استمع إلى الملخص
- نفذت مصر وتركيا مناورات عسكرية مشتركة، مما يشير إلى مستوى عالٍ من الثقة والجاهزية، وتسعى مصر لتحقيق توازن في علاقاتها الإقليمية مع تركيا واليونان وقبرص.
- يعتبر الخبير أيمن سلامة المناورات مؤشراً على التقارب الأمني بين مصر وتركيا، مع حذر القاهرة في الإعلان عن تحول استراتيجي قد يثير حساسية شركائها التقليديين.
في توقيت لافت، سبقت القاهرة إعلان أنقرة عن انتهاء مناورات مصرية تركية باتصال دبلوماسي حيوي أجراه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيريه القبرصي كونستانتينوس كومبوس، واليوناني جورجيوس جيرابيتريتيس، الأربعاء الماضي. وبحسب مصادر مصرية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن الاتصال جاء لتأكيد التزام مصر الكامل بالعلاقات "الاستراتيجية" مع نيقوسيا وأثينا، وتطمين العاصمتين بشأن أي تفسيرات متسرعة لخطوات التعاون العسكري بين القاهرة وأنقرة. ويعكس هذا المسار، وفقاً للمصادر، إدراكاً مصرياً لحساسية المرحلة وتشابك الملفات الإقليمية، إذ تفتح القاهرة قنوات عسكرية وأمنية مع تركيا، في وقت تستمر فيه في تعميق تحالفها القائم مع كل من اليونان وقبرص، في مجالات الطاقة وأمن المتوسط. وتضيف المصادر أن المناورات تحمل في طياتها دلالة واضحة على جدية التقارب المصري ـ التركي، لكنها لا تعني بأي حال من الأحوال تراجعاً عن التفاهمات القائمة مع الشريكين الأوروبيين.
مصادر: مصر تنظر إلى تركيا باعتبارها قوة إقليمية لا يمكن تجاهل دورها
توثيق جوانب من مناورات مصرية تركية
واكتفت وزارة الدفاع التركية بنشر مقطع مصور، الخميس الماضي، يوثّق جانباً من مناورات مصرية تركية مشتركة جرت بين 21 إبريل/نيسان الماضي والـ29 من الشهر نفسه على الأراضي التركية، بينما التزمت القاهرة الصمت، فلم تصدر أي إشارة رسمية عن الحدث. ونُفذت التدريبات بمشاركة وحدات النخبة من الجانبين شملت القتال في المناطق المبنية، وتكتيكات القناصة، والإنزال السريع، والاستطلاع الخاص، وغيرها من العمليات المعقدة التي تشير إلى مستوى عالٍ من الثقة والجاهزية بين القوتين. ويبدو أن القاهرة تحاول اتباع سياسة "الإمساك بالعصا من المنتصف"، فلا يتحول تقاربها مع أنقرة إلى مصدر توتر مع شركائها اليونانيين والقبارصة، الذين تربطهم بها اتفاقيات ترسيم حدود بحرية ومشروعات استراتيجية أبرزها منتدى غاز شرق المتوسط، وخطط الربط الكهربائي عبر البحر المتوسط، والتعاون في ملف الطاقة الخضراء.
ورأت مصادر "العربي الجديد" تعليقاً على ما شهدته الأراضي التركية من مناورات مصرية تركية أخيراً أن مصر تنظر إلى تركيا باعتبارها قوة إقليمية لا يمكن تجاهل دورها في الملفات المتداخلة مثل ليبيا، والتجارة عبر المتوسط، وأمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي. لكنها، في المقابل، تعتبر أن العلاقة مع اليونان وقبرص تمثل "رصيداً موثوقاً" لا يجب التفريط فيه، خصوصاً في ظل تنامي التحديات المتعلقة بتقلبات أسعار الطاقة، واستمرار النزاع في غزة، وتصاعد التوترات البحرية في شرق المتوسط. في هذا الإطار، رأى مراقبون أن القاهرة تسعى إلى صياغة توازن دقيق داخل التحالفات الإقليمية القائمة، لا سيما في ظل التحولات الجارية داخل "منتدى غاز شرق المتوسط"، الذي يضم إسرائيل واليونان وقبرص ومصر من جهة، ويدفع باتجاه تحالفات طاقوية متشابكة قد تتأثر بأي تحول في السياسات الإقليمية من جهة ثانية. وتظهر التحركات المصرية الأخيرة في المجمل أنها لا تبحث عن الانحياز لمحور ضد آخر، بقدر ما تسعى لإعادة تموضع محسوب في شرق المتوسط، يعيد لها القدرة على التفاوض والمساومة من موقع قوة، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف. وهي سياسة محفوفة بالتحديات، لكنها قد تمنح القاهرة مساحة أوسع في معادلة إقليمية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
أيمن سلامة: المناورات تمثل مؤشراً واضحاً على ارتفاع مستوى التقارب الأمني بين البلدين
دلالات متعددة
في السياق، قال الخبير أيمن سلامة إن مشاركة القوات الخاصة المصرية في تدريبات عسكرية على الأراضي التركية في هذا التوقيت تحمل دلالات متعددة، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أنها تمثل مؤشراً واضحاً على ارتفاع مستوى التقارب الأمني والعسكري بين القاهرة وأنقرة بعد سنوات من التوتر السياسي. واعتبر سلامة أن "هذه المناورات خطوة عملية تتجاوز التصريحات الدبلوماسية التقليدية، وتعكس رغبة متبادلة في بناء قدر من الثقة والتعاون العسكري الملموس". ورأى سلامة تعليقاً على إجراء مناورات مصرية تركية أن "صمت القاهرة الرسمي مقابل الإعلان الصريح من جانب وزارة الدفاع التركية قد يعكس حذراً مصرياً محسوباً في التعاطي مع هذا المسار، خصوصاً في ظل شبكة التحالفات المعقدة التي ترتبط بها مصر في شرق المتوسط". وأضاف: "من المرجح أن تكون القاهرة بصدد اختبار نيات أنقرة، وتقييم مدى جدية الأخيرة في تطوير علاقات مستدامة، من دون التسرع في الإعلان عن تحول استراتيجي قد يثير حساسية شركائها التقليديين، لا سيما اليونان وقبرص". وفي ما يتعلق بمدى اعتبار هذه المناورات تحولاً جذرياً في العلاقات العسكرية بين البلدين، شدد سلامة على أنه "من المبكر الحديث عن تحوّل حقيقي شامل، فهذه الخطوة تُعد رمزية وعملية في آن واحد، ضمن إطار تقارب سياسي أوسع. أما التحول الفعلي، فيتطلب سلسلة من الخطوات المتواصلة تشمل مجالات أعمق من التعاون الاستراتيجي، مثل تبادل الخبرات الدفاعية والتنسيق في القضايا الإقليمية الحساسة".