من هوية أمنية، وقد بالغوا في الانتحال، وقد وجدنا أنهم شرطة وضباط ومنتسبون في مقرات أمنية ومصارف وغيرها".

وأثار أخيراً اعتقال شخص ينتحل صفة ضابط رفيع في الجيش العراقي، تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبر مواطنون أنها مؤشر على وجود فوضى في بعض القطاعات الأمنية، ناهيك عن تهاون الأجهزة الأمنية في متابعة منتسبيها، تحديداً المسؤولين عن إصدار الهويات التعريفية. وسبق أن أعلنت السلطات الشهر الماضي، اعتقال رجل ينتحل صفة لواء ركن في وزارة الدفاع، أثناء تجواله في العاصمة بغداد.

وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع ذكرت في بيان أن "مديرية استخبارات وأمن بغداد تمكنت من اعتقال شخص ينتحل صفة ضابط برتبة لواء ركن في الجيش العراقي خلال محاولته عبور نقطة تفتيش جنوب العاصمة"، إلا أن ناشطين تعرفوا على الشخص وأكدوا أنه كان يمارس عمليات غير قانونية منذ عدة أشهر وجمع أموال، من خلال القيام بعمليات ابتزاز وتسهيل تسيير معاملات داخل مؤسسات الدولة.

من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي بدر الزيادي، إن "انتحال الصفة الأمنية في العراق، لا يقتصر فقط على الأفراد، الذين سرعان ما يتم كشفهم واعتقالهم، بل إن هناك جماعات كاملة تنتحل الصفة الأمنية للقوات الأمنية والحشد الشعبي، وتعمل على إرهاب المواطنين وابتزازهم. وهو ما تؤكده غالبية المجسات الأمنية والاستخباراتية في البلاد، وتعمل هذه الجماعات على شكل شبكات". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "بعض منتحلي الصفة الأمنية تمكنوا من النصب والاحتيال على عراقيين، وغادروا البلاد، وبالتالي فإن الحكومة العراقية عليها أن تحكم عليهم غيابياً بما يتناسب مع قانون العقوبات العراقي".


الكشف عن مسؤولين متورطين بعلاقات مع بعض منتحلي الصفات الأمنية

من جانبه، أشار الناشط السياسي أيهم رشاد، إلى أن "هناك مسؤولين متورطين بعلاقات مع بعض منتحلي الصفات الأمنية، وقد تكشف هذا الأمر في أكثر من مرة يتم الإعلان عن إلقاء القبض على مجرمين من هذا النوع. ولوحظ أن بعضهم لديه علاقات وثيقة بنواب وزعماء أحزاب ووزراء. وهو ما يدفع للمطالبة بالتحقق من سر العلاقة التي تربط بعض منتحلي الصفة الأمنية مع المسؤولين العراقيين". وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "بعض المتورطين بهذه الجريمة هم أفراد عاديون دفعتهم الظروف إلى هذا الأمر، ولكن بعضهم الآخر ينتمي إلى جماعات مسلحة مقربة من سياسيين".

بدوره، قال المحامي في محكمة الكرخ ببغداد قاسم السرّاي، إنه لم يسجَّل حتى الآن تهاون من قبل الجهات القضائية مع المتورطين بانتحال صفات الموظفين في الحكومة العراقية رغم كثرتهم ولا سيما المنتسبين في أجهزة الأمن. كما أنها لا تعمل بالتمييز في مثل هذا النوع من الجرائم، وخصوصاً أن كثيراً من منتحلي الصفة الأمنية تسببوا بأذى كبير لمواطنين". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "القانون العراقي نص أن انتحال الصفة جريمة وحدد عقوبتها ‏بموجب القرار المرقم 160 لسنة 1983، والذي فرض عقوبة السجن التي تصل إلى عشر سنوات، ‏وتشديدها إذا كان الفعل بقصد الحصول على مكاسب مالية".